أولى

الصحوة الطالبية في الجامعات الأميركية والأوروبية وتفكك السردية الغربية

‭}‬ د. رائد فرحات
منذ نشأته، كان الكيان الصهيوني حجر الزاوية في الإستراتيجية الاستعمارية الغربية، حيث لم تكن الصهيونية مجرد فكرة يهودية بحتة، بل هي ابتكارغربي انغلوسكسوني للتخلص من اليهود واستخدامهم كأداة سياسية. جاءت حرب غزة لتزلزل أسس الثقافة الغربية وتكشف عن تفسّخها، مما أطلق شرارة حراك طلابي غير مسبوق.
لم تكن حرب غزة مجرد صراع عسكري، بل زلزال اجتماعي وثقافي هز البنية المجتمعية الغربية. الانتفاضة الطلابية، التي انطلقت من الجامعات، هي رأس جبل الجليد، مشعلة شرارة وعي جديد يتجاوز حدود السردية الغربية التقليدية.
هذا الجيل الجديد من الشباب لم يعد يعتمد على الإعلام التقليدي المسيطر عليه من قبل الحركات الصهيونية. بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحوا قادرين على الوصول إلى الحقائق مباشرة، مما أدى إلى تآكل السردية الغربية وفقدانها السيطرة على العقول الشابة. لم يعد الشباب الغربي يصدق الروايات المعلبة، بل يسعى للوصول إلى جوهر الحقيقة.
تاريخياً، كانت الجامعات ولم تزل مراكز للحراك الاجتماعي، وهذا ما نشهده اليوم، فالطلاب يطالبون بالعدالة للفلسطينيين، مكتشفين زيف الدعايات التي تلقوها من المؤسسات الإعلامية والتعليمية. هذا الحراك ليس مجرد تضامن، بل هو تحوّل استراتيجي نحو ثقافة مجتمعية جديدة إذ انّ الجامعات أصبحت ميادين للمعارك الفكرية والسياسية، حيث يتشكل مستقبل جديد يقوم على العدالة والمساواة.
الطلاب يطالبون بوقف تعامل جامعاتهم مع «إسرائيل»، ويكشفون عن تبعية الكيان الإسرائيلي للغرب، فالجامعات الإسرائيلية لا تستطيع الاستمرار دون الدعم الغربي، لذا فإنّ حركة المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية أصبحت أداة فعالة في يد هؤلاء الشباب. حيث المطالب تتجاوز الشعارات، لتمثل خطة عمل استراتيجية هادفة إلى تغيير معادلات القوة والنفوذ.
ردود الفعل تجاه هذا الحراك كانت عنيفة، مع محاولات لتجريم أي دعم لفلسطين. هذا الاستنفار يعكس مدى التهديد الذي يشعر به النظام الغربي من هذا التحوّل في الرأي العام الشبابي. التشريعات الجديدة التي تحاول قمع هذا الحراك تكشف عن عمق الأزمة التي يواجهها النظام الغربي في مواجهة جيل لا يخضع للقيود التقليدية، هي تشريعات تربط أي تأييد لفلسطين بمعاداة السامية وجرم يعاقب عليه بالسجن مما يذكرنا بمحاكم التفتيش، ويدلّ على التحوّل في الرأي العام المجتمعي مطيحاً بهذه السردية الغربية ويضع سردية جديدة بمفراداتها الجديدة وخلاصتها انّ فلسطين يجب ان تكون حرة مسقطين التابو الذي لطالما شكلته «إسرائيل». فأضحت فلسطين مقياساً أخلاقيا تقاس على اساسه، في الرأي العام الغربي، صلاحيات الأفراد والحكومات والهيئات بينما أضحت «إسرائيل» رمزاً للإجرام والإبادة الجماعية واضطهاد الشعوب. ومن هذا المنظار أيضاً نرى توقيع ألف ومئتي أستاذ جامعي يهودي على وثيقة تؤكد انّ انتقاد الصهيونية والدولة الإسرائيلية لا علاقة له بالسامية بل على العكس إنَ اي قانون سيصدر من الكونغرس الأميركي في هذا الاتجاه من شأنه ان ينتهك حرية التعبير ويدوس على الحرية الأكاديمية ويقوّض حتى السلامة اليهودية.
في نهاية المطاف، يشكل الحراك الطلابي تهديداً حقيقياً للبنية الغربية التقليدية. على الرغم من القمع، فإن صوت الشباب لن يخمد، بل سيستمر في تشكيل مستقبل جديد قائم على العدالة والحقيقة. هذا الجيل الجديد، الذي يرث كوارث الماضي، يتطلع إلى حلّ مشكلات الحاضر بآليات مبتكرة، واضعاً القضايا الإنسانية في مقدمة أولوياته. الصحوة الطلابية ليست مجرد موجة عابرة، بل اصبحت قوة مؤثرة في تغيير السراديات والتوجهات العالمية ومن هنا بداية لتحوّل جذري في العلاقات الدولية والسياسات الداخلية، مما يجعل المستقبل مفتوحا على احتمالات جديدة ومثيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى