مقالات وآراء

الكيان وسيناريو التفكك والانحلال… سقوط عناصر التأسيس وعناصر الوظيفة*

‭}‬ اعداد: عمر معربوني**
بداية لا بدّ من التأكيد على ضرورة الوصول الى تأسيس منتدى التفكير الاستراتيجي اعتماداً على منهجية التحليل العلمي من خلال مقاربة وضعية الصراع مع الكيان الصهيوني ومن خلفه العدو الأميركي على رأس منظومة النهب في الغرب الجماعي ببعد علمي يعتمد على الواقعية في تشريح التحوّلات والوصول الى تجميع الطاقات والقدرات ومساهمتها في رفع التوصيات الى مراكز القرار في منظومة محور المقاومة كقوة أساسية ورئيسية في قيادة وخوض الصراع.
أولاً: لا بدّ من التأكيد على ضرورة اعتماد أدوات تحليل وأدوات قياس تتناسب مع مرحلة ما بعد طوفان الأقصى ونتائجها حتى اللحظة.
في توصيف سريع لنتائج معركة طوفان الأقصى:
1 ـ يمكن اعتبارها المفاجأة الاستراتيجية الثانية في تاريخ الصراع بعد مفاجأة حرب تشرين/ الأول أكتوبر 1973 بفارق انّ الجيشين المصري والسوري يمثلان قدرات دولتين كبيرتين في حين انّ المقاومة في غزة محاصرة وذات إمكانيات محدودة لا يمكن مقارنتها بامكانيات سورية ومصر حينها.
2 ـ المستوى العالي من التضليل الاستراتيجي الذي مارسته حماس على مدى سنتين من إيهام العدو انها باتت خارج المعركة والإبقاء على مستوى مساندة محدود لحركة الجهاد الإسلامي.
3 ـ الفشل العسكري والاستخباري المريع للعدو في كشف الخطط والتحضيرات وهو الأمر المستمر حتى اللحظة ما يؤكد انّ العجز الاستخباري الإسرائيلي بات حالة وليس مجرد ظاهرة مرتبطة بحدث محدد.
4 ـ دخول العدو في فشل ثالث هو الأول من نوعه عبر تاريخ الصراع وأقصد معركة الصورة واهميتها في تغيير النظرة والموقف لدى شرائح كبيرة في المجتمعات العالمية (الحراك الطلابي في اميركا خصوصاً والغرب عموماً كمثال).
5 ـ وضع الكيان ومن ورائه كلّ الغرب الجماعي في مأزق كبير عبر عجزه عن حسم المعركة لمصلحته.
6 ـ تبلور التكامل المنتظم لقوى المحور وقدرتها على التحكم بمسار المعركة عبر الإبقاء على نمط الاستنزاف البنيوي في قدرات العدو ومنع أميركا والغرب من استخدام قدرات الدعم الكاملة للكيان عبر توسيع نطاق المعركة جغرافيا وهو ما يتهيّبه العدو وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية.
7 ـ وضوح كامل لتحقق عوامل واقعية زوال الكيان عبر مؤشرات جلية ترتبط بسقوط عناصر التأسيس وعناصر الوظيفة للكيان الإسرائيلي الإرهابي.
مؤشرات وعوامل متراكمة سابقة لمعركة طوفان الأقصى
1 ـ فشل العدو منذ العام 2000 في تحقيق أهدافه بكلّ جولات القتال.
ـ الانسحاب القسري من جنوب لبنان في 25 أيار 2000.
ـ الانسحاب القسري من غزة عام 2005.
ـ فشل العدو في تحقيق أهدافه عام 2006 في لبنان.
ـ فشل العدو في تحقيق أهدافه في كلّ جولات القتال مع غزة حتى ما قبل معركة طوفان الأقصى.
ـ التحوّل الكبير في العقيدة العسكرية الإسرائيلية وبدء مرحلة جديدة أساسها الدفاع عن الجبهة الداخلية (المناورات بأغلبها منذ عام 2000 حملت اسم «تحوُّل» كدلالة على التخلي عن عقيدة الحرب الخاطفة ومحاكاة ظروف الحرب الدفاعية، الجدار والأسلاك الشائكة ومنظومات الإنذار المبكر كمنهجية دفاعية بديلة (مثال)، وهذا برأيي تثبيت لفشل مشروع «إسرائيل الكبرى» والذهاب الى منطق جديد هو الحفاظ على «إسرائيل الصغرى» (ناتج يعبِّر عن الفشل المتلاحق وليس الرغبة المتأصّلة في المشروع).
ـ عدم الحصول على النتيجة المبتغاة من مشاريع التطبيع من اتفاقيات كامب ديفيد الى وادي عربة مروراً بأوسلو وصولاً الى اتفاقية ابراهام مع الإمارات والبحرين والمغرب سوى بعض التقدّم في مجالات التعاون الاقتصادي، وكذلك الفشل الكبير لصفقة القرن التي لفظت أنفاسها مع إطلاق الطلقة الأولى في معركة طوفان الأقصى.
ـ إاسقاط الرئيس بوتين لمشروع «إسرائيل الجديدة» على أراضي جنوب أوكرانيا عبر تقطيع أوصال جغرافيا المشروع المسماة في روسيا بـ «نوفا روسيا» أيّ روسيا الجديدة.
أهمّ عناصر إنشاء «إسرائيل الجديدة» وأسبابها
المشكلة الأولى هي الأرض… تبلغ مساحة «إسرائيل» 21 ألف كيلومتر مربع، وهي أقلّ من مساحة أيّ منطقة أوكرانية. في الوقت نفسه، يبلغ عدد سكان «إسرائيل» 8.5 مليون نسمة، وهو ما يشكل كثافة سكانية كبيرة نسبياً، بالنظر إلى أن 60٪ من أراضي « إسرائيل « صحراء، حيث المناخ غير مناسب لحياة الإنسان.
مناخ « إسرائيل» حارّ جداً وجميع الغابات المزروعة في الكيان تتعرّض للحرائق كلّ صيف تقريباً.
مشكلة «إسرائيل» الرئيسية أنها مطوّقة، هناك أقلية يهودية صغيرة نسبياً محاطة بأكثر من 100 مليون من السكان العرب المعادين، الأمر الذي يبقي «إسرائيل» في حالة توتر دائم.
كلّ هذه المشاكل تخلق احتمالات غامضة للغاية لتطور «إسرائيل» في المستقبل
قال كيسنجر ذات مرة إنه في العقود المقبلة ستعاني «إسرائيل» من أزمة وجود بسبب عدد من المشاكل غير القابلة للحل.
تفرض الاراضي المحتلة عام 1948 حداً معيناً في التنمية لا يمكن تجاوزه للحفاظ على مستوى تنمية مستدامة خلال 200 إلى 300 عام المقبلة، لذلك فإنّ «إسرائيل» تحتاج إلى منطقة كبيرة نسبياً ذات مناخ معتدل نسبياً وبيئة غير معادية،
ولهذا، وفقاً للنخب اليهودية، فإنّ المنطقة الواقعة في جنوب أوكرانيا، المسماة نوفوروسيا، بكل بساطة هي مثالية.
لماذا اختار اليهود أراضي جنوب أوكرانيا لإقامة «إسرائيل جديدة»؟
لمدة 400 عام، كانت هناك دولة يهودية في هذه المنطقة – خازار خاقانات، التي يشكل أحفادها جزءاً مهماً من الشعب الأوكراني.
بالإضافة إلى ذلك، من عام 1924 إلى عام 1948، نظرت الحكومة السوفياتية بشكل دوري في مسألة إنشاء جمهورية يهودية سوفياتية في القرم. كان الأمر كله يتعلق بحقيقة أنه سيتمّ إنشاء جمهورية اشتراكية سوفياتية يهودية في شبه جزيرة القرم. والصراع بين الاتحاد السوفياتي والدولة الإسرائيلية الجديدة هو وحده الذي وضع حداً لهذا المشروع.
السبب الرئيسي لإنشاء «إسرائيل الجديدة» على أراضي جنوب أوكرانيا هو الخطر العسكري لـ «إسرائيل» الحالية من الدول العربية المجاورة.
لذلك، من وجهة نظر النخبة اليهودية، إذا كانت هناك دولة يهودية أخرى منفصلة عن «إسرائيل» الحالية، ولكن ليس بعيداً عن «إسرائيل» بحيث تصل الصواريخ متوسطة المدى إلى الدول العربية في الشرق الأوسط، فسيكون من غير المجدي تماماً الهجوم عليها.
وبحيث يعلم العرب انه ليس بعيداً باتجاه الشمال توجد دولة يهودية أكثر قوة يمكنها أن تقدّم العون بشكل سريع.
وهكذا، من وجهة نظر النخبة اليهودية، فإنّ الموقع الجغرافي لجنوب أوكرانيا مثالي لإنشاء «إسرائيل ثانية».
لا توجد منطقة أخرى، سواء من حيث المناخ أو من الناحية العسكرية.
علاوة على ذلك، عند اختيار مكان لإنشاء «إسرائيل جديدة»، أخذ اليهود أيضاً في الاعتبار العامل الإثنوغرافي.
جزء كبير من الأوكرانيين المعاصرين ينحدرون من العرق التركي في خازار/ خاقانات القديمة وهم موالون لـ «إسرائيل».
مدن نوفوروسيا، مثل دنيبروبتروفسك وأوديسا، هي موطن لجالية يهودية كبيرة، والتي تسيطر نخبتها بشدة على المناطق الجنوبية من أوكرانيا.
سيكون لـ «إسرائيل الجديدة» مركزان رئيسيان… دنيبروبتروفسك وأوديسا.
كنيس الوردة الذهبية» في دنيبروبتروفسك هوة أكبر مركز يهودي في العالم. يمثل الأشخاص الأكثر نفوذاً في دنيبروبتروفسك أكبر مجتمع «تشاباد» (توضيح: التشاباد هم لقب ليهود روسيا في أوروبا)، الذين يعيشون في منطقة دنيبروبتروفسك.
من المخطط جعل دنيبروبتروفسك العاصمة السياسية والتجارية لـ «إسرائيل الجديدة»، وستكون أوديسا العاصمة الثقافية للدولة اليهودية الجديدة.
في آليات زوال الكيان الصهيوني
بات واضحاً انّ الضرر في عناصر التأسيس والوظيفة غير قابل للترميم ولهذا بات واقعياً ان نبدأ بمقاربة هذه المسألة عبر تجميع ما يُنشر من معلومات ومعطيات للبناء عليها والعمل على صياغتها كمستجدات وناتج وتحوُّل والتركيز عليها في مداخلات الخبراء والإعلاميين كلٌّ في اختصاصه وخصوصاً المتخصصون في الاستراتيجيا والعلوم العسكرية والاقتصاد والعلوم النفسية وغيرها لأنّ الضرر اللاحق بالعدو هو ضرر شامل وليس مرتبطاً بجانب محدّد.
واختصاراً فإنّ اهمّ عنصرين من عناصر التأسيس يتساقطان وبسرعة وهما:
1 ـ التفوق العسكري الذي مُنح للكيان منذ نشوئه لضمان استمراره وبقائه وهيمنته على المنطقة، فالجيش الذي هزم العرب مجتمعين في 1948 و1967 في أيام معدودة عاجزٌ بكل ما تعنيه كلمة عجز عن القضاء على مقاومة محاصرة ومحدودة الإمكانيات في غزّة على مدار 7 اشهر فكيف له ان يحقق الهزيمة بدول ومحور المقاومة مجتمعة؟
2 ـ المظلومية (المحرقة او الهولوكوست) التي تاجر بها هذا الكيان على مدى 80 سنة وهو الذي افتُضح أمره في المجتمعات الغربية التي ناصرته على مدى عقود ثمانية، وهو الذي يمارس التوحش بشكل غير مسبوق والمتهم في كل مكان بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب وإرهاب الدولة وغيرها من الجرائم بحق الإنسانية والقانون الدولي الإنساني.
اما اهّم عناصر الوظيفة المتساقطة فهي:
1 ـ الردع الذي لم يعد في حالة التفوّق لا بل بات بحالة تساقط وتراجُع وصلت الى حدّ الإخفاق عن تحقيق الغلبة وهو أمرٌ حصل بشكل تراكمي وليس نتاج معركة طوفان الأقصى فقط فالوظيفة الأساسية للكيان هي حماية مصالح الغرب، ليحدث الإنقلاب الكبير في المشهد وهو حاجة الكيان لمجيء الغرب بكلّ إمكانياته للدفاع عنه مرتين بعد طوفان الأقصى وبعد الضربة الإيرانية.
2 ـ الأمن الذي بات مفقوداً وسيصل بحال وصول الوضعية الى المواجهة الشاملة لمرحلة الإنهيار بعد ان كان الأمن يشكّل الرافعة الحقيقية للتفوق والردع، ففي حين كان الجيش الصهيوني يقاتل خارج جغرافيا الكيان كان شعب الكيان لا يشعر بتبعات الحرب الى ان وصل الأمر حدّ محاصرة الكيان بالنار من غزة واليمن والعراق وسورية ولبنان وأخيراً إيران، وهو ما سيؤدي الى تنامي الهجرة العكسية بشكل كبير بعد ان وصلت بين سنوات 2007 و2019 الى مليون ومئة الف مهاجر بينهم 20% من أصحاب الاختصاص العالي وهو ما يجب علينا متابعة خطه البياني بعد معركة طوفان الأقصى حتى اللحظة بالاعتماد على المراجع «الإسرائيلية» وخصوصاً مركز الإحصاء الإسرائيلي.
نمط الاستنزاف البنيوي في الكيان «الإسرائيلي»
شكّل تفعيل وحدة الساحات لدى محور المقاومة إشكالية كبيرة لدى صنّاع القرار داخل الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، إذ إنّ تدخل أضلاع المحور في ظلّ هدف كبير كالقضاء على حماس، أمر متوقع لدى الدول الجائرة، إلا أن مستوى التنسيق والتعاون وما نتج عنهما أصاب الكيان بصدمة جعل الهدف الذي وضعه صعب التحقيق، بل جعل الكيان في موقف خطر استشرف من خلاله ما يحضره المحور من مقدرات لإزالته من الوجود.
التعريف:
الاستنزاف البنيوي، مصطلح يشير إلى العمل التراكمي الذي تقوم به أضلع محور المقاومة بهدف إضعاف العدو وإيصاله إلى المرحلة التي لا يعد قادراً فيها على استكمال المواجهة، وهذا الاستنزاف يستهدف البنية التي يقوم عليها الكيان المؤقت، الردع والأمن، فمن خلال استنزاف هاتين البنيتين وإضعافهما، يضعُف الكيان تدريجياً.
وفي هذا الاتجاه سأذكر العناوين الرئيسية على ان نعمل لاحقاً على التوسع في نقاش كل عنصر لوحده والوصول الى تحديد دقيق لهذه العناصر كمصطلحات ومن خلالها تحديد المسارات:
ربطا بكلّ ما تقدّم من المهمّ البدء بإنشاء ورش عمل وتحديد أطر وآليات عملها وتوسيع النقاش حول المواضيع المطروحة واستكماله لتصل الى مستوى الإطار الفاعل عبر تشبيك العلاقة بين الخبراء والمحللين للتأثير في طريقة التفكير ونقلها من مستوى الأبعاد العاطفية والوجدانية الى مستوى التفكير الاستراتيجي الممنهج المستند الى قواعد البحث العلمي واعتبار الجهد جزءاً لا يتجزأ من المعركة كأحد عناصرها الأساسية الى جانب الجهود العسكرية والسياسية والديبلوماسية والإعلامية.
*ورقة عمل مقدمة لمنتدى سيف القدس للتفكير الاستراتيجي
**خبير عسكري ـ خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى