الوطن

مجلس النوّاب يُقرُ توصيةً ملزمةً للحكومة حول النازحين: لجنة وزاريّة للمتابعة ووضع برنامجٍ زمنيّ لإعادتهم إلى ديارهم

أقرَّ مجلسُ النوّاب أمس، في الجلسة المُخصَّصة لمناقشة الهبة الأوروبيّة البالغة مليار يورو وموضوع النازحين السوريين ووصفها رئيس المجلس نبيه برّي بأنّه «يتوقّفُ عليها مصيرُ لبنان»، توصيةً مُلزمة للحكومة ورئيسها حول آلية معالجة الأزمة وتداعياتها، دعا فيها الحكومة إلى تشكيل لجنة وزاريّة برئاسة رئيس الحكومة والوزراء المختصين والأجهزة العسكريّة والأمنيّة للتواصل والمتابعة المباشَرة والحثيثة مع الجهات الدوليّة والإقليميّة والهيئات المختلفة، ولا سيّما مع الحكومة السوريّة ووضعِ برنامجٍ زمنيٍّ وتفصيليٍّ لإعادةِ النازحين إلى ديارهم.
وكان الرئيس برّي افتتحَ الجلسة بحضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوزراء والنوّاب وسألَ نائبُ رئيس مجلس النوّاب إلياس بو صعب في مستهلّها، بالنظام، عن الهجرة الموسميّة ولفتَ إلى التشاور الذي حصلَ أول من أمس بين بعض الكتل، مشيراً إلى أنَّ البعضَ لم يتبلّغ. وسأل «لماذا لا يحصلُ تشاورٌ لكيّ ننتخب رئيساً للجمهوريّة؟».
وتحدّثَ ميقاتي فقال «إنَّ المساعدات التي أعلنت عنها رئيسةُ المفوضيّة الأوروبيّة ليست سوى تأكيدٍ للمساعدات الدوريّة التي تقدّمها المفوضيّة إلى المؤسَّسات الحكوميّة وهذه المساعدات سيُعاد تقويمها كلّ 6 أشهر وسيتمّ رفعها فور إقرار الإصلاحات».
ولفت إلى أنَّ «هذه المساعدات غير مشروطة ولم يتمّ توقيع أيّ اتفاق مع الاتحاد الأوروبيّ ولا يمكن اعتبار لبنان شُرطيّاً حدوديّاً لأيّ دولة وهذا ما أبلغناه للرئيس القبرصي ولرئيسة المفوضيّة الأوروبيّة»، مضيفاً «طلبنا من الجهات المعنيّة التشدّد بتطبيق القوانين لجهة ترحيل السوريين الذين يقيمون في لبنان بطريقة غير شرعيّة وعلى الجميع التعاون».
وأكّدَ أنَّ «الجيشَ يقومُ بواجبه وضمن إمكاناته ولضبط الحدود جيّداً»، معلناً أنّه «يلزمُنا 5 أضعاف الأعداد الموجودة على الحدود وطلبنا المساعدة لزيادة عدد أبراج المراقبة»، وتابع «وزارةُ الداخليّة أصدرت سلسلةَ تعاميم للقيام بمسحٍ شامل بالنسبة للوجود السوريّ والتشدُّد بتطبيق القانون وإقفال المحال المخالفة وإحالة المخالفين على القضاء».
ورأى أنَّ «استمرارَ أزمة النزوح السوريّ في لبنان سيكونُ ككرة النار التي لن تنحصرَ تداعياتُها على لبنان بل ستمتّدُ إلى أوروبا لتتحوّل إلى أزمة إقليميّة ودوليّة». وقال «نكثّفُ جهودَنا الدبلوماسيّة لشرح خطر النزوح السوريّ على لبنان إلى الدول الأوروبيّة وتشجيع السوريين للعودة إلى ديارهم».
من جهته، أشارَ رئيسُ «التيّارِ الوطنيّ الحرّ» النائب جبران باسيل إلى أنَّ «القوانين اللبنانيّة تعالج موضوع النزوح» وطلب تشريع قوانين جديدة تلحظُ حالات معيّنة من الهجرة والنزوح، موضحاً أنَّ «القوانين تعاقب على المخالفات المرتكبة بالعمالة والسكن واقتناء آليّات ومؤسَّسات بشكلٍ غير شرعيّ»، لافتاً إلى أنَّ «اول المعرقلين لعودة النازحين السوريين هي المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR التي ترفض حتّى اليوم تسليمنا لوائح وأسماء النازحين وتتصل بهم لمنعهم من العودة».
واعتبرَ أنَّ «هناك مخطّطاً لتفكيك دول المنطقة بما يخدمُ إسرائيل».
بدوره، أشارَ النائب اللواء جميل السيّد إلى أنّه «قبل هذه الجلسة تحرّكت جمعيات وسفارات واتصلت بنوّاب للتحريض عليها، وجمعينا نعلم نوع المساعدات التي تصل إلى هذه الجمعيّات»، مؤكّداً أنّه «لا يحقّ لأحد أن يتعرّض لأيّ نازح سوريّ من خارج القوانين اللبنانيّة وهذه مسؤوليّة الدولة».
ورأى أنّه «لو لم يُقتل باسكال سليمان وآخرون من بعده على يد سوريين ربّما لما كانت تجري الجلسة اليوم وموضوع النازحين ليس موضوع أعداد أو موضوعاً سياسيّاً إنّما موضوع فوضى»، مشدِّداً على أنَّ «الفوضى هي العنصر المخيف الأساسيّ في موضوع النزوح وسبّبتها الحكومات المتعاقبة التي لم تقم بدورها في ضبط هذا الموضوع على الرغمِ من وجود مذكّرة مع المفوضيّة العليا لشؤون النازحين».
وأثناء كلمة السيّد، حصلَ سجالٌ بينه وبين النائب بولا يعقوبيان، بعدما تطرّق السيّد خلال كلمته إلى الجمعيّات التي تموَّل من الخارج وتعمل على إبقاء النازحين في لبنان، لتطلب منه يعقوبيان تسمية الجمعيّات فرفض ذلك. وقالت يعقوبيان إنَّ جمعيّتها لا تتلقى الأموال بل مساعدات عينيّة، فردَّ السيّد «اللي في تحت باطو مسلة بتنعرو»، وطلب من الرئيس برّي إسكاتها. وتدخَّل الرئيس برّي وطلب من يعقوبيان السكوت.
ورأى النائب جهاد الصمد أنّه «لا شكَّ أنَّ اللجوء السوريّ أصبح ثقيلاً على لبنان والجميع يتّفق على ذلك ولكن نختلف على طريقة المعالجة ويجب أن يكون هناك إجماعٌ وطنيّ على هذا الملفّ».
ولفت النائب غسان سكاف إلى أنّه «حسناً فعلَ رئيس الحكومة بالطلب من رئاسة المجلس بحث هذا الموضوع تحت قبّة البرلمان». وقال «صحيح أنّ ملفّ النزوح السوريّ يجب ألاّ يتم تناوله بعنصريّة وعدائيّة إلاّ أنَّ التغاضي عنه هو جريمة بحقّ الوطن».
ورأى النائب هادي أبو الحسن أنّه «يجب العمل على تصنيف النازحين وعلى أن تكون الحلول العمليّة التمييز بين فئات السوريين في لبنان».
واعتبرَ النائب أسامة سعد «أنَّ قبولَ الهبات من اختصاص الحكومة لكنّ الأمرَ معروض على مجلس النوّاب، ويبدو أنَّ رئيس الحكومة محتار في أمره، ويتوه عنه القرار فيلجأ إلى مجلس النوّاب، فهو لا يجمع الحكومة لتقرّر بشأن الهبة الأوروبيّة وهو لا يُفصح عن خطة موثوقة لقضيّة النازحين».
وشدّدَ النائب ياسين ياسين على ضرورة ضبط الحدود». وقال النائب حسين الحاج حسن «عندما نريد أن نعالجَ ملفَّ النزوح السوريّ علينا أن ننظر إلى الأسباب أولاً»، معتبراً أنَّ «العلاجَ الأول لملفّ النزوح السوريّ هو الموقف اللبنانيّ الموحَّد إتجاه قرارات المجتمع الدوليّ بهذا الشأن».
وتابع «علينا التنسيق بشكل حقيقيّ وعميق مع الدولة السوريّة لمعالجة أزمة النزوح السوريّ»، موضحاً أنّه «لم نقل إنَّنا سنساعد النازحين لعبور البحر نحو أوروبا بل قلنا إنّنا لا نريد أن نمنعهم ونكون كالسدّ المنيع أمامهم».
وقال النائب علي حسن خليل «نحنُ أمام مشكلة أصبحت بنيوية بالاقتصاد والاجتماع والأمن، هي قضية وطنيّة، نحن نختلف بالمواقف السياسيّة. نحنُ اليوم أمام قضيّة وطنيّة وهي قضيّة تكون بالتحريض أو بالشعبويّة، بل لها علاقة بالسياسة العامّة للدولة. لم يكن هناك إرادة أو قدرة. موضوع المليار دولار، لم يُسجَّل في قيود الدولة اللبنانيّة وفي قيود وزارة الماليّة أيّ شيء. هناك مليارات تُصرَف داخل لبنان من قبل جمعيّات أهليّة ومنظّمات، وكان لديها إرادة أن يبقى هذا الأمرُ قائماً».
وقال النائب فيصل كرامي «الموضوع يجب أن يُعالج بوطنيّة، والأزمة السوريّة تحوّلت بشكل من الأشكال إلى الاستخدام السياسيّ»، لافتاً إلى «وجود مخطّطات مشبوهة للدخول في حروب أهليّة للإساءة إلى لبنان وسورية». ودعا إلى «التنسيق مع سوريو في موضوع النزوح السوريّ».
وقالَ وزيرُ العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم في مداخلة «نستطيعُ أن نتساعد في هذا المجال لأنَّ الموضوعَ أصبح يأخذ بعداً إستراتيجيّاً. أعلنت عن مسار للتدريب المهنيّ المعجَّل. مشكلتي مع الشباب اللبنانيّ لكيّ يعمل بسبب نظام الاقتصاد الرَيعي».
وفي ختام المداخلات تُليَت توصية «الجمهوريّة القويّة»، كما تُليت التوصية من قبل الهيئة العامّة للمجلس النيابيّ المنعقد أي التوصية التي وضعت أزل من أمس في اجتماع اللقاء النيابيّ التشاوريّ.
وقالَ الرئيس برّي «التوصية ملزمة في حضور الحكومة، وتم التوافق عليها بالأمس»، فصُدّقت وجاء فيها «يُعاني لبنان منذ أكثر من 13 سنة من مشكلة النزوح السوريّ، حيث فاقت أعداد الذين دخلوا إليه مليونيّ نازح يشكلّون 44 في المئة من عدد السكان من دون أن تنظم قيود دقيقة وكاملة لهم لدى السلطات الرسميّة المعنيّة. وبالتالي، تعذّرَ ضبط حركتهم وتنظيمها نتيجة عدم تعاون مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتحت أعذارٍ مختلفة لجهة تسليم اللوائح الموجودة بحوزتها حولهم، وفي ظلّ حماية معنويّة من بعض الدول والهيئات. وهي نفسها التي شجّعت بقاءهم في لبنان لأهداف إمّا سياسيّة أو لعدم استعدادها لاستيعاب جزء منهم .
لقد أثّرَ النزوح السوريّ على لبنان اقتصاديّاً وماليّاً واجتماعيّاً وأمنيّاً وبيئيّاً وصحيّاً، وعلى الاستقرار العام فيه، مع تنامي شعور بالقلق لدى عموم اللبنانيين من التغيير الديموغرافيّ والمجتمعيّ. وفي المقابل، فإنَّ هذه القضيّة الأكثر تعقيداً وخطورةً هي في الواقع أكثر الملفّات التي توحَّد اللبنانيون حولها من منطلق وطنيّ ورفض مقاربتها بخلفيّات عنصريّة أو استهدافات خارج الأطُر القانونيّة.
إنَّ لبنان ولكثير من الاعتبارات الاجتماعيّة والاقتصادية والديموغرافيّة، ولكونه ليس بلد لجوء، هو غير مهيّأ ليكون كذلك دستوريّاً وقانونيّاً وواقعيّاً. وهذا ما أكدّته مذكرة التفاهم الموقّعة بين الحكومة اللبنانيّة، ممثلةً بالمديرية العامة للأمن العام والمكتب الإقليميّ لمفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتاريخ 9/9/2003، والمنشورة في الجريدة الرسميّة العدد 52 في 13/11/2003، والتي ما زالت سارية المفعول ومنظِّمة للعلاقة بين الدولة والمفوضيّة وهي التي تؤكّد إعادة النازحين إلى موطنهم الأصليّ أو إعادة توطينهم في بلدٍ ثالث.
وانطلاقا من هذه المقدمة، ومن دور المجلس النيابيّ الرقابيّ، والتزاماً بالدستور والقوانين والاتفاقيّة المذكورة أعلاه، وبهدف إعادة الداخلين والمقيمين السوريين غير الشرعيين في لبنان إلى بلدهم، وخلال مدة أقصاها سنة من تاريخه، يوصي المجلس الحكومة بما يلي:
تشكيل لجنة وزاريّة برئاسة رئيس الحكومة والوزراء المختصين وقيادة الجيش والأمن العام والأمن الداخليّ وأمن الدولة، للتواصل والمتابعة المباشرة والحثيثة مع الجهات الدوليّة والإقليميّة والهيئات المختلفة، ولا سيّما مع الحكومة السوريّة، ووضع برنامج زمنيّ وتفصيليّ لإعادة النازحين، باستثناء الحالات الخاصّة المحميّة بالقوانين اللبنانيّة والتي تحدّدها اللجنة.
تأكيد التزام لبنان مضمون الاتفاقيّة المشار إليها في المقدّمة، كأساس للمعالجة وإلزام مفوضيّة اللاجئين تطبيق بنودها كاملةً، واتخاذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ وتقديم الإحصاءات والملفّات الخاصّة بالنازحين الموجودة لديها، والطلب منها التنسيق مع مكتبها في سورية لتسهيل عمليّة إعادتهم إلى بلدهم.
التزام واضح بتطبيق القوانين النافذة التي تنظَّم عمليّة الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه، ولا سيما القانون الصادر بتاريخ 10/7/1962 والمراسيم التطبيقيّة ذات الصلة، ولا سيّما المرسوم رقم 10188 تاريخ 28/7/1962، وبقانون العمل اللبنانيّ والقوانين الضريبيّة والرسوم البلديّة وغيرها.
القيام بالإجراءات القانونيّة اللازمة لتسليم السجناء من النازحين إلى السُلطات السوريّة، وفقَ القوانين والأصول المرعيّة.
دعوة المجتمع الدوليّ والهيئات المانحة لمساعدة الحكومة في تخصيص الإمكانات اللازمة للأجهزة العسكريّة والأمنيّة من أجل ضبط الحدود البريّة والتنسيق مع الجانب السوريّ للمساعدة من الجهة المقابلة، وحصر حركة الدخول والخروج عبر المعابر الشرعيّة بين البلدين.
الطلب من أجهزة الأمم المتحدة كافّة، ولا سيّما مفوضيّة اللاجئين والجهات الدوليّة والأوروبيّة المانحة اعتماد دفع الحوافز والمساعدات الماليّة والإنسانيّة للتشجيع على إعادة النازحين إلى بلدهم، ومن خلال الدولة اللبنانيّة ومؤسَّساتها أو بموافقتها، وعدم السماح باستغلال هذا الأمر للإيحاء بالموافقة على بقائهم في لبنان وتشجيع هذه الجهات على تأمين مثل هذه التقديمات في داخل سورية.
الاستفادة من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، ومنها قرارها حول خطّة التعافي المبكر الصادر العام 2021، حيث يُمكن أن يشكّل المدخلَ لتسريع العودة إلى الداخل السوريّ، عن طريق المساعدات لتأهيل البُنى التحتيّة من دون تعرُّض الدول المانحة لعقوبات قانون قيصر.
التزام الحكومة بالموقف الذي أعلنه رئيسها في الجلسة ونقله للدول والهيئة العاملة في ملفّ النزوح، بأنَّ لبنان لم يعد يحتمل عبء بقاء النازحين، وفي كلّ الأحوال لا يستطيع أن يكون شرطيّاً حدوديّاً لأيّ دولة وأنَّ المطلوب تعاون كلّ الدول لحلِّ هذه المعضلة وتحويل الدعم نحو تعزيز انتقال النازحين وتأمين استقرارهم في بلدهم مع ما يتطلَّبُ ذلك من تأمين مقوِّمات حياتهم.
التزام الحكومة بهذه التوصية وتقديم تقرير كلّ ثلاثة أشهر للمجلس النيابيّ حول مراحل تنفيذ ما تضمّنته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى