حوار افتراضي عن خطاب سماحة السيد نصر الله
} د. حسن أحمد حسن*
يعيد الكثيرون ترتيب أولويات جدول الأعمال اليومي الخاص بكلّ منهم بمجرد أن يتمّ الإعلان عن موعد محدّد لخطاب منتظر لسماحة السيد حسن نصر الله، وبخاصة لدى أولئك المهتمّين بالوضع المضطرب في هذه المنطقة الجيوستراتيجية من العالم. وهنا تتسع دائرة البيكار، فالاهتمام والمتابعة ليسا محصورين بأنصار محور المقاومة، بل إنّ المؤشرات الموضوعية المتكررة تؤكد أنّ النسبة الأكبر من الاهتمام تكون في داخل الكيان “الإسرائيلي”، ولدى مختلف الشرائح من المستوطنين والجنود والمسؤولين على اختلاف درجات المسؤولية السياسية والأمنية والعسكرية والمجتمعية والمعرفية بآن معاً، انطلاقاً من التسليم بمصداقية ما يقوله، وحب الاطمئنان لبوصلة توجّه دفة الأحداث المحتملة للمستقبل القريب وتداعياتها المغلفة بكثير من التشابك والضبابية، إلى أن يطلّ سماحته فسرعان ما تُفَكْفَكُ العرى المتداخلة، وتتضح معالم الصورة التي تثبت الأيام التالية دقة ما يتضمّنه حديث سيد المقاومة وصحة قراءته وصوابية استنتاجاته.
لا أدري كيف قفزت إلى الذهن فكرة غير تقليدية وأنا أعيد الاستماع للمرة الثانية لحديث سماحة السيد نصر الله في ذكرى استشهاد القائد الجهادي مصطفى بدر الدين عن كيفية متابعة الخطاب من قبل المسؤولين الصهاينة، وتخيّلت حواراً افتراضياً يجري بين نتنياهو وغالانت قبيل موعد الحديث بدقائق قليلة عبر اتصال هاتفي يطلب به غالانت من رئيس وزرائه أن يدعو لعقد اجتماع طارئ لكابينت الحرب المصغر لمتابعة الخطاب واستخلاص أهم الأفكار والاستنتاجات، لكن نتنياهو المسكون بهاجس تخلّي الغالبية عنه بعد دخول الشهر الثامن من الحرب على غزة، واحتمال تقديمه كبش فداء للتضحية به على مذبح الإبقاء على الكيان المؤقت حتى لو على المنفسة (“تنفس اصطناعي”)، ولأن الغدر والمخاتلة ونصب الفخاخ صفات يشترك بها المسؤولون الصهاينة فقد كان قرار نتنياهو أن يتابع كل عضو في كابينت الحرب المصغر الخطاب، ويدوّن ملاحظاته لعرضها في اجتماع خاص بدراسة تلك الملاحظات…
تخيّلت الجو المشحون الصاخب الذي يحكم اجتماع الكابينت وتبادل الاتهامات التي تصل حد الشتائم بين بعضهم بعضاً، وإلى أين يمكن أن تصل المناقشة الحادة لما تضمنه الخطاب، وكيلا يسرح بي الخيال بعيداً حاولت الاكتفاء بمقدمة بسيطة للجدل المتوقع، حيث الحوار التالي:
ـــ النتن: سنستمع إلى ما دوّنه كل منكم من أفكار ونبدأ بالاستماع إلى وزير الدفاع.. هات اسمعنا وجهة نظرك يا غالانت، وما الذي لفت انتباهك، وترى أنه تجب علينا مناقشته معاً؟
ـــ غالانت: الحقيقة لم أسمع جملة في خطاب نصر الله إلا وهي مهمة، وقد دوّنت رؤوس أقلام. وفي نهاية الخطاب وجدت نفسي قد كتبت كل الأفكار التي قالها، فليس هناك فكرة واحدة إلا وفيها صفعة مؤلمة لحكومتنا بعامة ولتهوّرك يا “بيبي” بخاصة.
ـــ النتن: صفعة لي أم لك يا “غوغو” وقد انتقلت من مرتبة “المسطّل” لمرتبة “المستهبل” ومكتّر؟
ــــ غالانت: بيبي! لا تحاول أن تمسح قذارة خيباتك بظهري المثقل بأعباء العجز… هذا أولاً، وثانياً لا فائدة من تبادلنا الاتهام بالتقصير والعجز، فجميعنا متورّطون بالفشل وبما آلت إليه الأوضاع، نحن الآن نتحدّث ضمن كابينت الحرب المصغر وليس عبر الإعلام لتعيد حديثك الممجوج عن الخطوة التي تفصلنا عن نصرك المطلق، فتعالوا نتفق على كيفية الخروج بأقل ما يمكن من الخسائر، وأقل ما فيها يرقى إلى تصنيف الخسارة الإستراتيجية، كما قال السيد.
ـــ النتن: أولاً: إياك أن تعيد قول “بيبي” فأنا رئيس الوزراء، وثانياً: طالما قلتها الآن بـ “عضمة” لسانك: “كما قال السيد” فهذا يعني أنت مقتنع بسيادته، وواضح للجميع هذا الرعب الداخلي الذي يسكنك ويسكن أداء الجيش الذي كنا نفتخر بأنه لا يقهر، لكنه تحول بوجودك ووجود رئيس الأركان “هاليفي” إلى مضغة تعلكها أفواه الغرباء والمقربين.. أنتما السبب المباشر وعليكما تقع المسؤولية الأكبر….
ـــ علا الصراخ، ورفعت القبضات في الوجوه فتدخل بيني غانتس وفصل بين الخصمين بعد عناء ومكابدة قائلاً: اتركوا مهاتراتكم خارج الكابينت، ودعونا نناقش ما قاله نصر الله، فإني أشتمّ رائحة كريهة توحي بكارثة حتمية تقترب أكثر فأكثر… هل استمعتم إلى ما قاله عن سورية، وكيف استشهد بكلام الرئيس الأسد بعد /13/ عاماً من أصعب حرب تواجهها أي دولة، ومع ذلك كان الموقف واضحاً وصريحاً، فسورية لن تغير موقعها ولا مواقفها، وأعلنت على لسان رئيسها أن: لا شيء يبدل الموقف السوري أو يزيحه مقدار شعرة، وكل ما يمكن أن تقدمه دمشق صمن إمكانياتها للفلسطينيين ولأي مقاوم ضدنا ستقوم به بدون تردد. وموقفها من المقاومة وتموضعها منها كمفهوم وكممارسة لن يتبدل، بل العكس هو يزداد رسوخاً لأن الأحداث أثبتت أن من لا يمتلك قراره فلا أمل له بالمستقبل، ومن لا يمتلك القوة لا قيمة له في هذا العالم.. هنا مربط الفرس، وهذا ما يجب العمل على التفكير به، وبكيفية تغييره حتى لو اضطررنا للدخول بحرب تقليدية تطال دمشق، وعندها تقترب المنطقة من الاشتعال، وتتدخل أميركا بشكل مباشر، وبغير ذلك لا أرى أي ضوء في النفق الذي نحن فيه…
ــــ يتدخل آيزنكوت ويقاطع غانتس: ما شاء الله عليك وعلى تفكيرك الاستراتيجي، وهل نحن في وضع مريح حتى نفكر بتوسيع دائرة الحرب؟ … دعنا أولاً نخرج رؤوسنا من مستنقع رمال غزة والمأزق الذي تزداد خطورته على مدار الساعة، وبعدها لكل حادث حديث… يعلو الصراخ من جديد ليضرب نتنياهو بكلتا يديه على الطاولة قائلاً: كفى… لا أريد سماع المزيد.. دقائق من الصمت والوجوم يخيمان على الاجتماع فيقطعهما صوت رنين الهاتف، وعبر السماعة الخارجية يأتي صوت رئيس الاستخبارات العسكرية الجديد مخاطباً نتنياهو: عذراً سيادة رئيس الوزراء! لدي خبران مزعجان: الأول يتعلق بخشونة المتظاهرين وتقدمهم باتجاه مكان اجتماعكم، ولم تفلح الشرطة في إيقافهم، وأشكّ أن يكون بن غفير أصدر تعليماته للشرطة لتمكين أولئك من الوصول إلى البناء الذي تجتمعون به… أما الخبر الثاني فهو متعلق ببث فيديو مصوّر يظهر فيه يحيى السنوار بلهجة مرفوعة السقف، ويختمه بتكرار جملته الشهيرة: سنجعل بنيامين نتنياهو يلعن يوم ولدته فيه أمه…
*باحث سوريّ متخصّص بالجيوبوليتيك والدراسات الاستراتيجية.