آخر الكلام
أنطون سعاده ناقداً وأديباً*
كتب: الياس عشّي
(الحلقة الثانية)
العصور الأدبية والمفهوم النهضوي
وما يهمّنا هو الإجابة عن هذا السؤال: هل سعاده واحد من أدباء عصر النهضة؟
قبل الإجابة دعوني أذكّر بالعصور الأدبية، وهي على التوالي: عصر قبل الإسلام المسمّى خطأً بالعصر الجاهلي، عصر صدر الإسلام، العصر الأموي، العصر العباسي، عصر الانحطاط أو كما يسمّيه البعض عصر الانحدار، وعصر النهضة، وعصر الحداثة.
وسنتوقف مع عصر النهضة، العصر الذي عاش فيه المفكّر أنطون سعاده السنوات الأولى من تجاربه الفكرية والأدبية، بدءاً بالمعاني اللفظية اللغوية لهذه الكلمة التي أرادها سعاده واجهةً لحزبه، نقول:
نهض نهضاً: قام.
نهض عن مكانه: ارتفع عنه.
نهض إلى عدوّه: أسرع إليه.
نهض النبت: استوى.
نهض للأمر: قام واستعدّ.
إذن… في فعل «نهض» معنى القيام الذي يقود إلى معنى القيامة، والارتفاع، والسرعة، والاستواء، والاستعداد، وكلّها معانٍ تناقض الجلوس، والانخفاض، والبطء، والالتواء، والارتجال، ومن ثَمّ التقاعد، والتقاعس، والاستتباع .
يقول سعاده في حديث إلى الطلبة:
« عندما نقول نهضة نعني شيئاً واضحاً لا التباس فيه. النهضة لا تعني الاطلاع في مختلف نواحٍ ثقافية متعددة، وفي التيارات الفكرية الموزعة التي جاءت مع بعض المدارس من انكلوسكسونية ولاتينية وغيرهما، وأنها لا تعني مجرد الاطلاع والتكلّم في المواضيع المتعدّدة، أو المتضاربة بدون غاية وقصد ووضوح».
اللافت في هذا الحديث أمران:
الأول: تركيز سعادة على الوضوح، ولدى قراءتي لكتابات سعاده لاحظت ابتعاده عن مذهب الرمزية الحاضر بقوة في عصره . سعاده في كتاباته كان يصل إلى العقل مباشرة، وإذا كانت الفصاحة تعني، لغةً، الظهور (فصُح الصبح – عيد الفصح)، والبلاغة، لغةً، تعني الوصول (بلغ إلى مكانه)، فإنّ أنطون سعاده كان فصيحاً وبليغاً بامتياز. والوضوح لا يكون إلا في العقل المنهجي، وعند أصحاب الأفكار النيّرة.
الأمر الثاني: رفض سعاده استجداء النهضة من مدارس لا تعكس روح الأمة السورية.
ويتابع سعاده في المناسبة ذاتها:
«… إنّ النهضة لها مدلول واضح هو: خروجنا من التخبّط، والبلبلة، والتفسخ الروحي بين مختلف العقائد إلى عقيدة جليّة صحيحة واضحة، نشعر أنها تعبّر عن جوهر نفسيتنا، وشخصيتنا القومية الاجتماعية، إلى نظرة جليّة، قويّة، إلى الحياة والعالم».
إذن… مع سعاده: الخروج، والاستواء، والحركة، شروط لا بدّ منها كي تصل إلى الموضوع، والتخلص من فوضى الأفكار الدخيلة.
*إلى الغد، حلقة ثالثة من كتابي «قرأت لهم… كتبت عنهم… أحببتهم»