25 أيار 2000… بداية زمن انتصارات المقاومة المسلحة وهزائم كيان الاحتلال المتواصلة
} حسن حردان
شكل انتصار المقاومة في 25 أيار من عام 2000 نقطة تحوّل هامة في الصراع العربي ـ الصهيوني.. حيث أثبتت المقاومة المسلحة القدرة على إلحاق الهزيمة بالقوة الصهيونية، التي قيل إنها لا تقهر، وحطمت أسطورة الجيش الصهيوني، وأجبرته على الرحيل، تحت جنح الظلام، عن معظم الأراضي التي كان يحتلها في الجنوب والبقاع الغربي بلا قيد ولا شرط أو أيّ مقابل، للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، فخرج مدحوراً ذليلاً تاركاً وراءه جيش العملاء الذي انهار، ولم يستطع الصمود في وجه زحف الجماهير الجنوبية نحو القرى والبلدات، محررة إياها الواحدة تلو الأخرى في صورة عكست مستوى الانهيار الكبير الذي أصاب الجيش الصهيوني وعملاءه من جهة، والنصر المدوي والمشهود الذي حققته المقاومة من جهة ثانية.. بما أكد انتصار خيار المقاومة طريقا للتحرير وسقوط خيار المساومة والمهادنة مع العدو..
غير ان حلول ذكرى هذا النصر التاريخي الاستراتيجي للمقاومة المسلحة هذا العام تأتي أهميته أيضا تزامنه مع إنجازات وانتصارات المقاومة منذ عملية طوفان الأقصى وبعدها في قطاع غزة، وعلى طول جبهات المواجهة التي فتحتها قوى المقاومة هجوميا نصرة للمقاومة في غزة، الأمر الذي أكد بما لا يدع مجالا للشك ان انتصار 25 أيار في عام ألفين إنما كان بداية تدشين عصر انتصارات المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة، والعراق واليمن، ودخول كيان العدو الصهيوني مرحلة الهزائم، حيث نشهد اليوم كيف ان المقاومة المسلحة في قطاع غزة تسجل الانتصارات ضد جيش الاحتلال وتذيقه مرارة الهزيمة تلو الأخرى في ميدان القتال منذ نحو ثمانية أشهر، مؤكدة بذلك ان الزمن الذي كان فيه جيش الاحتلال يحقق الانتصارات قد ولى بعدما بات في مواجهة مقاومة مسلحة امتلكت القيادة الشجاعة والإرادة والرؤية الاستراتيجية، وبنت مقاومة استعدت وتجهزت جيدا لخوض حرب طويلة النفس، تعتمد على حرب العصابات والمدن، وتقوم على استنزاف العدو بما يجعله يصل إلى مرحلة يعجز فيها على تحمّل الخسائر البشرية والمادية وما تسبّبه من تداعيات وتفجر للصراعات والتناقضات والانقسامات في صفوف الكيان.. وهو السبب الذي أدى إلى هزيمته في عام ألفين، وهزيمته عام 2005 في قطاع غزة على الطريقة اللبنانية، ومن ثم هزيمته الاستراتيجية أمام المقاومة عام 2006 في جنوب لبنان، وهو الأمر الذي تؤكد كل الدلائل اننا سنشهد تكراره في الحرب الدائرة في قطاع غزة بين المقاومة وجيش الاحتلال على اثر هجوم طوفان الاقصى الذي نجحت فيه المقاومة في اجتياح مواقع جيش الاحتلال في غلاف غزة وقتل وجرح وأسر المئات من الضباط والجنود الصهاينة في أكبر ضربة عسكرية وأمنية يتعرّض لها جيش العدو في الداخل الفلسطيني المحتل..
إنّ المقاومة التي انتصرت عام ألفين أصبحت اليوم من القوة والقدرة ما جعلها تنتقل إلى الهجوم ضد جيش الاحتلال، وهو ما تجسد بإقدامها على فتح جبهة الجنوب مع فلسطين المحتلة وخوض حرب استنزاف ضد كيان الاحتلال نصرة ودعما للمقاومة في قطاع غزة، فيما نجحت المقاومة في اليمن في محاصرة الكيان الصهيوني اقتصاديا عبر منع السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة من عبور باب المندب عبر البحر الأحمر والبحر العربي، والتصدي للسفن الحربية الأميركية والبريطانية التي حاولت يائسة فك هذا الحصار.. وفي المقابل أثبتت المقاومة العراقية التي ألحقت الهزيمة بجيش الاحتلال الأميركي عام 2011، القدرة على توجيه الضربات المتواصلة لقواعد الاحتلال في عمق فلسطين المحتلة والموانئ الصهيونية، بوساطة المسيرات والصواريخ، الأمر الذي جعل كيان الاحتلال في مواجهة قوى محور المقاومة على عدة جبهات، مما أدى إلى ما يلي: اولا، فشل محاولات العدو الاستفراد بالمقاومة في غزة، والتأكيد ان الشعب الفلسطيني لم يعد وحيدا يقاتل ويواجه العدوانية الصهيونية، بل بات يستند عمليا إلى دعم حقيقي من قوى محور المقاومة المدعومة والمحتضنة من إيران الثورة، وسورية الأسد..
ثانيا، استدراج كيان العدو إلى الغرق في حرب استنزاف عالية الكلفة تزيد من حجم الخسائر المادية والبشرية التي يُمنى بها في قطاع غزة بفعل المقاومة الضارية، فيما هو غير قادر على شن حرب واسعة ضد المقاومة في لبنان، بسبب تورّطه في وحل غزة وعجزه عن تحقيق النصر، فكيف به يذهب إلى حرب واسعة ضد المقاومة في لبنان التي باتت تمتلك القدرات الكبيرة على تحويل كل مدن الاحتلال من الشمال إلى أقصى الجنوب مرورا بمنطقة غوش دان في الوسط، إلى ساحة حرب تنهمر فيها صواريخ المقاومة الدقيقة وغير الدقيقة..
ثالثا، إدخال حكومة العدو وجيشها المستنزف والعاجز عن تحقيق النصر على المقاومة، في مأزق كبير وغير مسبوق منذ نشأته على أرض فلسطين المحتلة، فلا هي قادرة على تحقيق أهداف حربها كما تؤكد انباء الميدان، ولا هي قادرة على الانسحاب من مستنقع غزة خوفا من تداعيات نتائج الهزيمة على الكيان ومستقبل وجوده..
من هنا يمكن القول إن انتصار 25 أيار عام 2000 قد دشن زمن انتصار خيار المقاومة المسلحة، ودخول كيان العدو في زمن الهزائم والتآكل المستمر في قوته الردعية، بما يؤكد انّ تحرير فلسطين وبقية الأراضي العربية المحتلة ليس مستحيلا.. ولا يحتاج سوى الى مواصلة نهج المقاومة طريقا استراتيجيا للتحرير وليس طريقا للمساومة في مفاوضات ثبت سقوط الرهان عليها.