الأميركان والصهاينة يتسوّلون الهدنة!
} د. جمال زهران*
الآن.. بعدما فشلت جميع جهود الوساطة الإقليمية والدولية (الرعاية الأميركية)، في التوصل إلى اتفاق للهدنة بين المقاومة المفوّضة بالحديث عنها حركة حماس، وبين الكيان الصهيوني، يتمّ بمقتضاه تبادل الأسرى، ووقف نهائي لحرب الإبادة الصهيونية على غزة، وتفاصيل أخرى، يبقى السؤال الكبير لماذا فشلت هذه الجهود؟! ولماذا أصبح الكيان الصهيوني بالتنسيق الأميركي.. يعاود الحديث من طرف واحد، في أنّ محادثات هدنة تجري في «السر»، ويستمرّ الإلحاح في ذلك حتى درجة «التسوّل»؟! في الوقت ذاته الذي تنفي حماس وكلّ جماعات المقاومة، بأنه لا توجد أصلاً محادثات أو مشروعات جديدة في هذا السياق، وأنها لا تزال وستظلّ متمسكة بثوابتها وهي الوقف النهائي لحرب الإبادة، وبنصوص واضحة لا لبس فيها، على خلفية عدم ضمان سلوك العدو الصهيوني!
فالحقيقة أنّ الكيان الصهيوني هو مَن أفشل المفاوضات التي جرت، وقد تصوّروا في حكومة النتن/ياهو.. أنّ التلاعب الصهيوني بالكلمات.. والوعود المطاطية قد تفي بالمطلوب، وتنخدع المقاومة بذلك، وكأنها أنجزت ما هو مستحيل! بل إنّ المقاومة هي التي تحكمت في سير المفاوضات بتمسكها بالثوابت ومنها الوقف النهائي لحرب الإبادة، وبدون ذلك ليس هناك اتفاق على الإطلاق، بل بادرت بالإعلان عن قبول آخر وثيقة، وتفاءل كثيرون بذلك، إلا أنّ النتن/ياهو، رفض التوقيع، وتجاهل الاتفاق، وسحب المفاوضين، وبدأ على الفور في العدوان على رفح، وتهديد الحدود المصرية باحتلال معابر صلاح الدين وفيلادلفيا، وحتى رفح تمّ احتلالها ورفع العلم الصهيوني، في رفح الفلسطينية وإعلان رسمي باحتلالها، وبموجب ذلك تمّ إغلاق معبر «رفح»، وهو المنفذ الوحيد لنقل المساعدات من سلع وخدمات، ومستلزمات الحياة، لشعب فلسطين في غزة! ولم يلتفت إلى غضب الدولة المصرية، ولا جيشها، ولا شعبها، فكانت النتيجة أزمة جديدة تواجه الحكومة الصهيونية! في الوقت ذاته فإنّ النتن/ياهو، لا يعنيه غضب مصر، ولا غيرها، بل يعنيه الاستمرار في القتل، والإمعان في إذلال الشعب الفلسطيني وإبادته، وكأنه العقبة أمام مشروعاته التوسعية، لخلق الدولة الصهيونية الكبرى من النيل إلى الفرات! ولذلك، فإنّ السؤال: كيف يمكن للمفاوضات من أجل هدنة.. أن تستمرّ في هذه الأجواء العدوانية، وتحت إرهاب حكومة النتن/ياهو، التي يرتبط استمرارها، باستمرار العدوان وحرب الإبادة، باعتبار أنّ ذلك في حدّ ذاته يضمن استمراريّة الشعبية المزيفة، وهي شعبية الدم والعنف والإرهاب، وهي المدعومة أميركياً، لتخويف المنطقة!
وفي ضوء ذلك فإنّ المفاوضات أصبحت في خبر كان! وفي الطريق المسدود، ولا سبيل لاستمرارها إلا بشروط المقاومة، وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل اقتحام رفح، وذلك بالانسحاب من رفح، وفتح المعابر، من أجل استمرار تدفق المساعدات إلى شعب غزة، وإلا فإنّ الأوضاع سوف تستمرّ على ما هي عليه: حرب إبادة صهيونية/ مقابل مقاومة فلسطينية جبارة، واستمرار عمل كلّ جبهات المساندة، في جنوب لبنان، وفي الجولان، وفي العراق، وفي اليمن، يستنزفون بها العدو الصهيوني، حتى النهاية والتفكك والانهيار للعدو الصهيوني، وإزالته من الوجود. فليس هناك ما يخيف المقاومة استمرار الحرب، بعد مرور (8) ثمانية أشهر، بلا هوادة، ووسط انتصارات كبرى للمقاومة / مقابل هزائم كبرى لجيش الاحتلال القذر الذي يعد أسوأ الجيوش المرتزقة في العالم، بل في التاريخ الإنساني كله!! وسيجبر العدو الصهيوني، رغم غروره، وعنجهيته، وفتونه بالقوة وامتلاكه أحدث أنواع الأسلحة الأميركية، والدعم الاستعماري المطلق من أميركا الاستعمارية ودول أوروبا الكبرى الاستعمارية أيضاً! على الإعلان عن هزيمته، أو الانهيار الشامل، بالتداعي مثل قطع الشطرنج، عندما يتم تهديد «الملك» بالسقوط، فينتهي الفيلم!!
وإذا كان إعلان سرايا القسام (الجناح العسكري لحماس)، عن عملية كبرى، مساء يوم السبت، في «شمال غزة» – التي ادّعى الكيان الصهيوني، أنه يسيطر عليها!! – باستدراج كتيبة كاملة – لم يعلن عن تفاصيلها – إلى أحد الأنفاق، وتمّ قتل وإصابة وأسر جميع أفرادها بلا استثناء! يا إلهي.. من أين لهذه المقاومة هذه القوة، التي تمّ الرهان عليها بانتهائها بالوقت؟ إلا أنه بعد (8) أشهر، تتمّ مثل هذه العملية النوعية، كأفضل وأقوى عملية منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023م! ومع ذلك لن يتراجع الصهاينة إلا بمعركة «الصفرية»، وهي معركة الوجود، إما نحن وإما هم!
والحقيقة فإنّ هم – أيّ الكيان الصهيوني – إلى زوال، وإن «نحن»، أيّ الشعب العربي في فلسطين، إلى استمرار وإعادة ترتيب حياته، وحاضره ومستقبله بعد أن يكون قد تحرّر تحرراً كاملاً، واستقلّ بإرادته الحرة الكاملة في دولة فلسطين العربية وعاصمتها القدس الشريف، كاملة بلا نقصان.
فالواضح مما سبق، أنّ الصهاينة والأميركان، مأزومون، وفشلوا في إدارة حربهم الإبادية ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة، وانفتحت عليهم نيران جهنم من كلّ جبهات الإسناد والدعم، فانهزموا هزيمة قاسية وسيدفعون ثمنها غالياً، وتزداد خسائرهم وتتعمّق هزائمهم، بعنادهم وغرورهم وعنجهيّتهم، وإرهابهم. ولن يعترفوا بهزيمتهم الكاملة، إلا بعد أن ينهاروا تماماً ويبدأوا في الهرب والرحيل إلى أماكن قد تبدو آمنة، بعيداً عن محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، التي لن تتوقف عن مطاردتهم! ليصبحوا في مزبلة التاريخ، وتلك هي الحكمة التاريخية التي لا يريد الحكام الطغاة والمستعمرون، أن يتعلّموها!!
لذلك فهم يحاولون تسوّل الهدنة، من أجل إنقاذ بايدن من السقوط الحتمي، وبداية انهيار أميركا! وإنقاذ النتن/ياهو، وحكومته المتوحشة، من نيران أهالي الأسرى، وإنقاذها من التفكك والانهيار.
أما جانب المقاومة، بعد أن أصبحت غزة تحكم العالم الآن، فهم مدركون اللحظة التاريخية، وأهميتها، وأنّ تمسكهم بالثوابت، وعدم تراجعهم مهما حدث ويحدث، وعدم خضوعهم لأي ضغوط، هو أكبر المكاسب، وقد يكون الثمن مزيداً من الشهداء والمصابين واستمرار الدم، إلا أنّ ذلك هو ثمن الحرية والاستقلال، الذي أصبح، على وشك التحقق. فليس من مصلحة المقاومة التراجع، أو التوصل إلى هدنة كسيحة، تنقذ بها المهزومين، وتتراجع المقاومة، ويتفكك محورها، وهو ما لن يحدث حسب تقديراتنا، وفهمنا للتفاصيل…
أيها الصهاينة وأيها الأميركان، تسوّلوا «الهدنة».. واجعلوها حلمكم، فهي لن تحدث. فالمقاومة أصبحت أقوى مما كانت عليه يوم تفجّر الطوفان في السابع من أكتوبر، بالإرادة الصلبة، والروح المعنوية العالية، وبكلّ الحسابات…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية.