مقالات وآراء

خواطر من وحي «النكبة»…

‭}‬ معن بشور
1 ـ انتصار جديد لفلسطين
في الوقت الذي يستعد فيه الشعب الفلسطيني البطل لاحياء الذكرى 76 للنكبة وسط ظروف تشتد فيها الالام وتتعزز فيها الآمال بتحرير فلسطين من النهر الى البحر..
وفي الوقت الذي تشتعل فيه رفح بالمقاومة وهي المنطقة التي لوّح العدو باجتياحها في محاولة للابتزاز في مفاوضات غير مباشرة مع حماس والمقاومة بعد ان ادعى العدو ان أحد أبرز أهداف حربه الإجرامية هو القضاء عليها..
وفي الوقت الذي تشتعل فيه الجبهة على الحدود اللبنانية – الفلسطينية متسببة بخسائر يخشى العدو الافصاح عنها.
وفي الوقت الذي تلاحق فيه المقاومة اليمنية، بمسيراتها وصواريخها، السفن المتوجهة الى الكيان الغاصب في ما أطلقت عليه بالمحطة الخامسة من حرب الإسناد الأخوية لغزة والأقصى وكلّ فلسطين.
وفي الوقت الذي وصلت فيه الصواريخ العراقية الى عمق الكيان المحتلّ ووصلت صواريخ المقاومة الى القواعد العسكرية الصهيونية في الجولان السوري المحتلّ.
وفي الوقث الذي تمتلئ فيه الساحات والميادين والمنابر في اليمن والأردن والمغرب والبحرين والعراق والأقطار العربية والإسلامية بالجماهير المنتصرة لفلسطين والمندّدة بالعدوان.
وفي الوقت الذي يفتح فيه طلاب الجامعات الأميركية والأوروبية والعالم جبهة جديدة فاعلة متكاملة مع جبهات القتال والاحتجاج على امتداد الأمة العربية والإسلامية.
يأتي تصويت 143 دولة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة الى جانب قرار يدعو مجلس الأمن الدولي الى التعامل بإيجابية مع اعتبار فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة وهو تصويت رأت فيه تل أبيب وواشنطن بأنه هزيمة تضاف الى هزائم أخرى مُنيت بها منذ السابع من اكتوبر 2023. خصوصاً إذا انتبهنا الى انّ العديد من الدول التي امتنعت عن التصويت (وعددها 35)، وبينها دول عربية وإسلامية وصديقة، إنما امتنعت لأنها اعتبرت انّ القرار لم يتضمّن كلّ ما يؤكد على الحق الكامل لفلسطين…
لقد أدركنا منذ اليوم الأول لملحمة «طوفان الأقصى» انّ العدو إذا فشل في منعنا من الانتصار فسيسعى مع حلفائه الأبعدين والأقربين الى منعنا من الفرح بهذا الانتصار عبر المجازر والدمار، بل الى منعنا من استثمار هذا الانتصار للمضيّ قدماً على طريق التحرير.
2 ـ سعد صايل بين الوفاء للشهداء
والتكامل والتراكم في المقاومة
كلما يرد اسم ثكنة العميد الشهيد سعد صايل في رفح في نشرات الأخبار ووكالات الأنباء تتملكني مشاعر غريبة من الاعتزاز الممتزج بالذكريات الجميلة أيام كان سعد صايل الضابط السابق في الجيش الأردني مديراً للعلميات العسكرية في الثورة الفلسطينية، بشخصيته الهادئة وعلمه العسكري الغزير، وأسلوبه الحازم المقرون باللباقة ورفقته الدائمة للرئيس الشهيد ياسر عرفات طيلة سبعينات القرن الماضي وحتى الغزو الإسرائيلي وحصار بيروت عام 1982 الذي استمر ثلاثة أشهر، والذي جرت مقاومة أسطورية له، وفق خطة عسكرية راقية اشرف على وضعها وتنفيذها العميد سعد صايل (أبو الوليد).
الشعور ذاته يمتلكني ايضاً حين تحمل لنا أخبار «ملحمة طوفان الأقصى» عن مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار ومستشفى الشهيد كمال عدوان، وكلاهما كانا كسعد صايل عضوين في اللجنة المركزية لحركة (فتح) وكلاهما استشهد في عملية فردان الشهيرة مع الشهيد الشاعر القومي العربي الكبير كمال ناصر على يد الصهاينة الذين تمكنوا من الوصول الى منازلهم ذات ليل في العاشر من نيسان 1973.
