أولى

قمة المنامة… اسم على مُسمّى؟

‭}‬ أحمد بهجة

لم تكن القمم العربية إلا مناسبات لرفع الشعارات الفضفاضة التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ. حتى لو كانت بعض الشعارات انطلقت من خلفيات صادقة، لكن دينامية العمل العربي المشترك لم تستطع يوماً أن تشكل قوة دفع باتجاه وضع تلك الشعارات موضع التطبيق الفعلي.
ولعلّ أبرز مثال على ذلك يتمثل بالشعار الشهير الذي خرجت به قمة الخرطوم في آب 1967، بعد أقلّ من ثلاثة أشهر على نكسة حزيران، حين أجمع المشاركون في القمة على لاءات ثلاث… لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه.
كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أبرز رجالات تلك المرحلة، وسعى إلى ترجمة الشعار على أرض الواقع، وخاض حرب الاستنزاف لأكثر من عامين إلى أن تبنّى مجلس الأمن الدولي في شهر تموز/ يوليو 1970 قراراً لوقف إطلاق النار، وذلك بمسعى روسي ـ أميركي، تجنّباً لمواجهة بين القوى العالمية العظمى كانت تنذر بها تطوّرات الأحداث آنذاك.
بعد شهرين بالتحديد من وقف حرب الاستنزاف توفي الرئيس عبد الناصر تاركاً خلفه اللاءات الثلاث التي بقيَت في العلن شعاراً عربياً جامعاً لبعض الوقت، إلى أن حوّل الرئيس المصري أنور السادات المسار باتجاه «التفاوض والصلح والاعتراف»، فزار الكيان الإسرائيلي عام 1977 وألقى خطابه الشهير أمام الكنيست، ثم وقع اتفاقات كامب ديفيد عام 1978 وبعدها معاهدة السلام بين مصر و «إسرائيل» في العام 1979.
بعد مصر جاء دور لبنان، فحصل الاجتياح عام 1982، ثم اتفاق 17 أيار 1983، ولكن القوى الحية في لبنان نهضت وقاومت وانتفضت في 6 شباط 1984، وبعد شهر واحد فقط سقط اتفاق العار إلى غير رجعة… وتصاعدت المقاومة وتعملقَ أبطالها، وبدأ اندحار جيش العدو الصهيوني تدريجياً من أرض لبنان حتى التحرير الكبير في 25 أيار 2000، ثم الانتصار الكبير في تموز ـ آب 2006، وصولاً إلى الإنجازات الباهرة التي تحققها المقاومة في هذه الأيام على أرض جنوبنا الغالي…
*****
في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وبعد حرب الخليج الثانية، وانسحاب الجيش العراقي من الكويت، عُقد مؤتمر مدريد في تشرين الأول 1991، على أساس القرارات الدولية التي تفرض على «إسرائيل» الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967 وما بعدها… وفي حين تمسّك لبنان وسورية بموقفهما الثابت ورفضا أيّ تنازل أو تفريط، ذهبت منظمة التحرير الفلسطينية إلى مفاوضات سرية أدّت في عام 1993 إلى «اتفاق أوسلو»، والذي أدّى في ما بعد إلى إقامة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، ثمّ سلك الأردن المسار نفسه ووقّع اتفاق «وادي عربة» في عام 1994… لكن ما سُمّيَ في تلك الأيام بـ «عملية السلام» وصلت إلى طريق مسدود مع مقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين عام 1995، ولم تفلح بعد ذلك كلّ المحاولات لإحيائها من جديد، في حين أنّ التلازم اللبناني السوري المشترك في المسار والمصير، حقّق الإنجازات الكبيرة من خلال التمسك بالمقاومة وخيارها ونهجها، وهو ما جعل الرئيس الراحل حافظ الأسد في آذار 2000 يبلغ الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في جنيف تمسكه بحق بلده في الوصول إلى مياه بحيرة طبريا كما كان يفعل هو نفسه قبل حرب 1967، كأنه بحدسه الاستراتيجي كان يعرف أنّ موقفه هذا سيتبعه بعد شهرين فقط اندحار جيش العدو الإسرائيلي عن الأراضي اللبنانية بفعل المقاومة التي قدّم لها الدعم المطلق، وهو ما تستمرّ به سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد رغم كلّ ما واجهته وتواجهه من أزمات ومصاعب وتحديات وحصار خانق.
وفي خطابه الشامل أمام مؤتمر حزب البعث في دمشق مطلع الشهر الحالي، جدّد الرئيس الأسد التأكيد على هذا الخيار الاستراتيجي الثابت الذي تبرهن الأحداث والتطورات كلّ يوم صحته وصوابيته، خاصة أنّ المقاومة ومحورها الصاعد والمتكامل على امتداد ساحات المواجهة يفرض على العدو الإسرائيلي التراجع أمام قوة المقاومين الأشداء الذين يحققون الإنجازات الكبيرة على طريق تحرير الأرض وإزالة الكيان المجرم.
وبما أنّ خطاب دمشق كان كافياً ووافياً، لم يكن الرئيس الأسد بحاجة لإلقاء كلمة مدّتها ثلاث دقائق فقط في القمة العربية التي عُقدت في المنامة قبل أيام، ما جعل تلك القمة مخصّصة لكلمات قادة عرب معظمهم نيام يمثلون ماضي الأمة الكئيب، فكانت قمة المنامة بالفعل اسماً على مسمّى، لأنّ القمة الحقيقية هي تلك المخصصة للعمالقة في الميدان بدءاً من غزة وفلسطين ولبنان وسورية وصولاً إلى العراق واليمن، ومعهم جميعاً إيران، وهذه هي القمة التي ترسم للأجيال القادمة خطوط المستقبل الزاهر والمشرق…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى