المقاومة… جدوى مستمرة
صادق القضماني
حين أقفلَ العدو الصهيوني، بوابة فاطمة، ليعلن انسحابه من الأراضي اللبنانية، اعتقد بأنه يستطيع قلب الحقيقة التي أجبرته على الانسحاب، (تعاظم ضربات المقاومة)، ليحاول جعل الانسحاب قراراً إرادياً، كتكتيك عسكري استراتيجي، وكأنّ المهمة انتهت.
الحقيقة عكس ذلك، بعد الانسحاب التام، قرّرت القيادة العسكرية للجيش الصهيوني، العمل على تصفيح، أكثر من ثلاثة آلاف آلية عسكرية، معظمها من الجيبات متوسطة الحجم، بزجاج مضاد للرصاص وهيكل مقاوم لرشاش الـ 500. (بتصرف معلومة من مصدر خاص).
مما لا شك فيه، فإنّ تجهيزها، لم يأت للعودة إلى الجنوب اللبناني الذي خرجوا منه مهزومين مهرولين، بل هدف لتحصين الجنود في أيّ مواجهة مقبلة في فلسطين، وتحديداً الضفة الغربية، وهذا ما حصل حين اندلعت انتفاضة الأقصى، وانتشرت غالبية تلك الآليات في الضفة الغربية.
جدير بالذكر، أنّ قيادة الكيان الصهيوني، كانت تدرك بأنّ تعاظم قوة المقاومة وما حققته من إنجازات في جنوب لبنان، والتي آلت إلى انسحابهم، سيكون لها ارتدادات تعبوية على الذهنية العامة في المنطقة، (الوعي بالقدرة مقابل كي الوعي الذي مورس لعقود).
للتأكيد على أنّ هذا الأمر وبلا مبالغة فإنّ الكوادر النضالية في فلسطين آنذاك، في مدنها وقراها، كانت تنظر إلى أيّ تصعيد جماهيري بذهنية واثقة بالذات، وترى العدو بطريقة مختلفة إضافة للموقف الوطني المعبّر عنه بالشكل النضالي السائد آنذاك، تراه بعيون المنتصر في الجنوب لتنعكس ثقة بالذات، وتردّد بأنها ستجعل الاحتلال يتكبّد خسائر كما جنوب لبنان في ايّ تصعيد حتمي في المواجهة.
إذن، ومما لا شك فيه، منذ مات مشروع الاحتلال في الجنوب، أحيا تحريره نبض المقاومة في ذهنية كلّ من يبحث عن سبيل لتحرير أرضه بأمل وتفاؤل.
لا مناص من القول، إنّ تحرير جنوب لبنان، يسجل كنصر استراتيجي إضافي عميق الأثر في المعركة الأساسية (الوعي بالحق والقدرة لتحقيق العدل) وبذات الوقت فرض ذهنية جديدة في الشارع العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص، ودقّ مسمار في نعش المشروع الصهيوني برمته، ليتحوّل ما حاولت القيادة الصهيونية تمريره لمجتمع المستوطنين، بأنّ الانسحاب كمهمة انتهت، لبداية زرع الفوبيا في نفوسهم، حيث تعمّقت أكثر بعد نتائج حرب تموز عام 2006، ليثبت بأنّ انسحاب جيشهم من الجنوب، هو هزيمة عسكرية فتحت المجال لكشف حجم التظليل الذي تمارسه قيادتهم عليهم.
من نافل القول، بأنّ التحرير عام 2000، إضافة للتأكيد بأنّ مشروع «إسرائيل الكبرى» قد مات، وأنّ الكيان إلى زوال، بأنّ المقاومة هي جدوى مستمرة، بقناعة حتمية بالانتصار. وهذا ما نشاهده في بأس المؤمنين من رجالات المقاومة الآن، وهم مقاومون من كلّ فصيل وفكر وعقيدة، وحّدهم الإيمان بالله والحق، فالرابط بين تحرير جنوب لبنان، وجميع المعارك العسكرية بعدها وصولاً لعملية 7 أكتوبر (طوفان الأقصى) تنسجم في روحية واحدة، كما أنّ المقاومة في لبنان هي حصيلة تراكمات نضالية أوصلتها لتحقيق هذا الانتصار العظيم.
بطبيعة الحال… فإنّ تحرير جنوب لبنان عام 2000، قد حرّر النفوس من قمقمها، ليخرج المارد في خدمة القضية، وليتجسّد وعد الله في مؤمنين ذوي بأس شديد، لن يكلّوا ولن يستسلموا حتى إحقاق العدل، وأول العدل كنس الاستعمار وأدواته من بلادنا التي وإنْ نهضت، فإنّ في نهوضها انتشاراً للمحبة والعدالة في كل مكان.
ختاماً، عيد المقاومة والتحرير، يجسّد وأد مشروع «إسرائيل الكبرى» من جهة، ومن جهة أخرى بداية تشكيل الوعي النضالي على أساس الإنجاز في الميدان، ولا يستطيع أحد تهميشه، بل عبّدَ الطريق إلى القدس من خلال حقيقة أنّ المقاومة جدوى مستمرة…
* أسير محرّر ـ الجولان السوري المحتلّ