ليس لأنها واردة بل قطعٌ لدابر الترويج
ناصر قنديل
– تنتشر في بعض المقالات والتحليلات فرضية تبدو من صناعة عقل افتراضيّ يتعامل مع عقول الناس باعتبارها خلطة من السذاجة والسطحيّة والتفاهة. وتقول الفرضية إن حادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني هي عملية اغتيال نفذها الموساد الإسرائيلي باستخدام قاعدته في أذربيجان، عبر استهداف الطائرة الرئاسية دون سواها بطيف من الذبذبات الالكترونيّة للتشويش على أجهزتها وإفقادها كل منظومة الاتصالات والقيادة ما أدى إلى اصطدامها بالجبل وتحطمها وسقوطها. ويستنتج العقل الافتراضي العبقري دون أن يفسّر لماذا إيران في هذه الحالة سوف تذهب إلى إعلان الحرب على أذربيجان، وأن تركيا التي تربطها علاقات قوية بأذربيجان عرقياً وسياسياً وعسكرياً سوف تصبح طرفاً في الحرب ضد إيران. وهكذا سوف تصبح الحرب في غزة حدثاً هامشياً وتقف «إسرائيل» لتتفرّج على الحرب الدائرة بينما تقوم بقضم قوى المقاومة وجغرافيتها لقمة لقمة.
– النقاش للفرضية لن يدخل في الشق التقني منها، وطرح أسئلة من نوع، هل سقوط طائرة الرئيس دون سواها يرجّح فرضية التخريب أم يضعفها؟ أليس من مصلحة من يريد الاغتيال التمويه بإسقاط الطائرات الثلاث مثلاً؟ ولا أيضاً مناقشة فرضية التورط التركي في الحرب بدلاً من لعب دور الحكم والوسيط؟ وسوف نأخذ الفرضية كلها، بعجرها وبجرها، ونناقشها، ليس لأنها واردة، بل قطعٌ لدابر الترويج.
– لنفترض أن إيران توصّلت إلى ما يثبت العمل التخريبي من أراضي أذربيجان، فما هو أول شيء سوف تقوم بفعله؟ وكيف سوف تتصرف بالتسلسل والتتابع؟ والى أين يمكن أن تصل؟ وهنا يجب القول لأصحاب هذه الفرضية إنهم عدا عن استهتارهم بعقول الناس فهم يكشفون جهلهم بإيران وكيف تفكر وكيف تتصرّف؟
– سوف تقوم إيران أولاً بإبلاغ السلطات الأذربيجانية بنتيجة التحقيق، ودعوتها للمشاركة في التحقق من النتائج، ومطالبتها بالتصرّف لملاحقة كل المتورطين من مواطنين أذريين ومقيمين أجانب وسوقهم إلى محكمة مشتركة، وسوف تضع تركيا في صورة الموقف وتطلب مؤازرتها، وسوف تذهب إلى الدعوة لاجتماع وزراء العدل والداخلية والخارجية في دول مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي لتعرض ما لديها وتطلب مواقف واضحة من المجلس الوزاري مجتمعاً ومن الدول الأعضاء منفردين، بإلغاء كل تعاون مع كيان الاحتلال. وسوف تذهب إلى الأمم المتحدة وتعرض نتائجها، وتنظم حملة دبلوماسية وإعلامية ضخمة مهمتها أن تقول إن هذا الكيان السرطانيّ المسمّى «إسرائيل» هو جرثومة خبيثة ما بقيت في المنطقة فالجرائم لن تتوقف، لأنه كيان يعيش على الجريمة.
– العدو هو «إسرائيل» وإذا ثبت تورط أذربيجان عبر التسهيلات الممنوحة لهذا الكيان الإجرامي، فهذه فرصة للضغط لإنهاء هذه التسهيلات وملاحقة عناصر الموساد في أذربيجان وسوقهم للمحكمة والعقاب بأشكاله المختلفة بالطرق الرسمية وغير الرسمية، وتنظيف أذربيجان من هذا الورم الخبيث بكل الطرق المتاحة. والسؤال البسيط هو إذا كانت أميركا غير مستعدة لدخول حرب مع إيران كرمى لـ»إسرائيل» فهل سوف تفعل أذربيجان وتركيا، لمجرد أن إيران طلبت التعاون في ملاحقة فلول الموساد ومعاقبة الكيان وعزله بسبب ارتكابه هذه الجريمة النكراء وسعيه لإحداث فتنة بين دول مسلمة وجارة تربطها علاقات عمرها آلاف السنين وسوف تبقى لآلاف السنين، بينما هذا الكيان طارئ على المنطقة وزائل منها حكماً؟
– بالتأكيد سوف تنتقم إيران من «إسرائيل» وتنزل بها العقاب الشديد، لكن أول ثأر لدماء الشهداء سوف يكون طرد الكيان من بلدان العالم الإسلامي بكل الطرق المتاحة، وتطهير هذه الدول من فلول الكيان الأمنية والدبلوماسية، فإن نفعت الدبلوماسية كان بها، وإن لم تنفع ففي غيرها الخبر اليقين، وبعدها سوف يأتي دور العقاب الكبير، ولأن الحرب حول فلسطين تدور رحاها اليوم، فسوف تضاف دماء شهداء إيران اإلى دماء شهداء فلسطين طلباً للعقاب والانتقام، وسوف تكون لدى إيران حجتها الأخلاقية على العالم كله، ومعها اندفاعة شعبها طلباً للانتقام لكرامته الوطنية المجروحة، ولو قامت بشنّ حرب فلن يكون لأحد الحق بلومها. وقد شنت أميركا حرباً على أفغانستان وأخرى على العراق، بذريعة الكرامة الوطنية، مرة انتقاماً لتفجير برجي التجارة، وأخرى لإلحاق الإهانة برئيسها جورج بوش وجعل صورته ممسحة الأقدام والأحذية، فكيف إذا كان لدى إيران ما يكفي من وقائع تثبت اتهام «إسرائيل» باغتيال رئيسها ووزير خارجيتها.
– مرة أخرى هذا النقاش للفرضيّة ليس لأنها واردة، بل قطعٌ لدابر الترويج، والعاقل ينتظر نتائج التحقيق الإيراني، وبعدها لكل حادث حديث.