ثقافة وفنون

عندما تكون الكتابة حباً وعشقاً*

‭}‬ الدكتور كلود عطية**

نقف اليوم أمام حدث استثنائي، يشبه اللوحة الملونة بألوان الحياة والكلمات.. لوحة إبداعية ممزوجة من تجارب أدباء وشعراء وكتّاب استثنائيين، حيث يختصر صاحب اللوحة أوراق كتابه بأسماء استحقت محاولة البحث والقراءة والاستكشاف، في محاولة جريئة لاكتشاف السر الذي عبّد طريق المثقف الكاتب نحو الخلود المعرفيّ الإبداعي.. لنرى كتاب «قرأت لهم، كتبت عنهم، أحببتهم»… كيف يسجل الأرواح العالقة بين صفحات الأدب والشعر والسياسة والاجتماع والثقافة العابرة للحدود المغلقة على الكلمة، كمبدعين منتجين للفكر، وللفكرة الهاربة من سجن التقوقع والخوف والتردد.. منطلقين من اعتبار الثقافة عنواناً للحرية، وصرحاً لانطلاق الروح في فضاء الإضاءة على الحقيقة، كما هي…
كتاب الياس عشي يشبه كتاب التاريخ وهو يعانق الواقع وينقل الأحداث بطريقته الأدبية التي عشقت الصحافة فكانت الجريدة والدردشات الصباحية متعة القارئ العاشق لفيروزيات الصباح ولرائحة القهوة المعتّقة كالحروف في قلب الكتاب.. يبقى أن تقرأ. فالقراءة هي جنة الروح وبحر الجسد والإنسان الجديد الذي سيولد ما بعد الأبد.. وكما قال فريدريك دوغلاس عندما تتعلّم القراءة سوف تكون حراً إلى الأبد.
لم يتخط الأمين الأديب في كتاباته حدود أشهر أدباء العالم. بل كان يطل على العالم من بوابة المشرق وسحر الشام والعشق الأول لبانياس واللاذقية وطرطوس حتى رسا مركب العشق في طرابلس المدينة الملهمة للكتابة بحبر الفقر والحرمان والحياة الصعبة والمعاناة. ولم لا وهي الحياة التي ألهمت تشارلز ديكنز وقادته ليكون من أعظم الأدباء في العالم.
كان يقرأ الياس عشي لكي لا يجفّ حبر التفكير بصناعة الكلمات، وتوليد الأفكار، وإلهام العقل، وتعبيد طريق الذات الثائرة التي اختارت طرابلس عاصمة للكلمة والإبداع والطباعة والنشر وثقافة الحياة.. لأنها المدينة التي تستحق أن تكون عاصمة للثقافة.
وقد ساهم العديد من الكتّاب الذين قرأ لهم الياس عشي وأحبّهم، ثم كتب عنهم، في تغيير وجه طرابلس التي أرادها البعض أن تكون مدينة للإرهاب والتعصب الطائفي والمذهبي والاقتتال الدائم بين أبناء الحي الواحد.. فكان كتاب الأمين، الوجه الآخر الحقيقي لطرابلس الثقافة والإبداع والإنتاج الفكري، بأسلوب كتّاب مُبدعين بأفكارهم ومعتقداتهم وأعمالهم التي كان لها أثر دائم على الأشخاص والثقافات في لبنان والعالم العربي.
ها نحن في حضرة الثقافة التي تعيد للفيحاء مجدها، ها نحن في حضرة وزير استثنائي للثقافة والإبداع والأخلاق والعطاء معالي الوزير القاضي محمد وسام المرتضى الذي واكب “طرابلس عاصمة للثقافة العربية للعام 2024” إيماناً منه بأن الفيحاء هي فيحاء التاريخ البهيّ، فيحاء القيَم والموروث والعيش الواحد والناس الطيبين.
ها نحن في حضرة أساتذة كبار لتحقيق الاستفادة القصوى من كتاب الأديب الياس عشي، والتشجيع على القراءة علناً نحصل على معرفة تامة غير مختزلة بأسلوب نقدي وفلسفي وأدبي بعيداً عن الاختزال المسيطر على معظم قنوات المعرفة الأخرى.
ها نحن في حضرة الرفقاء والأصدقاء والمبدعين والمثقفين من أهل طرابلس والشمال، أقول لكم دعونا نبدأ من “كافكا” الذي صرّح بأن الكتب هي الفأس التي تكسر البحر المتجمّد فينا، إلى “جيمس بولدوين” الذي يراها وسيلة للتغيير، و“العقاد” الذي يقول “انتفع بما تقرأ”، ليظهر لنا بمقولة العقاد تساؤل هام عن كيفية الانتفاع بما نقرأ.
أما الجواب الآن فلنقرأ كتاب الياس عشي لأنه يكتب بحب ولا يعرف إلا الحب.. وعشقه لطرابلس كما الشام لا ينتهي..

*كلمة ألقيت في ندوة توقيع كتاب الأمين الياس عشي بعنوان «قرأت لهم، كتبت عنهم، أحببتهم»، برعاية وزير الثقافة في طرابلس….
**عميد الثقافة في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى