الجامعة العربية والحصاد المر !!
} د. محمد سيّد أحمد
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن الجامعة العربية، فمع كل حدث عربي أو مشكلة تحدث في أي قطر عربي، نجد أنفسنا أمام سؤال تقليديّ هو ما دور الجامعة العربية؟ وماذا ستفعل؟ خاصة عندما يسارع الحكام العرب في الدعوة لقمة عربية لمناقشة الحدث. وبالفعل تعقد القمة ونظل ومعنا الرأي العام العربي ننتظر ما سوف تسفر عنه اجتماعات القمة، خاصة إذا كان الحدث المنعقدة من أجله هو حرب أو عدوان كعدوان العدو الصهيوني على الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة والذي تحوّل لحرب إبادة حقيقية استمرت لما يقرب من ثمانية أشهر، وتأتي النتيجة دائماً مخيّبة للآمال، فعلى مدار الساعة كانت الأنظار ووسائل الإعلام تتجه صوب قاعة الاجتماعات الكبرى في العاصمة البحرينية المنامة والمنعقدة فيها فاعليات القمة، واستمعنا ومعنا الرأي العام العربي والعالمي لكلمات الملوك والرؤساء والزعماء العرب، ودائماً ما تأتي الكلمات المكتوبة بدقة فخيمة ومؤثرة ومدغدغة لمشاعر الجماهير المحتقنة، ثم يأتي البيان الختامي مخيباً للآمال، وتنتهي القمة المزعومة دون الوصول لحل للقضية أو المشكلة المطروحة. فقمّة المنامة الأخيرة يمكن أن نقول عنها تمخض الجبل فولد فأرًا. فالقمة في بيانها الختامي لم تتخذ قرارات أو إجراءات أو تطرح آليات عملية على أرض الواقع لوقف العدوان الصهيوني على غزة، أو إدخال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني الذي يموت جوعاً بفعل العدوان وحرب الإبادة.
ولتقييم دور الجامعة العربية والتعرف على حصاد تجربتها منذ الإنشاء حتى الآن، يجب علينا أن نقوم بإطلالة تاريخية سريعة. فجامعة الدول العربية هي منظمة إقليمية تضم دولاً عربية من آسيا وأفريقيا وجاءت فكرة نشأتها في ٢٩ مايو ١٩٤١ عندما ألقى أنتوني إيدن وزير خارجية بريطانيا خطاباً ذكر فيه «إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن، وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا، ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضاً.. وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأي خطة تلقى موافقة عامة». وفي ٢٤ فبراير ١٩٤٣ صرّح إيدن في مجلس العموم البريطاني «بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية». ويلاحظ هنا أن النشأة جاءت من رحم الاحتلال وبموافقة ودعم ورضا وعطف بريطانيا العظمى القوى الاستعمارية الأكبر والأكثر سيطرة على عالمنا العربي في ذلك الوقت.
وبعد عام تقريباً من خطاب إيدن دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس كلاً من رئيس الوزراء السوري جميل مردم بك، ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري للتباحث معهما في القاهرة حول الفكرة «إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنضمة إليها». ثم اجتمعت لجنة تحضيرية من ممثلين عن كل من مصر وسورية ولبنان والأردن والعراق واليمن في الفترة من ٢٥ سبتمبر إلى ٧ أكتوبر ١٩٤٤ رجّحت الاتجاه الداعي إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمسّ استقلالها وسيادتها. وفي ٢٢ مارس ١٩٤٥ تم الإعلان عن قيام جامعة الدول العربية وتألفت من سبع دول عربية كانت تتمتع بالاستقلال السياسي وقتذاك وهي مصر، وسورية، والمملكة العربية السعودية، وشرق الأردن، ولبنان، والعراق، واليمن، ويقع مقرّها في القاهرة، وتعدّ الجامعة أقدم منظمة دولية قامت بعد الحرب العالمية الثانية وقبل قيام منظمة الأمم المتحدة بشهور. ويلاحظ هنا أن الدول العربية التي أنشأت الجامعة لم تكن قد حصلت فعلياً على استقلالها، رغم الاستقلال الشكلي التي قامت به كلٌّ من بريطانيا وفرنسا لمساعداتهما أثناء الحرب العالمية الثانية.
وجاء ميثاق الجامعة ليحدد اختصاصاتها والتي تتمثل في الحفاظ على استقلال الدول الأعضاء، والتعاون في الشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية وغيرها، والنظر في شؤون البلاد العربية ومصالحها، وتحرير البلاد العربية غير المستقلة، والتعاون مع الهيئات الدولية لكفالة الأمن والسلام وتنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. وتمثلت أهداف الجامعة في تعميق التعاون العربي في كافة المجالات الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والسياسية، والبشرية، والأمنية، وغير ذلك من المجالات المتنوّعة. وبالفعل تم عقد عدة اتفاقيات لتعميق وترسيخ التعاون العربي المشترك منها، اتفاقية تسهيل التبادل التجاري، والتعريفة الجمركية الموحدة، وإنشاء المؤسسة العربية للإنماء الاقتصادي، واتفاقية الوحدة الاقتصادية، واتفاقية الدفاع العربي المشترك.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل قامت جامعة الدول العربية على مدار تاريخها الذي يقترب الآن من ثمانين عاماً باختصاصاتها؟ وهل حققت أهدافها؟ وهل فعلت تلك الاتفاقيات الموقعة بين أعضائها؟ والإجابة القاطعة تقول إن هذه الجامعة التي تعد الأقدم بين المنظمات الدولية لم تنجز شيئاً يذكر في حل القضايا والمشكلات العربية، وعلى مدار ٣٣ قمة عادية عقدتها في تاريخها بخلاف القمم الاستثنائيّة والاقتصادية، لم نشهد موقفاً عربياً حاسماً إلا في قمة الخرطوم الشهيرة في أعقاب نكسة ١٩٦٧ والتي عرفت بقمة اللاءات الثلاثة حيث خرجت القمة بالإصرار على التمسك بالثوابت العربية تجاه العدو الصهيوني من خلال اللاءات الثلاثة، لا صلح، ولا اعتراف، ولا تفاوض، قبل أن يعود الحق لأصحابه، وكانت القمة الثانية المؤثرة هي القمة الاستثنائيّة التي دعا إليها الزعيم جمال عبد الناصر قبل وفاته بيوم في 27 سبتمبر 1970 لفض الاشتباك العنيف الذي حدث في (أيلول الأسود) بين القوات المسلحة الأردنية وقوات المقاومة الفلسطينية، وانتهت بالمصالحة بين ياسر عرفات والملك حسين بفضل قدرات جمال عبد الناصر على التأثير، وبخلاف ذلك لم نحصد من الجامعة العربية إلا الحصاد المرّ، ولعل العجز العربي عن نصرة فلسطين، ووقف العدوان الصهيوني الحالي على غزة، خير شاهد وخير دليل، اللهم بلغت اللهم فاشهد.