هل استسلم قضاة المحكمة الجنائية للتهديدات؟
قبل أسبوع طلب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من قضاة المحكمة إصدار مذكرات توقيف راعى في طلب إصدارها الجمع بين قادة كيان الاحتلال وقادة المقاومة، ورغم ذلك هناك انطباع سائد في أروقة المحكمة ودوائر دبلوماسية وسياسية أن القرارات لن تصدر.
أي حديث عن تعقيدات تتصل بكون المعنيين يحظون بوضعية دولية قد تمثل إحراجاً للمحكمة ما يحتاج الى ترتيب سياسي يسبق إصدار المذكرات هو حديث نفاق وضعف، ذلك أن المحكمة لم تتردد لأسباب أقل وجاهة في العنوان ذاته، وهو الحرب وما يرافقها من اتهامات بارتكاب جرائم، عندما قاربت الحرب الروسية الأوكرانية، وأصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ورئيس الدولة الأعظم في العالم بسلاحها النووي.
بالمقارنة بين حالتي روسيا وكيان الاحتلال، يكفي الانتباه إلى أن مؤشر عدد الأطفال الذي قتلوا في الحرب يكفي لمعرفة ميزان الجريمة واكتمال أركانها. ففي الحرب الروسية الأوكرانية حيث صدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي بلغ عدد الأطفال الذين قضوا منذ بدء الحرب قبل أكثر من سنتين 600 طفل أوكراني، وفقاً لإحصاءات اليونيسيف، بينما زاد العدد في غزة وفقاً لليونيسيف أيضاً وخلال ستة شهور من الحرب أكثر من 12000 طفل فلسطيني. وبقياس فوارق عدد السكان ومدة الحرب المأخوذة للقياس، تكون الجريمة كافية لإصدار مذكرات التوقيف بحق قادة الكيان، 1200 مرة أكثر من روسيا.
التفسير الوحيد لتلكؤ قضاة المحكمة الجنائية الدولية، هو من جهة أولى، ما كشفته التقارير المنشورة علناً عن تهديدات بعقوبات أميركية للقضاة الذين تهمّهم أموالهم في المصارف أكثر من مسؤوليتهم عن العدالة، ومن جهة موازية ما كشفته صحيفة الغارديان البريطانية عن قيام أجهزة أمن كيان الاحتلال خلال عشر سنوات بتركيب أجهزة تنصّت وتجسّس على قضاة المحكمة وتجميع أوراق ضغط عليهم لابتزازهم في شؤون حياتهم الشخصيّة وما فيها من نقاط محرجة.
المهم أن ما يجري يكشف مرة أخرى أن من يقول بأن هناك قضاء دولياً يمكن أن يحمي الشعوب الضعيفة هو واهم وساذج أو عميل متواطئ، وها هي محكمة العدل الدولية تصدر قرارات بلا أداة تنفيذ، والمحكمة الجنائية الدولية التي تلزم قراراتها الدول الأعضاء بالتنفيذ ممسوكة من جيوب القضاة وأسرارهم.
التعليق السياسي