عمدة الثقافة في «القومي» أقامت ندوة حول السامية والمزاعم الصهيونية في قاعة الشهيد خالد علوان ــ بيروت
حنان سلامة: فلسطين قلب الحدث وأمّ المعارك وساحة المواجهة ولا يمكن حفظ سلامة الوطن السوري إلّا باعتباره وحدة حربيّة استراتيجيّة
هشام الخوري: نحن حركة نهضة وأصحاب قضية ولأننا كذلك فنحن ماضون نحو الهدف الأسمى
الكاتب وجدي المصري: السامية بدعة ليس لها أيّ مرتكز علمي، ولا أيّ إسناد تاريخي، ولقد ابتلعها العالم بأجمعه دون تفكير أو تدقيق، ترغيباً أو ترهيباً
فرض الصهاينة مصطلح السامية على العالم أجمع، واستغلّوه وأسقطوه عليه، وجعلوا منه فزّاعة يواجهون بها كلّ من يحاول أن ينتقد سياسات دولة الاحتلال ضدّ الفلسطينيين بشكل خاص
التحرّك الطالبي العالمي الداعم لفلسطين والمطالب بإيقاف الحرب الهمجية على غزة بدأت تُظهر نتائجه تغيّرًا واضحًا بالرأي العام وتحديدًا في الإعلام الّذي كان كامل الانحياز إلى العدو
أقامت عمدة الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي ندوة في قاعة الشهيد خالد علوان – بيروت، تناولت مزاعم الصهيونية والغرب الاستعماري بمعاداة الساميّة والتحرك الطالبي الذي شهدته الجامعات الأميركية والغربية رفضاً للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين. وهذا ما أضاءت عليه كلمة عمدة الثقافة، ومحاضرة عضو اتحاد الكتاب اللبنانيين الكاتب القومي وجدي نجيب المصري.
حضر الندوة نائب رئيس الحزب – رئيس مجلس العمد وائل الحسنية، وعدد من المسؤولين الحزبيين، ورئيس المجلس الإنمائي لساحل بيروت الجنوبي يوسف جابر، ومؤسس منتدى شواطئ الأدب الشاعر القومي عصمت حسان، ومسؤولة العلاقات العامة في منتدى الشباب الديمقراطي سيلفا مداح، وعدد من المهتمين وجمع من القوميين والطلبة.
«وسام الثبات»
تخلل الندوة تســليم الكاتب القومي وجدي المصري “وسام الثبات” وهو وسام يمنحه رئيــس الحزب للقوميين الاجتماعيين الذين مضى على انتمائهم للحزب نصف قرن وأكثر. وقام بتسليم الوسام نائب الرئيس وائل الحسنية ومنفذ عام المتن الأعلى أسعد الدنف.
كلمة التعريف
استهلّت الندوة بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء فلسطين والأمة، وكانت كلمة تعريف ألقاها ناظر الإذاعة في منفذية المتن الأعلى هشام خوري الذي قال:
نجتمع اليوم، وفي جنوب أمتنا وجــع عظيــم، نجتمع وفــي فلســطين عامة، وفي غزة ورفح خــاصةً وضعٌ أليم، فيحضرنا قول حضرة الزعيم: «إن أزمنة مليئة بالصعاب والمحن تمرّ على الأمــم الحية، فلا يكون لها خلاص منها إلا بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة».
أزمنة صعبة تمر بها أمتنا، فمنذ سايكس ـ بيكو إلى اليوم تكالبت علينا الأمم الكاسرة، وانتزعت قسراً جنوبي أمتنا بعدما شرذمتنا، ثم راحت تحاول تقسيم المقسّم، فلم يسلم منها لا عراق ولا لبنان، وها هي ذي الشام لا تزال تتشبث بياسمينها العطر.
وقال: نحن حركة نهضة، أصحاب قضية، ولأننا كذلك فنحن ماضون نحو الهدف الأسمى.
وقدم خوري نبذة عن المُحاضر تضمنت مرحلة انتمائه إلى الحزب في ستينيات القرن الماضي، والمسؤوليات التي تسلّمها ومنها مسؤولية منفذ عام المتن الأعلى، والمهام التي أدّاها.
ولفت خوري إلى أن الرفيق وجدي المصري تشرّب قول حضرة الزعيم: كلنا مسلمون لرب العالمين.. وليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا وحقنا وأرضنا سوى اليهود. فراح يتعمّق في دراسة تاريخ أمتنا، وفي تقصّي معالم حضارتها، وغاص في دراسة إنتاجها الفكري من أساطير وآداب وأديان، فرأى أن اليهود هم أكبر اللصوص خصوصاً في ما يتعلق بالتراث، جاعلاً هذا الموضوع شغله الشاغل.
كلمة عمدة الثقافة
وألقت وكيل عميد الثقافة والفنون الجميلة في «القومي» حنان سلامة كلمة أشارت فيها إلى أن مصطلح «معاداة السامية» استخدمته الحركة الصهيونية في تخطيطها لهجرة اليهود من كل أصقاع العالم إلى فلسطين، وذريعة لقتل وتشريد الفلسطينيين من أرضهم، ومع حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني منذ ثمانية أشهر ضد أهلنا في غزة وسائر المناطق الفلسطينية، عاد مصطلح «معاداة السامية» إلى الواجهة بدعم من الغرب الاستعماري، خصوصاً بعد الحراك الطالبي في جامعات العالم رفضاً لحرب الإبادة التي يتعرّض لها شعبنا في فلسطين المحتلة وجنوب لبنان.
ورأت سلامة أن صورة الجرائم المرتكبة في غزة، تعتبر أحد أهم الإنتاجات تأثيرًا في تشكيل الوعي وإعادة تشكيل الحياة السياسية والثقافية والنفسية للجامعات الأميركية والأوروبية لصناعة رأي عام جديد بعيداً عن تأثيرات أساطير «الهلوكوست» بهدف كشف الحقائق والتأسيس لدور الطلاب في صناعة المستقبل، والغوص في أعماق الوعي الغربي وبالتالي التأثير فيه وتوجيهه الى الوجهة التي يريدها أحرار العالم.
واعتبرت سلامة أن القمع الذي استخدمته السلطات الأميركية والأوروبية ضد انتفاضات الجامعات المتضامنة مع فلسطين، تارة باتهامهم بـ «معاداة السامية»، وتارة أخرى في التهديد بمعاقبتهم وطردهم من الجامعات، هو لمواجهة تأثيرات الصورة، صورة الجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين، وتأييداً للإبادة الجماعية لشعبنا في فلسطين.
وقالت: انتفاضة الجامعات، ملحمة واقعية، وليست رمزية فقط. ليس هؤلاء الطلبة الغاضبون المنضبطون متضامنين على طريقة التعاطف النمطي مع «آخرين» في مكان ما، بل هم يعيشون فلسطين حقيقة، ويستلهمون قيَم الانتفاضة والثورة والمقاومة، كما يتجلّى للعيان في منطوق هتافهم ومكتوب شعارهم، وفي التمثّلات الرمزية الظاهرة في الهيئة والرِّداء والتصرّف.
وتابعت قائلة: وهكذا، لم تهدأ احتجاجات الطلاب في جامعات الغرب ضدّ العدوان الصهيوني على قطاع غزّة خاصة، وفلسطين عامة، بل اتسعت لتنضم إليها عشرات المؤسسات التعليمية العالية في أميركا، وفرنسا، وكندا، وأستراليا، وألمانيا، وبريطانيا وايرلندا، وتخللتها اعتداءات واعتقالات طالت طلاب الجامعات المحتجين، وإجراءات إدارية قمعيّة، وتوجيه اتهامات بـ«معاداة السامية» ونشر «خطاب الكراهية»، وحظر منظمات طالبية داعمة لفلسطين.
وأردفت سلامة: لم تكن تحتاج هذه الانتفاضات إلى حجارة ترشقها لتحظى بامتياز الصفة، فقد تكون أدواتها المعنوية أوقع تأثيرًا من المقذوفات المادية، وقد تصنع حدثًا عالميًا على نحو ما أقدم عليه مخيم جامعة كولومبيا في أميركا، الذي أشعل فتيل التحركات الطالبية. وبدا مشهد انتفاضة الجامعات مُذهلًا في كثافته الرمزية. وهكذا أصبحت فلسطين وضمنها غزة في كل مكان، تختزل مظالم العالم الفسيح في ذاتها، وإنّ مناصرة هذه القضية تشتبك مع الظلم العالمي الغربي المتغطرس، وإنّ المقاومة لانتزاع حرية فلسطين واستقلالها واسترداد حقوق شعبنا فيــها يبــدأ من أيّ مكان على وجه الأرض. فليست الكوفية الفلسطينية التي يتوشّــح بها طلاب الجامعات الأميركية والأوروبية صيحة أزياء موسميّة طابت لبعضــهم، بل إن الانضواءَ تحتها برهانٌ على فلَسْطنة الانتماء الفردي والجماعي، وصياغة هُويّة إنسانية عابرة للقارات مصمّمة على الانخراط في نضال عالمي بلا هوادة.
وختمت: إنّ فلسطين اليوم هي قلب الحدث، أمّ المعارك وساحة المواجهة، ولا يمكن حفظ سلامة الوطن السوري إلّا باعتباره وحدة حربيّة استراتيجيّة؛ وأي جيش يحتلّ منطقة صغيرة فهو لمحتلّ البلاد كلّها. لذلك، لكلّ منّا دور بارز في هذه المعركة المفصليّة، فالمقاومة ليست بالسّلاح فقط، إنّما هي بنجاح أشبالنا وتفوّقهم.. بالقلم شعرًا أونثرًا.. بالرسوم واللوحات.. بالمسرح والموسيقى وبإدراك نسورنا عمق المسألة الفلسطينية. فالثقافة هي أيضاً مقاومة.
كلمة المحاضر
المحاضر وجدي المصري استهلّ كلامه بالإشارة إلى عيد المقاومة والتحرير “تحرير جنوب لبنان، ولو جزئيًّا، من رجس الاحتلال الّذي ستستمر المواجهة بيننا وبينه حتّى ننتزع حقّنا الكامل من براثنه”. ونوّه بما يجري منذ أشهر من بطولة فائقة على أرض الجنوبيين، أي في جنوب الوطن السوري، فلسطين المحتلة. إنّها البطولة المؤمنة المؤيّدة بصحة العقيدة التي وحدها تستطيع إخراج أمتنا من كلّ المصاعب والمحن التي فُرضت عليها.
وتحدث عن الطلاب الذين قال عنهم سعاده: «الطلاب كانوا دائمًا ولا يزالون عاملًا أساسيًّا في الحركة القومية الإجتماعيّة، إنّهم النفوس الجديدة الّتي لم تكن قد فعلت فيها سموم القضايا الرجعيّة، ولم تكن قد تمكّنت منها الثقافات المحجّرة للعقل، المعطّلة للإرادة الحرّة في الإنسان، المسيّرة للفئات والجمــاعات بعوامل الاستمرار في الماضي… الطلاب هم هذا العنصر الأساسي لأنّه عنصر التحرّر من قيود قضايا الماضي. إنّه عنصر مؤهّل لحمل قضايا جديدة لنفوس جديدة».
وأشار إلى أن سعاده بدأ نشاطه الهادف إلى تأسيس حزب نهضوي بين أوساط الطلاب في الجامعة الأميركيّة في بيروت. ومن الصدف التاريخيّة المؤثرة نشير إلى أنّ طلاب هذه الجامعة، والّتي كانت تُعرف عند التأسيس بالكليّة الإنجيلية السورية، كان لهم سبق الشعور بأهميّة التكتّل الطلابي وفعاليته. فتحرّكوا عام 1882 لدعم عميد الجامعة ضد قرار فصله لأنه أيّد نظرية داروين في النشوء والارتقاء، وقوبل تحرّك الطلاب الداعمين للعميد بالقمع والفصل التعسفي كما يحدث حاليًا في جامعات الولايات المتحدة الّتي تدّعي أنّها حامية الديمقراطيّة والحرية في العالم.
وعدّد المصري سلسلة من التحركات الطالبية في العالم كان لها تأثيرها الواضح على مجريات السياسة العالمية: تحرك طلاب كلية الحقوق في جامعة القاهرة احتجاجاً على الاحتلال البريطاني 1919، مظاهرات طالبية في المجر في عام 1956، تظاهرات طالبية يابانية ضد القواعد العسكرية الأميركية 1960، مظاهرات الطلاب في الولايات المتحدة ضد حرب فيتنام 1968 – 1970، انتفاضة الطلاب في جنوب أفريقيا ضد سياسة الفصل العنصري 1976 والّتي فعلت فعلها بإنهاء هذا النظام.
وتابع: أمّا في لبنان، فقد بدأ تحرّك الطلاب متزامنًا مع تحركهم في دمشق أيام الاحتلال العثماني في مطلع القرن العشرين، ويُروى أنّ أولى المظاهرات الطالبية الّتي شهدها لبنان عام 1925 كانت احتجاجًا على زيارة وزير خارجية بريطانيا اللورد بلفور إلى القدس. وفي عام 1937 اعتصم الطلاب رفضًا لضم قليقية والاسكندرون لتركيا. كذلك كان هناك دور فعّال للطلاب في معركة الاستقلال. وفي عهد الاستقلال كان الطلاب رأس حربة بمواجهة الحكومات المتعاقبة لدعم بعض المطالب الاقتصاديّة والتربويّة، واستمرّ تحرّكهم في العهود اللاحقة وعلى أكثر من صعيد. وها هو اليوم تحرّكهم الداعم لغزة يؤكّد على دور الطلاب الطليعي في حركات التحرّر.
وإذا ما انتقلنا إلى ما تشهده جامعات الولايات المتحدة من تحركات واعتصامات ومواجهات مع الشرطة لتأكّد لنا مدى أهميّة هذه التحركات على صعيد التأثير المباشر على الرأي العام وعلى الصحافة، هذا التأثير الّذي أصبحت نتائجه مدار بحث وتقويم في جميع الدوائر الحكومية سواء في الولايات المتحدة أم في أوروبا أم في الكيان الإسرائيلي الاحتلالي الاغتصابي. وكلّ التقارير تتفق على أنّه بالرغم من القمع الجسدي والمعنوي، وبالرغم من المضايقات والتهديدات الّتي يتعرّض لها الطلاب بشكل خاص وأهاليهم بشكل عام، فإنّهم مستمرون بتحرّكاتهم الداعمة للفلسطينيين على قاعدة: طفح الكيل ولم يعُد من الجائز السكوت على ما يجري منذ سنين طويلة من محاولات كمّ الأفواه بالترهيب حينًا والترغيب أحيانًا من قبل اللوبي اليهودي والمنظمات الصهيونيّة.
وأضاف المصري: إنّ أهمية التحرّك الطالبي العالمي الداعم لفلسطين بشكل عام ولإيقاف الحرب الهمجية على غزة بشكل خاص، بدأت تُظهر تباعًا تغيّرًا واضحًا بالرأي العام وتحديدًا في الإعلام الّذي كان كامل الانحياز إلى العدو، فبدأنا نشهد طلائع التغيير الّتي ستترك بصماتها الإيجابيّة دون شك على مجريات الأمور. لم يكن أحد، مهما علا شأنه، يجرؤ على انتقاد دولة العدو، وهناك أمثلة عديدة ذكرتها في كتابي (البعد التوراتيّ للإرهاب الإسرائيليّ)، أمّا اليوم فجميع الولايات الأميركيّة تشهد بدء تغيّر جذري، بالرغم من كلّ القمع الّذي تمارسه السلطات في كلّ الدول الداعمة لهذا الكيان الاستيطاني الغاصب. مسؤولون كبار تجرؤوا على انتقاد، ليس وجود إسرائيل وإنّما سياستها العنصريّة، فكان نصيبهم العزل من الحياة السياسيّة (السيناتور بول فندلي مثالًا) والرئيس السابق جيمي كارتر الّذي اتّهموه بمعاداة السامية بالرغم من كلّ دعمه لـ«إسرائيل» وبدئه مسيرة التطبيع والاعتراف بين الدول العربية وكيان العدو. فلم تشفع له كلّ خدماته فقط لأنّه دأب على العمل لقيام الدولتين، وأوضح أنّ كيان العدو هو الّذي تراجع عن خطة السلام، ويا ليت من يدعو من أبناء شعبنا للحياد أو للتطبيع والسلام مع هذا العدو يقرأ أوامر يهوه لشعبه الخاص بني «إسرائيل» علّهم يقعون على الحقيقة الّتي لا تقبل الشك. يقول يهوه لموسى: «واجعل تخدمك من بحر سوف إلى بحر فلسطين ومن البريّة إلى النهر. فإنّي أدفع إلى أيديكم سكّان الأرض فتطردهم من أمامك. لا تقطع معهم ولا مع آلهتهم عهدًا» خروج 23: 21-22.
وأشار المصري إلى أن الصهاينة يستغلون كلّ حدث لتجييش حكومات العالم والرأي العام ضدّ كلّ من يتجرّأ على انتقاد سياستهم في الأراضي المحتلة بذريعة معاداة السامية. وهذا ما حمل الصحافي هارولد د.بايتي للقول:
«إن صيحة اللاسامية القبيحة هي العصا التي يستعملها الصهاينة لحمل غير اليهود على قبول وجهة النظر الصهيونية بشأن الأحداث العالمية أو التزام الصمت».
وفنّد المصري مصطلح «السامية» ومصدره والقصد منه، وبيّن أنه تعبير مستحدَثٌ لا يدل على سلالات محدّدة. وإنّما أراد مُطلقه أن يميّز بين اللغات القديمة التي كانت سائدة أيام ظهور العبرانيين على مسرح التاريخ، وحيث وجد علماء اللغات علاقة وثيقة وجذرية بين اللغات التي كانت منتشرة في منطقة الشرق الأدنى.
وقال: إن عدنا الى أسطورة التكوين التوراتية وتتبعنا ذرّية سام بن نوح لعلمنا أنّ بني سام هم: «عيلام وأشور وأرفكشاد ولود وأرام»، تكوين 10 :22. في حين لاحق كاتب التوراة ذرية أرام وأفكشاد وأهمل ذرية كلّ من عيلام وأشور ولود.
وتابع قائلاً: إذا كان العلم اليوم يُثبت أن ما ورد في أسفار التوراة، خاصة تكوين وخروج، هو من باب الأساطير أولاً، وهو من باب التأثر والتقليد والسرقة عن أساطير الأقدمين ثانياً، فهذا يعني أنّ كلّ الشخصيات التي تم الاعتماد عليها لبناء فكرة الشعوب السامية، هي شخصيات وهمية خيالية، وبالتالي فكلّ ما بُني على خيال هو وهم أيضاً لا يمتّ الى الحقيقة بصلة. ومن هذا المنطلق يمكننا القول بإنّه إذا لم يكن هناك وجود فعلي لنوح، فإنّه من نافلة القول أن لا يكون هناك وجود لأولاده. ففكرة تشعّب الأمم من أولاده الثلاثة فكرة سخيفة لا تعدو كونها مجرد محاولة بدائية لتفسير تعدّد الشعوب فوق هذه الأرض. ونحن إن سلّمنا بهذه المقولة التي تحصر النوع البشري بثلاثة من أولاد نوح، فمن حقّنا أن نتساءل: لماذا كلّ هذا التركيز على الساميين، وبشيء أقلّ على الحاميين، في الوقت الذي تم طمس الذريّة اليافثية؟ وإذا كانت التوراة تقول إنّ أولاد سام هم عيلام وأشور وأرفكشاد ولود وأرام، ألا يعني هذا أنّ ذريّة هؤلاء الأولاد يجب أن تعتبر من الساميين؟ فلماذا حُصرت الذرية السامية ببني «إسرائيل» وأصبحت معاداة السامية تعني العداء لليهود فقط؟
وقال: لقد فرض الصهاينة هذا المصطلح على العالم أجمع، واستغلّوا المفهوم الذي أسقطوه عليه، وجعلوا منه فزّاعة يواجهون بها كلّ من يحاول أن ينتقد سياسات دولة الاحتلال ضدّ الفلسطينيين بشكل خاص، وضدّ الكيانات السورية المحيطة بفلسطين بشكل عام. لقد مارسوا أبشع أنواع الترهيب والترغيب ليسكتوا كلّ الأصوات التي بدأت تتعالى في العالم أجمع متهمة دولة الاحتلال بالعنصرية، وتوصّلوا إلى إجبار الأمم المتحدة على التراجع عن قرارها الذي اعتبر أنّ الصهيونيّة حركة عنصرية. أسكتوا وسائل الإعلام العالمية، أسكتوا السياسيين (السيناتور بول فندلي مثالاً)، أسكتوا المفكّرين والباحثين، وتوصّلوا إلى إقناع الرأي العام العربي بهذه البدعة التي لا تستند إلى أيّ مرتكز علمي موضوعي.
ولفت إلى أن مشاعر الكراهية لدى اليهود تجعلهم لا يتورّعون عن استعمال شتى الأساليب ضد منتقديهم، وصولاً إلى التصفية الجسدية أو المعنوية المادية. ولكي يصبغوا على كراهيتهم للأغيار تبريراً يخفف من حدّة هذه الكراهية، تمسّكوا بلفظة السامية واختزلوا معانيها حتى باتت تعني فقط وحصراً كراهية اليــهود. أمّا لماذا قــام الصهاينة بهذا التحوير، فإنّ الإجابة بسيطة وتتمثل بســعيهم إلى استغلال كلّ ما من شأنه، بداية، المساعدة على اختلاق «إســرائيل»، ثم بعد ذلك، استمر الاستغلال لإسكات كلّ من يتجرأ على انتقاد السياسة الإسرائيلية أو مفاعيل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وها هــو الواقع نعيشه كلّ يوم، ليس فقط في الأراضي المحتلّة، بل في كلّ كيانات أمتنا، حيث يتقبّل العالم أجمع كل ما تفعله دولــة الاحتلال من قتل، ونهب، وتدمير، وحصار، وتهديد، وضمّ، ولا يرفع صوته حتى للتنديد وهو أبسط الإيمان، لكنّه يقيم الدنيا إن قام أحد الفلســطينيين بجرح، وليس بقتل، يهوديّ واحد. وما ذلــك إلاّ لأنّ دول العالم تعرف حق المعرفة أنّها إن اعترضت ستُوصَم مباشرة بمعاداة السامية، وأنّ اللوبي اليهودي العالمي سيضغط على الولايات المتحدة لكي تنزل العقوبات بهذه الدولة أو تلك، ممّا لا طاقة لها على احتماله، فتفضّل السكوت.
وخلص قائلاً: السامية بدعة ليس لها أيّ مرتكز علمي، ولا أيّ إسناد تاريخي، ولقد ابتلعها العالم بأجمعه دون تفكير أو تدقيق، ترغيباً أو ترهيباً. هي بدعة تماماً ككّل تاريخ بني «إسرائيل» المبني على الأوهام والأكاذيب. ولئن كان اليهود لغاية اليوم، بل تحديداً في هذه الأيام، ما زالوا يشهرون السامية سيفاً مسلطاً فوق رقاب البشرية جمعاء، ألا يحق لنا بالمقابل أن نعلن عداءنا لهذه الفئة التي تريد تدميرنا وتهجيرنا والاستيلاء على المزيد من أراضينا؟ (…) اليهود استعملوا يهوديتهم لسرقة حضارتنا وأرضنا وحقّنا، ولن نجاري أحداً فنخاف من غضب الصهاينة إن نحن أنكرنا أكاذيبهم ووقفنا مع حق أمتنا بكلّ حبّة تراب من أرضها.