التعزية للسيد ولإيران ومحور المقاومة… أسرة واحدة وتميّز فريد في القوة والاقتدار
} أحمد بهجة*
قبل كلّ شيء لا بدّ من وقفة وجدانية أمام المصاب الجلل الذي ألمّ بنا جميعاً بوفاة السيدة الفاضلة الحاجة أمّ حسن والدة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، والكلّ يعرف ماذا تعني خسارة الأمّ، وإذ نعزّي سماحة السيد ووالده السيد عبد الكريم وأشقاءه وعائلته، فإننا نعزّي أنفسنا بفَقد مَن أنجبتْ لنا القائد الأمين الذي حقق ولا يزال يحقق لنا بقيادته المظفّرة الانتصارات والإنجازات التي نعيش في ظلها محفوظي الكرامة ومرفوعي الرؤوس، خاصة أننا في هذه الأيام نحيي عيد المقاومة والتحرير حين أذلّ عمالقة المقاومة جيش العدو الصهيوني وأجبروه على الاندحار مهزوماً من أرضنا الطيبة في الجنوب والبقاع الغربي.
وفي أجواء الحزن أيضاً ودّعْنا في نهاية الأسبوع الماضي شهداء إيران ومحور المقاومة، رئيس الجمهورية الإسلامية السيد ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية الدكتور حسين أمير عبد اللهيان ورفاقهما الذين ارتقوا نتيجة الحادث المؤسف والمؤلم بتحطّم المروحية التي كانوا يستقلّونها في طريق العودة من منطقة الحدود مع أذربيجان حيث جرى تدشين أحد السدود، في إطار تنفيذ خطط وسياسات التنمية والنهوض الاقتصادي والإنمائي في كلّ المناطق والمحافظات الإيرانية.
نعرف جيداً أنّ كلمات العزاء والمواساة لن تعيد لنا مَن فقدنا، ونحن مؤمنون بقضاء الله وقدره، لكن الخسارة مؤلمة بلا شكّ خاصة أنّ الشهداء الأبرار كانت لهم أدوار مهمة جداً في سياق الجهاد والنضال بقيادة المرشد السيد علي خامنئي لمواجهة الأعداء وإفشال أهدافهم وأطماعهم ومساعيهم لكي تعود إيران ورقة في أيديهم كما كانت قبل انتصار الثورة عام 1979 بقيادة الإمام الخميني رحمه الله.
وها هي إيران… ورغم الخسارة الفادحة، تثبت أنها أقوى من كلّ الضربات والاستهدافات، وأنّ نظامها الفريد المركّب بدقة عالية، والجامع بين الأسس الدينية الإسلامية وبين المؤسسات الديمقراطية، وهذا ما يجعلها قادرة دائماً على وضع كلّ ما تتعرّض له في إطاره الإنساني البحت، وعدم السماح لأيّ حدث مهما كان بالتأثير على آلية عمل الدولة بكلّ مؤسّساتها.
ففي أقلّ من 24 ساعة وجدنا أنّ السلطات التي فقدت قادتها لا تزال في أيدٍ أمينة ومؤتمنة على استمرارية العمل ضمن الإطار الدستوري، وفي ترجمة واضحة لتوجيهات المرشد الأعلى، حيث تسلّم نائب الرئيس محمد مخبر مهام الرئاسة مؤقتاً ريثما تحصل الانتخابات التي تقرّر موعدها في 28 حزيران المقبل لانتخاب خلف للرئيس الشهيد السيد ابراهيم رئيسي. وكذلك الأمر في وزارة الخارجية حيث أصبح نائب الوزير علي باقري كني قائماً بأعمال الوزارة خلفاً للشهيد الدكتور الشهيد حسين أمير عبد اللهيان، وهو ما حصل أيضاً في مواقع أخرى كان يشغلها بعض من استشهدوا في حادثة المروحية.
إذا كان هذا الأمر يدلّ على شيء إنما يدلّ على متانة وقوة مؤسسات الدولة الإيرانية، بالشكل والمضمون، حيث لا يعني انتقال أيّ موقع في السلطة من يد إلى أخرى أنّ هناك ما يمكن أن يتغيّر في التوجهات والثوابت، وهذا ليس بالأمر الجديد على إيران التي واجهت تحديات مشابهة حتى حين كانت الثورة لا تزال في بداياتها… وقد تجاوزتها بحكمة واقتدار، ذلك انّ القادة الأعزاء الراحلين، وعلى رأسهم قائد الثورة الإمام الخميني، لهم مكانتهم الكبيرة الباقية في العقول والقلوب، لكن المؤسسات تستمرّ… خاصة أنهم هم الذين وضعوا الأسس والركائز التي تسمح بهذه الاستمرارية.
وهذا ما حصل أيضاً بعد استشهاد القائد الكبير اللواء قاسم سليماني قبل أربع سنوات، وها نحن نشهد اليوم إنجازاته الواضحة على امتداد ساحات محور المقاومة، حيث يتمّ ذكر اسمه واسم القائد الشهيد الحاج عماد مغنية مع كلّ عملية نوعية أو صاروخ ينطلق باتجاه العدو الصهيوني سواء من غزة أو من لبنان وسورية والعراق واليمن… وصولاً إلى العمل الباهر الذي نفذه الحرس الثوري الإيراني ضدّ كيان العدو رداً على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق.
والجدير ذكره ختاماً أمر لافت جداً في إيران، فهي إضافة إلى أنها تؤكد يوماً بعد يوم قدرتها على مواجهة كلّ المصاعب والتحديات، فإنها أيضاً تظهر في الملمات تميُّزها الفريد في كونها أسرة واحدة يلفّها الحزن من أقصى البلاد إلى أقصاها، وهذا ما يتجلى في الحشود المليونية التي رآها العالم أجمع في مراسم التشييع في كلّ المدن والمحافظات، وهو ما حصل ايضاً في تشييع قائد الثورة الراحل الإمام الخميني، والقائد الشهيد اللواء قاسم سليماني… ولعلّ هذا التميّز المهمّ جداً هو ما يخشاه الأعداء إلى جانب مكامن القوة والاقتدار التي برهنتها إيران وأكدتها أكثر من مرة في مجالات عديدة…