الحادث – المأساة: اختبار لقوة إيران نظاماً وموقعاً دولياً
} العميد د. أمين محمد حطيط*
بقطع النظر عن طبيعة وظروف الحادث – المأساة الذي تعرّضت له طائرة الهليكوبتر الإيرانية الرئاسية، فإنّ ما نجم عن هذا الحادث – المأساة شكل خسارة كبرى لإيران وحلفائها، كما شكل اختباراً قاسياً للنظام الجمهوري الإسلامي الذي تعمل به إيران. وكذلك شكل الحادث وما نجم عنه اختباراً لشبكة العلاقات لدولية التي بلغتها إيران في عهد رئيس جمهوريتها السيد إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته المميّز حسين عبد اللهيان.
وإذا كانت طبيعة الحادث وظروفه وأسبابه هي من المسائل التي سيكشفها تحقيق إيراني شفاف سيجهد القائمون به في إجرائه بسرعة دونما تسرّع أو إهمال لأيّ عنصر مؤثر فيه صغيراً كان أم كبيراً، فإنّ الظروف التي نشأت بعد الحادث وكيفيّة التعامل معها من قبل المعنيّين هي ما سيكون محلاً للنظر والتمحيص خاصة أنّ إيران باتت دولة ذات تأثير كبير في الإقليم وفي السياسة الدولية. وأنّ للشأن الإيراني الداخلي بعداً دولياً وإقليمياً يلزم الآخرين بمتابعته والعمل بمقتضاه نظراً لما له من انعكاس يتعدّى الحدود الإيرانية.
ونبدأ بالنقطة التي تعني السلطة وتشكلها وإعادة إنتاجها في ظلّ غياب مفاجئ لرئيس الجمهورية ووزير خارجيته، حيث يتوقف المراقب عند السرعة المذهلة في التكيّف مع الوضع المستجدّ ومعالجته دون الحاجة الى أيّ قاعدة او آلية استثنائية لملء الفراغ في السلطة بل بتطبيق الدستور بحذافيره والعمل بالإجراءات التي لحظها لمثل هذه الحالة، بشكل يستمرّ العمل المنتظم في مؤسسات الدولة وبشكل دستوري سلس، أيّ كما قلنا من غير الحاجة الى أحكام عرفية او تدابير استثنائية لم ينص عليها للدستور ومن غير الحاجة الى إعلان حالة طوارئ وتعطيل القوانين وتجميد أحكام الدستور واستباحة الحقوق والحريات تحت ذريعة الأمن القومي.
لقد شكل انتقال صلاحيات الرئيس الى نائبه الأول، وتعيين فوري لوزير خارجية بديل علامة فارقة تؤكد على طبيعة النظام الجمهوري الإسلامي القائم على المؤسسات التي يديرها أشخاص مناسبون، فإذا مضى الشخص لعلة ما استمرت المؤسسة في عملها عبر شخص آخر يكون جاهزاً في أيّ لحظة لتولي الصلاحيات فيها تطبيقاً لمبدأ “استقرار المؤسسة مع تبدل الأشخاص”، الاستقرار الذي يمنح المؤسسة وتالياً النظام قوة وصلابة مع مرونة يتطلبها الموقف المفاجئ وظروفه.
أما النقطة الثانية التي لا بدّ من التوقف عندها في هذه المناسبة فهي العلاقة بين المسؤول والشعب. تلك العلاقة التي تتعرّض لاختبار عملي عند الرحيل المفاجئ للمسؤول، ونجد أنّ ردّ فعل الشعب يشكل نوعاً من استفتاء على أداء المسؤول الراحل كما وثقته بالنظام القائم، استفتاء لا يتطلب أوراقاً وصناديق استفتاء تلقى بها تلك الأوراق التي تعبّر عن رأي الشعب، بل يكتفي فيه بمشهد الشعب في الشوارع ومدى اهتمامه ومشاركته بالتشييع. وهذا أيضاً أمر مهمّ يتوقف عنده المراقب ويستنتج أنّ ما خطه الشعب الإيراني بأقدامه خلف نعوش المسؤولين يؤكد على تأييده لمسار الدولة وهي في عهدة هؤلاء المسؤولين الراحلين، ما يؤكد أيضاً على التفاعل بين الشعب والدولة وعمل الدولة بالنبض الشعبي وبشكل خاص في ما يتعلق بالسياسة الداخلية إدارة واقتصاداً وتنمية أو في ما يتعلق بالسياسة الخارجية مبدأ وأداء تحالفات وعلاقات بخاصة في دعمها لقضية الحرية والتحرر والعدالة.
وفي النقطة الثالثة يشدّ المراقب الى تصرّف الدول والمنظمات والهيئات الدولية حيال الحادث وما نجم عنه ويصل إلى قناعة بأنّ موقع إيران الدولي بات موقعاً استثنائياً خاصاً، وانّ إيران دولة إقليمية كبرى ذات بعد دولي مؤثر في شبكة العلاقات الدولية وليس أمراً عادياً أن تجمع الدول – طبعاً باستثناء العدو “إسرائيل” – ان تجمع على عرض المساعدة لإيران لمعالجة ما تعلق بالحادث أو في إبداء التعاطف وتقديم التعازي والتأكيد على أهمية الراحلين في السياسة الخارجية الدولية حتى أنّ مشهد تنكيس العلم في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك حداداً على رئيس جمهورية إيران كان أمراً هاماً ذا معانٍ ودلالات كبيرة أكدت على موقع إيران في خريطة الدول الكبرى الهامة دولياً.
وفي الاستنتاج نجد، أنه رغم عظيم خسارة إيران وحلفائها بفقد ثلة من مسؤوليها القياديين المميّزين، خسارة تستدعي الحزن والألم وتستوجب التعزية والمواساة، رغم ذلك فإننا نرى أنّ الحادث الجلل كان مناسبة للتأكيد على قوة النظام الجمهوري الإسلامي الإيراني ومناعته وقدرته على حماية نفسه بنفسه عبر مؤسساته. كما يؤكد على البعد الشعبي لهذا النظام وعمله وفقاً للإيقاع والنبض الشعبي، وأخيراً يؤكد على سقوط أكذوبة “عزلة إيران الدولية” وظهور الموقع الإيراني الفاعل في السياسة والعلاقات الدولية ويؤكد أيضاً انّ لإيران حلفاء وأصدقاء في جبهة دولية عريضة جداً وأما الخصوم والأعداء فرغم ما هم فيه من علاقة سلبية فإنهم يقرّون بأهمية إيران الدولية ويرضخون احتراماً لموقعها الدولي الفاعل…
*أستاذ جامعي ـ خبير استراتيجي.