مقالات وآراء

«طوفان الأقصى»: تأثيرات متعددة تتجاوز الانتصار العسكري

‭‬ كتب محمد فلحة

حققت عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) العديد من النتائج البارزة التي تجاوزت الانتصار العسكري. هذه العملية كانت نقطة تحوّل مهمة على عدة مستويات، من الفشل الاستخباري «الإسرائيلي» إلى التأثير الكبير على الرأي العام العالمي.

الفشل الاستخباري «الإسرائيلي»
أظهرت العملية ضعف الاستخبارات الإسرائيلية، حيث تمكنت حماس من تنفيذ عملية معقدة وضخمة دون أن تتمكن «إسرائيل» من اكتشافها مسبقاً. هذا يعكس قدرة حماس على الحفاظ على السرية في تحضيراتها، رغم الرقابة الشديدة المفروضة على قطاع غزة. هذا الفشل الاستخباري يعيد تسليط الضوء على نقاط الضعف في المنظومة الأمنية «الإسرائيلية» وقدرتها على التنبّؤ بعمليات المقاومة. فعلى الرغم من التكنولوجيا المتقدّمة وأجهزة المراقبة المستمرة، أثبتت حماس أنّ لديها القدرة على التخطيط والتنفيذ بسرية تامة.
الفشل الاستخباري هذا لم يكن مجرد حدث عابر، بل هو مؤشر على وجود خلل جوهري في الأنظمة الأمنية الإسرائيلية. فالإجراءات التي اعتبرت دوماً منيعة، تمّ تجاوزها بمهارة وتخطيط عاليَيْن. هذا يدفع «إسرائيل» إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الأمنية والاستخبارية وربما إعادة هيكلة أجهزة الاستخبارات لضمان عدم تكرار مثل هذا الاختراق الكبير.

القوة البشرية والاستخبارية والتكنولوجية للمقاومة
برهنت حماس وفصائل المقاومة الأخرى على قدرة عالية في التنظيم والاستخبارات، واستخدام التكنولوجيا المتقدمة في تنفيذ العملية. الدعم الذي تلقته حماس من أطراف متعددة ضمن محور المقاومة، مثل حزب الله في لبنان وفصائل في اليمن والعراق، ساهم بشكل كبير في نجاح العملية من خلال توفير معلومات وتنسيق عسكري فعّال. هذه العملية أظهرت أنّ المقاومة الفلسطينية ليست وحدها، بل هي جزء من شبكة أكبر من التحالفات التي تدعم بعضها البعض بوسائل متعددة، من الاستخبارات إلى التسليح والتدريب.
التكنولوجيا المستخدمة في هذه العملية، من الطائرات المُسيّرة إلى الأسلحة المتطورة، تعكس تطوراً نوعياً في إمكانيات المقاومة. هذا التطور يعزز من قدرة حماس على تنفيذ عمليات معقدة بدقة عالية، ويزيد من الضغوط على «إسرائيل» لإيجاد حلول جديدة لمواجهة هذه التحديات.

وحدة محور المقاومة
العملية أظهرت تنسيقاً غير مسبوق بين فصائل المقاومة الإسلامية من مختلف الدول، مما يعكس وحدة المواقف والتنسيق العالي بينها. الدعم الذي قدّمته فصائل من البحرين، وإنْ كان هناك شكوك حول هوية مطلقي الطائرات المُسيّرة، يبرز مدى التلاحم بين مكونات محور المقاومة في مواجهة «إسرائيل». هذا التنسيق يعكس فهماً عميقاً لأهمية الوحدة في مواجهة التحديات المشتركة، ويشير إلى استراتيجية منسقة تهدف إلى تعزيز قوة المقاومة وتوسيع نطاق تأثيرها.
وحدة محور المقاومة ليست مجرد تحالفات عسكرية، بل هي أيضاً تحالفات سياسية وإعلامية تهدف إلى تقديم رواية موحدة وقوية في مواجهة الروايات المضادة. هذه الوحدة تعزز من قوة الرسالة التي توجهها المقاومة للعالم، وتؤكد على ضرورة الوقوف مع القضية الفلسطينية كقضية عادلة وإنسانية.
كما أظهرت الأحداث الأخيرة نوعاً من التقارب بين السنة والشيعة، الذي بدأ يتشكل بعد الخلافات التي ظهرت خلال الحرب السورية. تضحيات الشيعة في سبيل دعم غزة وأهلها السنة تعكس تحوّلات إيجابية في العلاقات بين الطائفتين، مما يعزز من وحدة الصف الإسلامي في مواجهة التحديات المشتركة. هذا التقارب يساهم في تكوين جبهة موحدة تقف في وجه التحديات الإقليمية والدولية. هذه الوحدة تظهر أيضاً في التفاعل الشعبي والرسمي، حيث تتعاون الجماعات المختلفة على تحقيق هدف مشترك يتجاوز الخلافات الطائفية.
التقارب بين السنة والشيعة في دعم القضية الفلسطينية يشير إلى إمكانات كبيرة لتوحيد الجهود الإسلامية في مواجهة التحديات المشتركة. هذه الوحدة تعزز من قوة الموقف الفلسطيني وتجعل من الصعب على الأعداء استغلال الخلافات الطائفية لتفريق الصفوف.

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في كشف الحقائق ونشر الوعي عن القضية الفلسطينية. منصة تيك توك، على وجه الخصوص، كانت ميداناً لنشر مقاطع فيديو وصور تُظهر الواقع على الأرض، مما ساهم في تغيير نظرة الكثيرين حول العالم. أصبحت الحقيقة أكثر وضوحاً وانتشاراً، مما قلل من تأثير الدعاية الغربية والإعلام الذي طالما قلب الحقائق لصالح الرواية الإسرائيلية. وسائل التواصل الاجتماعي مكنت الأفراد من سرد قصصهم الخاصة وتقديم وجهات نظرهم بشكل مباشر، مما ساهم في تشكيل صورة أكثر شمولية ودقة عن الأوضاع في فلسطين.
هذه الوسائل أصبحت أدوات فعّالة في إيصال صوت الشعب الفلسطيني إلى العالم، وأداة لمواجهة الروايات المغلوطة التي تنشرها وسائل الإعلام التقليدية. من خلال الفيديوات والصور المباشرة، يتمكن الناس من رؤية الواقع بأنفسهم، مما يعزز من تضامنهم مع الشعب الفلسطيني.

تأثير على الجامعات والمثقفين
التغيّر في الرأي العام العالمي برز بشكل خاص بين طلاب الجامعات والمثقفين في الولايات المتحدة وأوروبا. هؤلاء الشباب المثقفون أصبحوا أكثر وعياً وإصراراً على دعم الحق الفلسطيني. شهدنا ذلك في الاحتجاجات والمظاهرات التي قام بها طلاب الجامعات الأميركية والأوروبية، والتي تعبّر عن رفضهم للسياسات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي. هذه المواقف تأتي من فهم أعمق للقضية الفلسطينية، وتقدير للمعاناة الإنسانية، ورغبة في تحقيق العدالة.
هذا الوعي المتزايد بين الشباب والمثقفين يمكن أن يؤدي إلى تغيير في السياسات الحكومية على المدى الطويل، حيث يمثل هؤلاء الشباب الجيل القادم من القادة وصناع القرار. التغيير الذي يحدث الآن في الجامعات قد يترجم في المستقبل إلى سياسات أكثر عدلاً وإنصافاً تجاه القضية الفلسطينية.

مقاطعة خطاب الرئيس الأميركي
الاحتجاجات ضد دعم الإدارة الأميركية لـ «إسرائيل» بلغت ذروتها عندما قاطع طلاب جامعات أميركية خطاب الرئيس جو بايدن، مردّدين شعارات مثل «أنتم تدعمون الإرهاب» و»فلسطين حرة». تعرّض هؤلاء الطلاب للطرد بالقوة من قاعة الخطاب، مما سلط الضوء على مدى الغضب الشعبي والرفض لسياسات الحكومة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية. هذه الحادثة ليست مجرد احتجاج بل هي رمز للوعي المتزايد والالتزام بالقيم الإنسانية والعدالة.
مقاطعة خطاب الرئيس الأميركي تظهر أيضاً قوة الحراك الشعبي وقدرته على إيصال رسالته حتى في أصعب الظروف. هذه الاحتجاجات تسلط الضوء على الفجوة بين سياسات الحكومات ومواقف شعوبها، وتدعو إلى إعادة النظر في السياسات الخارجية التي تدعم الاحتلال وتساهم في معاناة الشعب الفلسطيني.

الخلاصة
باختصار، عملية «طوفان الأقصى» لم تكن مجرد انتصار عسكري، بل كانت خطوة كبيرة نحو تغيير الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية. العملية أظهرت قوة وتأثير الحقيقة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووعي الشباب المثقف حول العالم، مما يعكس تحولات إيجابية في دعم الحق الفلسطيني وإعادة تشكيل مواقف الرأي العام العالمي. هذه النتائج تعزز من قدرة الفلسطينيين على مواجهة التحديات، وتؤكد أهمية الوحدة والتنسيق بين مختلف الفصائل والداعمين، وتشير إلى مستقبل مشرق يمكن فيه للقضية الفلسطينية أن تحظى بدعم عالمي أكبر.
هذه العملية لم تكن مجرد حدث عسكري، بل كانت نقطة تحوّل سياسية واجتماعية وثقافية. لقد أعادت تشكيل المفاهيم ولفتت الانتباه إلى معاناة الشعب الفلسطيني وأهمية دعم حقوقه المشروعة. ومع استمرار الجهود وتكثيف الدعم، يمكن أن نشهد في المستقبل تغييرات جوهرية في كيفية تعامل العالم مع القضية الفلسطينية، مما يعزز من فرص تحقيق السلام والعدالة في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى