إنتفاضة الجامعات ومأزق الحكومات الغربية…
} يوسف هزيمة*
طلاب وأساتذة على حدّ سواء هبّوا منتفضين نصرة لغزة وتنديداً بمجازر «إسرائيل»، التي كانت تحسبها النخبة من الجامعيين وغير الجامعيين في ذلك العالم المسمى بالحر، «دولة» معتدى عليها، حيث ساهمت الدعاية الصهيونية التي سخر لها الإعلام الغربي كلّ أدواته لإظهارها أنها تتعرّض لعمليات أسماها الغرب على الدوام، ظلماً وبهتاناً، إرهابية، حتى باتت سردية الكيان هي المتبناة والسائدة لدى النخبة الجامعية، فما بالكم بالعامّة من الناس التي اختلط الأمر عليها فاعتقدت أنّ المسماة «إسرائيل» هي صاحبة الأرض وأنّ الفلسطيني إنما يحاول سلب هذه الأرض من أصحابها الحقيقيين.
ظلّ الأمر كذلك حتى عملية طوفان الأقصى التي يبدو أنها وفي الأيام القليلة الأولى على تنفيذها عمّقت تلك النظرة الغربية المتعاطفة مع «إسرائيل»، إلى أن تكشفت النتائج المخيفة والمرعبة على ردّ الفعل الصهيوني. فلم تستطع «إسرائيل» إخفاء صورة المجازر التي لم يشهد العالم نظيراً لها، على الاقلّ في منطقة المشرق العربي، أو الشرق الأوسط بحسب المصطلح السياسي الغربي. لم تستطع ولم يسعفها ذلك الإعلام التقليدي الذي سُخِّر لها على الدوام، و«السوشيل ميديا» اليوم فضاء مفتوح حمل معه بسرعة البرق صورة الكيان الصهيوني الحقيقية.
عود على بدء، طلاب وأساتذة هبّوا مننفضين في جامعة كولومبيا بـ نيويورك، سرعان ما تدحرجت الاحتجاجات والمظاهرات ومعها الاعتصامات، وعمّت معظم بل كلّ الجامعات في أميركا، وانتقلت إلى دول العالم بمعظمه، وخاصة جامعات بريطانيا وأوروبا الغربية.
وإنْ كانت تلك الاحتجاجات لم تشكل ايّ مشكلة للحكومات في دول كثيرة في أميركا اللاتينية وآسيا وبعض أوروبا الشرقية، إلّا انها شكلت تحدياً لدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والغرب عامة، الذي يتحفنا دوماً بمحاضرات الحرية والديموقراطية على مدار الساعة، والغرب نفسه طالما ألقى باللائمة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تعاطيها مع بعض أعمال الشغب كتلك التي أعقبت وفاة إحدى الشابات (مهسا أميني) منذ سنتين وفاة طبيعية كما أكد الطب الشرعي، علماً انّ الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية تعاملت بحكمة وروية وهدوء مع تلك الأعمال المخلة بالنظام، والتي تبيّن انها مدفوعة بفعل تلك الأنظمة الغربية نفسها التي تكيل بمكيالين، حيث أظهرت في تعاملها مع اعتصامات الجامعيين لديها تعاملاً لا يمتّ إلى شعارات الحرية التي تتشدّقُ بها، والمستغرب في هذا المضمار، والذي يؤكد أنّ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يكيل بمكيالين، هو قمعها لتلك الاحتجاجات السلمية الحضارية الرافضة قتل الأبرياء في غزة، المستغرب هو دعم واحتضان السلطات الأميركية بعض المظاهرات، على سبيل المثال، تلك التي كانت تروّج وتدافع عن الشذوذ الجنسي، أو ما أسماه الغرب زوراً المثلية.
لقد بدت الولايات المتحدة الأميركية مربكة مصدومة، ومعها الغرب ولا سيما بريطانيا وفرنسا في تعاملها مع المظاهرات التي عمّت كلّ الجامعات وقد تتمدّد إلى المؤسسات كافة في تلك الدول بل هي مرشحة ان تنتقل إلى الشوارع فيشارك فيها عامة الناس، وهنا الطامة الكبرى والمأزق الكبير. والسؤال الذي يُطرح هنا: كيف ستتعامل تلك الدول مع تلك الحوادث المستجدة التي ولدتها انتفاضة الأقصى؟ هل ستتابع أميركا وأخواتها القمع الذي هم خبيرون به، وبذلك تتكشف صورتهم البعيدة عن شعاراتهم، أم يرخون الحبل، فتتمدّد المظاهرات وتشكل الخطر على أنظمة تلك الدول؟ أغلب الظنّ انّ أميركا وبريطانيا وفرنسا لن يتساهلوا مع تلك المظاهرات، والأيام المقبلة ستميط اللثام عن موقفهم. وأياً يكن، فإنّ الحكومات الغربية اليوم في مأزق ليس دونه مأزق.
*كاتب وباحث لبناني