انّ حضور أسماء هؤلاء القادة الفتحاويين من خلال أسماء أعطيت تكريماً لهم لمستشفيات وثكنات وعمليات تشير الى امرين لا يمكن لأيّ ثورة ان تنجح دونهما:
الأمر الأول هو الوفاء للشهداء، قادة كانوا ام مقاتلين عاديين، وذاكرة الشعب الفلسطيني والعربي مليئة بهم.
الأمر الثاني تكامل المقاومة وتراكم مراحلها وخبراتها وإنجازاتها، فمقاومة اليوم هي استمرار لمقاومة الأمس، ومقاومة الأمس هي استمرار لمراحل عديدة من مقاومة شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية.
الرحمة للشهداء، والخلود لأرواحهم، والنصر لقضيتهم، والنصر لفلسطين.
3 ـ أوهام يجب تبديدها
منذ إقدام أبطال كتائب عز الدين القسام وحركة حماس على اقتحام غلاف غزة وإطلاق ملحمة «طوفان الأقصى» التاريخية، والكثير منا يعيش في ظلّ أوهام ينبغي تبديدها وعدم البناء عليها.
الوهم الأول هو إيجاد شرخ جدي بين الرئيس الأميركي جو بايدن وحكومة تل أبيب، وهو وهم لا يتجاهل فقط عمق الارتباط بين المصالح الاستعمارية الأميركية في المنطقة والوجود الصهيوني وهو ارتباط اختصره يوماً جو بايدن نفسه حين قال: «لو لم تكن «إسرائيل» موجودة لوجب علينا إيجادها»، ولا يتجاهل فقط انّ نتنياهو يعتبر نفسه أقوى من بايدن داخل الولايات المتحدة الأميركية لا سيّما بعد أن قام منذ سنوات بتحدي الرئيس باراك أوباما، وكان بايدن نائباً له، وزار واشنطن دون علم رئيس الولايات المتحدة، وخاطب الكونغرس مباشرة ووقف له أعضاء الكونغرس تصفيقاً لأكثر من عشر دقائق.
أما الوهم الثاني هو الاعتقاد انّ ضغوط عائلات الأسرى المحتجزين في غزة ومظاهراتهم اليومية ستؤثر في قرار نتنياهو بوقف الحرب وعقد صفقة تبادل للأسرى، فنتنياهو الذي يزجّ كلّ يوم بالآلاف من شباب الكيان الصهيوني في حرب محكومة بالفشل منذ بدايتها، ويدفعهم الى الموت بالمئات، لا يهمّه اذا بقيت عشرات الأسيرات والأسرى أحياء في غزة أم لا، بل هو غير مستعدّ لعقد صفقة للإفراج عنهم، لأنّ همّ نتنياهو هو بقاء حكومته القائم على وجود الصهاينة المتغطرسين فيها كـ بن غفير وسيموتريتش اللذين يرفضان أيّ صفقة تؤدي لوقف اطلاق النار.
أما الوهم الثالث فهو انّ دماء عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى في غزة والضفة وجنوب لبنان يمكن ان تهز ضمائر العديد من الحكام العرب وتدفعهم الى مواقف جدية من هذا العدوان والى ضغط حقيقي على العدو وعلى حلفائه لوقفه، فالحكام العرب في معظمهم حريصون على رضى واشنطن أكثر بكثير من حرصهم على رضى شعوبهم وضميرهم.
ان تبديد هذه الأوهام ضروري، من اجل ان نركز اهتمامنا ودعمنا على المقاومة كسبيل وحيد لإجبار العدو على التراجع، ولممارسة كلّ الضغوط المتاحة من أجل إشعار هذا العدو وحلفائه انّ كلفة وقف العدوان عليهم هي اقلّ من كلفة الخسائر التي سيتكبّدها من هذا العدوان.
فلنطرد هذه الأوهام من عقولنا، ولنقف صفاً واحداً من أجل دعم المقاومة بكلّ الوسائل المتاحة، ولإسقاط اتفاقيات التطبيع مع العدو واستخدام اسلحة المقاطعة والتلويح بالحظر النفطي ولإطلاق الحريات العامة لجماهيرنا كي تعبّر عن تلاحمها الكامل مع المقاومة، وأن تخطو خطوات جادة على طريق الوحدة بين أقطار الأمة والتكامل مع دول الجوار باعتبار انّ نهوض الأمة مرهون بأمرين أولهما مقاومة الأعداء وثانيهما الوحدة بين الاشقاء.
قد يظنّ البعض انّ تحقيق هذه المطالب أمر مستحيل ولكن بعد «طوفان الأقصى» وأسطورة صمود شعبنا في فلسطين ومقاومتنا في ساحاتها المتعددة لا شيء مستحيل…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى