الإعتراف بدولة فلسطين مؤشر للاعتراف بحق تحريرها
} د.عصام نعمان*
هل كانت إسبانيا وإيرلندا والنروج لتعترف بدولة فلسطين لولا الاندفاع الهائل لشعبها في قطاع غزة والضفة الغربية لتحرير الأرض والمقدسات من طغيان الصهاينة وإنهاء حرب الإبادة التي يشنونها بلا هوادة منذ أشهر ثمانية؟ أشكُّ في ذلك. إن بسالة الفلسطينيين في الردّ على وحشية الصهاينة والدماء الغزيرة التي بذلوها، وما زالوا، أيقظت ضمائر حكام بعض دول اوروبا فبادروا إلى التعبير عن سخطهم على «إسرائيل» وإدانتهم وحشيتها بالاعتراف بدولة فلسطين. لذا يمكن القول إن الاعتراف بدولة فلسطين إن هو إلاّ مؤشر ضمني للاعتراف بحق شعب فلسطين في تحرير أرضه ومقدساته.
يبدو أن الولايات المتحدة أدركت تداعيات اعتراف الدول الأوروبية الثلاث بدولة فلسطين فسارعت مع فرنسا وألمانيا إلى لجم هذا التوجّه المتنامي بالاتفاق معهما، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، على «أن الأوضاع ما زالت غير مناسبة للاعتراف بالدولة الفلسطينية».
اللجم الأميركي للتوجّه الأوروبي للاعتراف بحق الفلسطينيين بالتحرير والدولة المستقلة لم يحدّ من عنفوان المقاومة في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية. ليس أدلّ على ذلك من الكشف الميداني لحال الجيش الإسرائيلي المتراجع أمام المقاومة الفلسطينية الذي قدّمه اللواء في الاحتياط يتسحاق بريك في «القناة التلفزيونية السابعة» بتاريخ 2024/5/21. قال بريك: «لم يبقَ أمام الجيش الإسرائيلي فائضاً من القوات. لذلك، عندما يحتل منطقة في قطاع غزة، ثم ينتقل إلى مكان آخر، فأنه يقوم بإخراج قواته من الأراضي التي احتلها، لأنه ليس لديه قوات جديدة يمكن أن تحلّ محل المقاتلين الذين غادروا. هذه الفجوة هي التي تسمح لـِ «حماس» بالعودة الى الأماكن التي احتلها الجيش الإسرائيلي ثم سحب قواته منها (…) كلنا يتذكّر كيف لم يتوقف غالانت (وزير الأمن) عن الثناء على قدرات الجيش. قال إن الجيش احتلّ 80% من قطاع غزة، وسيطر سيطرةً محكمة على الأنفاق، وان استسلام «حماس» هو مسألة وقت فقط. كما هدّد حزب الله بأنّه خلال وقت قصير، سنشن حرباً عليه، ونبعده إلى ما وراء نهر الليطاني. لقد اتضح أن كل تصريحات غالانت كانت خداعاً، ولا يمكن بعد الآن أن يخفي عن الجمهور عدم قدرة الجيش على دحر «حماس»، والدليل استئنافُ «حماس» إطلاق القذائف على مستوطنات غلاف غزة بعد عودتها إلى المناطق التي سبق أن احتلها الجيش الإسرائيلي. وبعد أكثر من نصف سنة من القتال، عاد وضعنا إلى ما كان عليه قبل الحرب».
كل هذه الوقائع التي كشفها الجنرال بريك لم تحمل بنيامين نتنياهو على أن يكون أكثر اتزاناً وواقعية في تصريحاته. فها هو يتجه الى شمال فلسطين المحتلة ويتجوّل بين وحدات الجيش الإسرائيلي المتراجع ويتوعّد حزب الله بهجوم قريب على لبنان لدفع المقاومة إلى ما وراء نهر الليطاني!
إلى عدم واقعيته في تقدير إمكانات جيشه، يواجه نتنياهو مشكلة عويصة هي مستقبل قطاع غزة بعد وقف القتال. ذلك أن «إسرائيل» عاجزة عن إعادة احتلال غزة لفترة طويلة ومكلفة، كما ان وقف القتال يعرّض حكومته الى خطرين: الأول سقوطها نتيجةَ استقالة الوزيرين المتطرفين بن غفير وسموتريتش المعارضين لوقف القتال. الثاني عودة «حماس» الى بسط سيطرتها على كامل قطاع غزة.
هل من مخرجٍ لديه؟
ربما هناك مخرج لـِ»اسرائيل»، ولكن ليس لنتنياهو. ذلك ان إدارة الرئيس بايدن ترى، بالتفاهم مع حكومتي مصر وقطر، أنه بالإمكان ترتيب تسوية لقضية فلسطين قوامها تمكين الفلسطينيين من الحصول على دولة منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة تتعايش مع «إسرائيل» برعايةٍ من دول عربية صديقة للولايات المتحدة وأخرى مطبّعة مع كيان الاحتلال.
مشروع التسوية هذا يواجه صعوبات وعقبات عدّة:
معارضة نتنياهو وفريق كبير من الأحزاب الصهيونية المتطرفة.
معارضة «حماس» و»الجهاد الإسلامي « وفصائل فلسطينية أخرى.
عدم قدرة «دولة» منظمة التحرير برئاسة محمود عباس (أبو مازن) على القيام بدور الدولة الفلسطينية الانتقالية لحين اكتمال مواصفات ومؤسسات الدولة الفلسطينية العتيدة.
عدم قبول الفلسطينيين بدولة منزوعة السلاح.
إمكانية عدم نجاح بايدن في جولة الانتخابات الرئاسية في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر المقبل وبالتالي فوز ترامب الذي يعارض مشروع التسوية.
صدور قرار محكمة العدل الدولية القاضي بإلزام «إسرائيل» بوقف الحرب فوراً الأمر الذي يُشجع فصائل المقاومة الفلسطينية على متابعة القتال.
هذه لمحة عن حال الصراع في المنطقة. أما على صعيد الشعوب والفصائل والأحزاب فإن الحال يختلف. ذلك أن معظم فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية تعارض ما تخطط له الولايات المتحدة من مشاريع تسوية وتطبيع وصلح مع العدو الصهيوني، الأمر الذي ينعكس بالضرورة على الساحة الفلسطينية وقد يحول دون «تمرير» مشروع الدولة الفلسطينية بالصيغة الأميركية.
الى ذلك، فإن نجاح الولايات المتحدة، حتى لو فاز بايدن بولاية رئاسية جديدة، في توليف مشروع التسوية في «إسرائيل» فإن أمر تنفيذه يبقى غير مضمون. فنتنياهو وحلفاؤه أقوياء في المعارضة مثلما هم أقوياء في الحكم، والأرجح أنهم قادرون على إحباط مبادرة بايدن في هذا السبيل.
قوى المقاومة العربية ستكون سعيدة سواء تمكّنت فصائل المقاومة الفلسطينية من إحباط مشروع التسوية الأميركي أو أن أحزاب المعارضة في «اسرائيل» فعلت ذلك. حتى لو نجحت أميركا في توليف مشروع التسوية عربياً وإسرائيلياً، فإن ثمة قوى مقاومة فلسطينية ستبقى معارضة له داخل الدولة الفلسطينية الوليدة كما في الأقطار العربية التي تنشط فيها قوى شعبية تناصر كل مقاومة لـِ «إسرائيل» وللولايات المتحدة.
نعم، سيبقى دائماً في الساحة مَن يناضل لتحرير كامل أرض فلسطين وعودة شعبها إليها.
[email protected]