القدس وحق العودة… في ميزان الصحوة العالمية الجديدة
} نمر أبي ديب
أعادت عملية «طوفان الأقصى»، القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية من جديد، بالتزامن مع صحوة أفريقية وأخرى عالمية، وجدت في متدرجات المرحلة الحالية نهاية قاسية مظلمة وقاتمة لمستقبل الاحتلال «الإسرائيلي» حين أجمعت أغلب القوى المتابعة، وحتى المُنظّرة في الشأن السياسي كما العسكري داخل كيان الاحتلال، على خلاصة ميدانية تضمّنت في العديد من جوانبها أسباب ومسبّبات التراجع، تحديداً المتعلقة بأبعاد وخلفيات المشروع «الإسرائيلي» التي بدت عليه الكثير من علامات الترهّل والشيخوخة في مراحل وجودية، افتقرت فيها «إسرائيل» إلى أدنى مقومات البقاء الاستراتيجي كما الاستمرارية، سواء على مستوى الجهوزية العسكرية، التي سجلت فيها التعبئة البشرية (الاحتياط)، مع نقص «الذخيرة» الأساسية، التي تتطلبها ميادين الحروب الحديثة، علامات قاتلة ومقدمات فعلية لحتمية انهيار كيان الاحتلال، وأيضاً على مستوى الوحدة الداخلية التي دخلت بكامل مكوناتها الشعبية والسياسية مراحل «الاحتكاك السلبي»، حيث أظهرت الانقسامات الداخلية، خطوط فصل عمودية داخل كيان الاحتلال، وبوادر «حرب داخلية» آتية، باتت اليوم قاب قوسين او أدنى من المستقبل القاتم، الذي ينتظر بفعل التحوّلات الميدانية السياسية والعسكرية الكيان «الإسرائيلي» الذي يعيش اليوم هاجس «عقدة الثمانين»، كما التفتيش الجدي عن عوامل جيوسياسية ضامنة لاستمرارية الكيان، ومشروعه الشرق أوسطي.
كما تقدَّم، بين الحفاظ على الثوابت بالمنظار «الاسرائيلي» طبعاً، ومن ضمنها اعتبار القدس عاصمة أبدية لـ «إسرائيل»، وتغييب «حق العودة»، بحملات تدمير ممنهج وتهجير منظَّم، وبين الهواجس الوجودية التي عصفت وما زالت بكيان الاحتلال وفي مقدمتها احتواء الثغرات العسكرية الناتجة عن عوامل عديدة من بينها: نقص الذخيرة في الدرجة الأولى، وغياب الانتماء الكياني لطبيعة جغرافية لم تتعدّ يوماً في بعدها الوجودي بالنسبة لـ «الإسرائيلي» إطار «الوطن الحلم»، الذي بدأت ركائزه الأساسية في الاهتزاز والسقوط نتيجة الصمود الفلسطيني من جهة، والعجز في تثبيت الدعائم، ومرتكزات الكيان، القائمة على جملة حقائق وجودية في مقدمتها القدس، عاصمة فلسطين التاريخية.
ما تقدّم، عكَس الفارق الاستراتيجي ما بين عصر القوة «الإسرائيلي»، وبين «عصر الهرولة العسكرية» كما التهديد والوعيد الممزوج ببوادر حرب أهلية يفتقر معها الداخل «الإسرائيلي» اليوم إلى متدرجات الحلول، الظرفية منها والاستراتيجية، وفي حدّه الأدنى امتلاك مقومات البقاء وسط متغيّرات عالمية لم تعد تتقبّل في المراحل الحالية والمقبلة فكرة بقاء «إسرائيل» على ما هي عليه اليوم.
الثابت في الجغرافيا الطبيعية هو فلسطين دولة عربية عاصمتها القدس، في حين أنّ المتحرك الوحيد في هذه المرحلة هو كيان الاحتلال، إضافة إلى موقعه كما دوره السياسي والعسكري وحتى البحري، على خارطة «الشرق الأوسط الجديد»، الذي من المفترض أن تشتمل صياغتها على عناوين عديدة، ومقدمات استراتيجية، يمكن من خلالها طرح العديد من الملفات الأساسية على طاولات البحث السياسي، في مقدمتها خارطة الانتشار الأميركي إضافة إلى التركي في سورية والعراق، وغيرها من دول المنطقة.
الثابت أيضاً الهزيمة الحتمية لـ «إسرائيل» المشروع والكيان الذي دخل (حسب الرواية الاسرائيلية) مراحل متقدّمة من الانهيار، انطلاقاً من أنّ الكيان «الإسرائيلي» لم يخرج يوماً من بيت الحاجة للولايات المتحدة الأميركية، كما لم يرتقِ به المشروع الاستعماري ولا حتى الغايات الدفينة من وجوده إلى مستوى الاكتفاء الذاتي في بيئة مختلفة بشعوبها بعاداتها وتقاليدها وأيضاً بثقافتها، ما قد يمنحه فرصة البقاء في زمن التحوّلات الكبرى التي نشهد اليوم أحد أبرز متدرجاتها الاستراتيجية والحديث يتضمّن التثبيت الميداني للنظام العالمي الجديد.
فلسطين في قلب الحدث العالمي، وعملياً الربط الجزئي وحتى الاستراتيجي ما بين تطورات الساحة الإقليمية، غزة، وجملة الميادين الدولية المشتعلة، تحديداً أوكرانيا قابل للبحث وأيضاً للتداول انطلاقاً من مؤثرات الدورين الروسي والأميركي، في المنازلة العالمية غير المباشرة حتى اللحظة بين الطرفين، كما تحسين نقاط التموضع وخطوط المواجهة السياسية حتى العسكرية، التي تعمل على تفعيلها الدول الكبرى دون استثناء أو هوادة، ما يؤكد بموازين القوى الحالية، وجملة الأهداف العالمية المعلنة، أنّ الانتصار الروسي في أوكرانيا، انتصار للقوى الدولية والاقليمية، التي لا تلتقي مع أهداف وسياسة المحور الأميركي، وهذا ينطبق حكماً على «حرب غزة»، وأيضاً على ما يجري في البحر الأحمر «باب المندب» وغيرها من الجبهات المعلنة في كلّ من العراق وسورية.
انطلاقاً مما تقدَّم، المنطقة على أبواب «شرق أوسط جديد»، والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه اليوم يتعلق بتأثير المتغيّرات العالمية على المشهد الفلسطيني برمّته الذي دخل ومن غزة تحديداً طريق الجلجلة نحو القيامة نحو التحرير الكامل «لدولة فلسطين»، وهذا التحرير لم ولن يكتمل بمعزل عن استرجاع الحقوق وتحقيق العودة الفلسطينية الشاملة.