مقالات وآراء

إيران ما بعد رئيسي…

‭}‬ يوسف هزيمة*

لم تكد تمضي لحظات على إعلان خبر وفاة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، ومَن معه، حتى انبرت الأقلام الصحافية، ولا سيما تلك التي تقف في الضفة المقابلة للخط السياسي، الذي تمثله الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فراحت هذه الأقلام تطلق العنان لِلُعابها أن يسيل على صفحات لطالما عُرفَت بحبرها الأسود تجاه الصفحات البيض، التي عُرفَت بها إيران منذ اللحظة الأولى لانتصار ثورتها الإسلامية قبل 45 عاماً، حيث أبتْ تلك الثورة، التي قادها الإمام الراحل الخميني، إلّا أن تكتب صفحاتها بالحبر الفلسطيني الناصع بياضاً ونوراً، وهي التي أسقطت علم “إسرائيل” من على سطح سفارتها – سفارة “إسرائيل” – وحوّلتها إلى سفارة لفلسطين، ومنذ ذلك الحين ما زالت صفحات الجمهورية الإسلامية الإيرانية تُكتَب بحبر أبيض، على صفحات بِيض لا يراها إلا ذو قلب أبيض وبصيرة ثاقبة تحدّق أبعد من السطور.
عود على بدء، فقد انبرت أقلام منذ إعلان وفاة الرّئيس الإيراني، بل منذ لحظة الإعلان عن حادثة الطائرة، وراحت تلك الأقلام، بمقالاتها وتعليقاتها، تقرأ في فنجان المستقبل السياسي للجمهورية الإسلامية، حتى ذهب بعضها في التوقعات، وهي في الغالب أمنيات” بأن مستقبل الجمهورية الإسلامية في خطر بعد وفاة رأس الدولة. وقد غاب عن بال أولئك أنّ الجمهورية الإسلامية قد مرّت عليها منذ قيامها، محن ومصائب أكبر بكثير مما أصابها بالأمس، وما أصابها هو مصيبة ولا نقاش في ذلك. نسيَ أصحاب تلك الأقلام أنّ إيران فقدت ساسة كباراً من قاداتها والعشرات، ومنهم الرئيس الأسبق محمد علي رجائي ورئيس حكومته محمد جواد باهونار في صيف 1981. ومعلوم انّ إيران الجمهورية الإسلامية في ذلك الحين كانت حديثة الولادة، حيث لم يمضِ على قيامها سوى نيّف وسنتين، وكانت تحت وطأة حرب ضروس من قبل العراق آنذاك، ومع ذلك تخطت الأزمات كلها.
ورغم كلّ ما تعرّضت له الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وما تعرّضت له إنما بسبب موقفها الداعم لحركات المقاومة عامة وفلسطين خاصة، ورغم كلّ ذلك استطاعت ان تتجاوز كلّ تلك الضغوطات التي اتخذت أشكالاً شتى، ولم تكتف بتجاوز الضغوطات والتحديات، التي ما برحتْ تمارَس عليها بل زادتها تحدياً وتقدماً، ما شدّ عضدها من النواحي كافة، عسكرياً، علمياً، ثقافياً، الأمر الذي جعلها قوة إقليمية يُحسَب لها ألف حساب، حتى من كلّ الغرب والشرق تُحتَرم وتُهاب.
رحل بالأمس رئيسها وسيدها الرئيس، ومعه الوزير الحكيم عبد اللهيان.. فكانت تلك خسارة إيما خسارة، ولكنها ستعوّض وستتجاوز تلك المحنة وذلك القطوع، مستمِدة صمودها وثباتها من الله، الذي تتوكّل عليه، غير تاركة بأسباب الأمور، ومعها شعبها الملتفّ حول ثورته على الدوام.
الخلاصة: لن يتغيّر ايّ شيء في الواقع السياسي الإيراني المعِيش منذ نيف وأربعة عقود، وتالياً لن يتغيّر شيء في السياسة الإيرانية ولا سيما الخارجية، وستبقى إيران في الخط الداعم لفلسطين وحركات المقاومة، بل ستبقى على رأس محور المقاومة، وهي دوماً مستعدة لتقديم التضحيات في سبيل ذلك.
وفي الختام، إيران ما بعد السيد رئيسي هي نفسها ما قبله، بل ستكون أقوى مما كانت عليه. هكذا عوَّدتنا الجمهورية الإسلامية التي تزيدها الضربات قوة، فتُتابِع وعَينها إلى الإمام غير مكترثة بذئب يعوي هنا أو هناك.

*كاتب وباحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى