أولى

التناقضات تستعر «إسرائيلياً» بفعل ضراوة المقاومة والخسائر الفادحة في جيش العدو

‭}‬ حسن حردان
بات كلّ يوم من أيام القتال الضاري، في شمال قطاع غزة وفي جنوبه، يمرّ ثقيلاً على جيش الاحتلال الصهيوني بسبب الخسائر الفادحة التي تقع في صفوف ضباطه وجنوده حيث شهد أمس، الذي يُصادف ذكرى نكبة فلسطين، سقوط أكثر من 12 جندياً قتيلاً وإصابة 23 آخرين في حصيلة أولية تضاف إلى عشرات من الجنود الصهاينة الذين قتلوا وجرحوا في الأيام الأربعة الفائتة بعد اشتداد حدة المعارك في أعقاب قيام جيش العدو بالعودة الى اجتياح أحياء جباليا ومخيمها والزيتون وشرق رفح…
وإذا كانت الخسائر الكبيرة في العتاد العسكري من دبابات ومدرّعات وآليات عسكرية، يمكن لقيادة الاحتلال تعويضها بفضل الدعم الأميركي المتواصل عبر جسر جوي وبحري، إلا الخسائر البشرية يصعب تعويضها وهي تلقي بثفلها على الداخل الإسرائيلي وتترك تأثيراتها الاجتماعية والسياسية والمعنوية في كلّ الاتجاهات.. في دلالة على أنّ استمرار الحرب سوف يؤدّي إلى سقوط المزيد من القتلى، وإنهاك جيش الاحتلال وزيادة القناعة لديه باستحالة تحقيق النصر المطلق الذي يحلم به بنيامين نتنياهو، وهو القضاء على حركة حماس وبقية حركات المقاومة، وإعادة فرض سلطته الأمنية إلى جانب إدارة للقطاع تابعة للاحتلال، وصولاً إلى فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته الوطنية، في سياق المشروع الأميركي «الإسرائيلي» لإعادة تعويم هيمنة الولايات المتحدة في المنطقة وفق منظور الشرق الأوسط الجديد الذي يتسيّد عليه كيان العدو، بما يجعله المحور الذي تدور في فلكه الدول العربية، ويربط المنطقة بالغرب اقتصادياً وسياسياً…
لكن هذا الحلم «الإسرائيلي» الأميركي يحول دون تحقيقه وجود مقاومة قوية ومتجذرة وملتصقة بالأرض والشعب، مدعومة ومسنودة من قوى محور المقاومة، مقاومة استعدّت جيداً لخوض حرب المدن والعصابات، يصعب على جيش الاحتلال القضاء عليها، بل انّ هذه المقاومة باتت هي من يحوّل هذه الحرب الأميركية الصهيونية إلى جحيم يحرق مخططات واشنطن وتل أبيب، ومعها جنود العدو في مشاهد تُذكّر بحروب فيتنام والعراق وأفغانستان ولبنان، وتعيد إلى الأذهان النتائج والانعكاسات السلبية على الجيشين الأميركي والإسرائيلي، وأثرها في تصعيد التناقضات في داخل كلّ منهما، مما أدى إلى إجبار هما في نهاية المطاف على التسليم بالهزيمة والهروب من هذا الجحيم.. وكلنا يذكر تداعيات المقاومة الشرسة في فيتنام والعراق وجنوب لبنان على جيشي الاحتلال الأميركي و«الإسرائيلي»، وكيف انعكست سلباً على معنويات الجنود وروحهم المعنوية، وتفشي الأمراض النفسية في صفوفهم وحالات الانتحار، التي بدأنا نشهد مثيلها هذه الأيام بين جنود الاحتلال الذين زجّ بهم نتنياهو للقتال في غزة من دون أفق، وهو ما بدأ ينعكس بدوره سلباً على عائلاتهم التي رفعت الصوت مطالبة بوقف الحرب، بما يعيد إلى الذاكرة حركة أمهات الجنود خلال الحرب في لبنان، والتي نمت وكبرت ولعبت دوراً مهماً في دفع قيادة العدو لأخذ قرار الانسحاب من لبنان في 25 أيار 2000 تحت تزايد ضربات وعمليات المقاومة، وسقوط المزيد من القتلى الصهاينة، وهو نفس المشهد الذي حصل في فيتنام عندما انسحبت قوات الاحتلال الأميركي تحت أزيز رصاص مقاومة الفيتكونغ، وتكرّر نفس المشهد مؤخرا في أفغانستان…
لذلك يجب أن لا نقلل من أهمية وأثر وتداعيات نجاح المقاومة في غزة بتكبيد جيش الاحتلال المزيد من الخسائر في صفوفه.. فذلك هو السبيل الذي يقود في نهاية المطاف إلى توليد الظروف التي ستجبر حكومة العدو على الخروج مهزومة ذليلة من غزة بعد أن يكون قد وصل جيشها ومجتمعها إلى الطريق المسدود في مواجهة المقاومة، ولم يعد بقدرته احتمال تكبّد المزيد من القتلى والجرحى في صفوف جنوده، والتداعيات الناتجة عن ذلك.
على انّ مؤشرات تصاعد التناقضات والتصدّعات داخل كيان العدو بدأت بالازدياد في الأيام الأخيرة نتيجة ازدياد المخاطر على جنود العدو في حين أنّ رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو أصبح متهماً من قبل قادة جيشه وبعض مجلس حربه، ومنهم وزير حربه يوآف غالانت، ومسؤولين سابقين، بأنه يفتقر لخطة ما بعد المعارك، حيث بات الجنود في أحياء غزة عرضة للوقوع يومياً في كمائن المقاومة، ويسقطون قتلى وجرى بالعشرات، مما أدّى إلى اتساع هوة الخلاف بين نتنياهو وقيادة الجيش…
لقد بدأت النتائج الواردة من ميدان المعارك الضارية في شمال غزة ورفح، تزيد من غضب قادة الجيش «الإسرائيلي»، وتدفع مسؤولين حاليين وسابقين لهم تأثيرهم إلى توجيه الانتقادات العلنية لـ نتنياهو.. على أنّ الابرز في هذا السياق ما يلي:
اولاً، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: «إنّ جنرالات وأعضاء في مجلس الحرب محبطون من رئيس الوزراء نتنياهو لفشله ببناء بديل لحماس بغزة.. وانّ عدم رغبة نتنياهو بنقاش جاد لليوم التالي للحرب وفر لحماس إعادة تشكيل نفسها»، كما نقلت عن عسكريين إسرائيليين، بأنّ قادة الجيش محبطون لأنهم حصلوا على مهمة عسكرية ينتهي بها الأمر إلى التكرار، وانّ الحكومة لم تجب على الأسئلة الاستراتيجية والسياسية الأكبر»، وقد تأكدت هذه التصريحات المسرّبة، الانتقاد العلني الذي وجهه بالأمس وزير الحرب يوآف غالانت إلى نتنياهو وحكومته لرفضهم البحث في وضع خطة لليوم التالي، مما دفع الوزير المتطرف بن غفير إلى المطالبة باستقالة غالانت، باعتبار ذلك هو السبيل لمواصلة الحرب…
ثانياً، خروج وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني عن صمتها حيث قالت: انّ الجيش الإسرائيلي يتعثر الآن في غزة دون داع وبثمن باهظ لأنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليس لديه خطة».
ثالثاً، عودة الجنرال المتقاعد إسحاق بريك إلى التحذير من مخاطر مواصلة القتال في غزة بالقول: «الجيش لا يملك القدرة على إسقاط حماس حتى ولو طال أمد الحرب، ولا فائدة من استمرار القتال في غزة واسرائيل ستتكبّد أضراراً جسيمة، واستمرار الحرب قد يؤدي إلى انهيار جيش الاحتياط والاقتصاد».
هذه الانتقادات المتزايدة وبدء خروج الخلافات إلى العلن ، والتي تعززها وسائل الإعلام الإسرائيلية على اختلافها، تشير إلى تصاعد الحملة ضد نتنياهو وتحميله مسؤولية الخسائر الكبيرة التي يُمنى بها الجيش، وغياب ايّ أفق سياسي، وهو ما يصبّ في صالح استراتيجية المقاومة، التي لولا صمودها الأسطوري ومقاومتها الباسلة، ونجاحها المستمر في إيقاع المزيد من القتلى في صفوف جيش الاحتلال لما نشبت هذه الخلافات الآخذة بالتصاعد والاتساع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى