إيران في ميزان القوة والمناعة…
نمر أبي ديب
بعيداً عن نظرية المؤامرة الخارجية على إيران وفرضية الاستهداف العسكري لمروحية الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، وبالتزامن مع متدرجات التحقيق الإيراني الذي يفترض أن تتكشف تفاصيله السياسية وحتى العسكرية فور بلوغ النتيجة مراحل الكشف الكامل عن تفاصيل الحدث الجلل وملابسات الفاجعة، التي وضعت المنطقة بجميع مكوناتها السياسية، حتى الأمنية والعسكرية على منصة “الانتظام الإيراني الجديد”، الذي دخلت من خلاله الجمهورية الاسلامية في إيران مرحلة جديدة أسهمت من حيث الشكل كما المضمون، في تصدير ما بات يُعرف بالانضباط السلوكي المنبثق من روحية الدستور، وأيضاً من انتظام العمل المؤسساتي الذي أكَد في زمن الأزمات الكبرى وحتى المصيرية، على مركزية “التفوُّق الإيراني”، ودوره الاستراتيجي في صياغة خيوط وخطوط الردع الأمني والعسكري والسياسي.
يدرك الجميع حجم الاستثمار العالمي تحديداً الأميركي والأوروبي في أزمات المنطقة الأساسية، يدرك الجميع حجم المحاولات الخارجية التي حدثت عام 2009، الهادفة إلى زعزعة استقرار إيران، تمهيداً لقلب الموازين الداخلية وتغيير النظام السياسي الحالي.
تعيش الجمهورية الإسلامية اليوم مشهداً رئاسياً أكثر من استثنائي، محكوم “قانونياً” بمواد دستورية ضامنة لعبور إيراني آمن نفق الاستثنائية الحالية، وهنا يجدر التساؤل عن أداء وسلوك “دول الاستثمار التاريخي” في لحظة قد يعتبرها الخارج الإقليمي كما الدولي غير آمنة بالنسبة لطهران، لا بل مفصلية للنظام الإيراني، وفرصة قد لا تعوَّض، لتحقيق اختراق يمكن أن يستثمر بمراحل لاحقة ضمن ملفات استراتيجية كبرى في مقدمتها أمن المنطقة، لا سيما “غزة”، وأيضاً “الملف النووي الإيراني”.
ليست المرة الأولى التي يخطئ فيها الخارج الإقليمي والدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية، بحسابات شرق أوسطية وقراءات تتعلق بالشأن الإيراني تحديداً أفضت في مراحل سابقة إلى أكثر من محاولة فاشلة، وتجربة 13 يونيو/ تموز 2009 خير دليل على ضعف الاستنتاج الغربي في الدرجة الأولى، أيضاً على سوء التقدير السياسي بما يتعلق بمناعة الجمهورية الإسلامية كما في قدرتها على الصمود السياسي والاحتواء.
في سياق متصل يشهد العالم سلسلة تحوّلات وجودية من بينها جملة الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية وهذا يتضمّن هزيمة سياسية لكيان الاحتلال الإسرائيلي ومنعطف وجودي قادر على وضع “إسرائيل” بما تمثل من امتداد شرق أوسطي للسياسة الأميركية، كما للمشروع الاستعماري و”البوليسي” على مقصلة الزمن، في توقيت بحت استثنائي لا تملك فيه الدول المعنية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية “ترف الوقت”، كما الهوامش الاستراتيجية المطلوبة للمراوغة السياسية والمناورات الميدانية، بالتالي هل يرى الكيان الإسرائيلي ومن ورائه الإدارة الأميركية، في استثنائية الأزمة الإيرانية، فرصة لاستهداف إيران، وقلب موازين المنطقة السياسية منها والعسكرية.
مما لا شك فيه أنّ الإحاطة الدستورية لمجمل الحالات الاستثنائية التي يمكن أن تستجدّ على الساحة الإيرانية، نظام حماية متقدّم، وقدرة ردع مضاعفة أضافت بالمادة القانونية الملزمة للجميع، “مسار شرعي” ضامن للانتظام السياسي من جهة وأيضاً لعدم تمرير أي دور لا يتناسب بالشكل والمضمون مع أحكام الدستور والنظام الإيراني،
ما هو واضح حتى اللحظة يتمحور حول القوة الإيرانية كما القدرة على التكيُّف مع الأزمات، وأيضاً إدارتها، دون أن يترك ذالك أي تأثير يذكر على السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية الإيرانية.
الحديث اليوم يشمل سياسة طهران الخارجية، المتعلقة في الدرجة الأولى بحرب غزة، وأيضاً بالممرات البحرية، مروراً بالملف النووي، وما يمكن أن يترتب مستقبلاً على ردّ طهران والردّ “الإسرائيلي” الهزيل.
ما تقدَّم يؤكد من حيث الواقعية السياسية على حقائق إيرانية عديدة من بينها: السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية جزء لا يتجزأ من أمن طهران القومي وأيضاً من جملة المصالح الإيرانية ذات المسارات السياسية الواضحة التي أكَّدت عليها وما زالت “الثورة الخمينية”.
ثانياً العامل العسكري غير المرتبط بمواقع شبه فخرية، حتى لو كانت أساسية، هو حق إيراني يكفله الدستور، كما استراتيجية الدفاع عن المستضعفين، وتلك معادلة وجودية يعتبر بقائها من بقاء الثورة وانتظامها الأخلاقي.
انطلاقاً مما تقدَّم، يرى البعض من أصحاب القراءات الخاطئة، كما التشخيصات الفاشلة، في حجم الكارثة الإيرانية فجوة سياسية، أو ما يشبه مساحات ميدانية فارغة يسهل في نظر البعض اختراقها السياسي لتحقيق النتائج المرجوة وتسجيل النقاط السياسية منها وحتى الاستراتيجية، في حين أنّ بعض الخارج الاقليمي حتى الدولي، تلمس بفعل السلوك والهدوء الإيراني، فائض القوة من جهة وحجم التماسك وما بين القراءتين الأولى والثانية، ملفات وجودية عديدة، وموازين ردع سياسية وأخرى عسكرية كفلها الدستور الإيراني كما القوة العسكرية التي رسمت من خلالها طهران خطوط السيطرة والتحكم مع مجمل القوى الداعمة والحليفة لكيان الاحتلال الإسرائيلي وفي مقدمتها الحضور الأميركي في المنطقة.