أولى

مصر وقطر والتنافس على الورقة الفلسطينية

‭}‬ سعادة مصطفى ارشيد
على مدى التاريخ الطويل مثلت سورية مفتاح أمن مصر خاصة جنوبها الفلسطيني، وعلى هذا الأساس قامت نظرية الامن القومي المصري باعتبار ان الاخطار التي تتهدد مصر لا بد لها من أن تمر من هذه المنطقة، لذلك فإن كل ما يجري في فلسطين هو شأن يهم الامن القومي المصري بالدرجة الاولى. وترى هذه العقيدة الأمنية أن كل ما يجري في فلسطين هو شأن مهم للأمن القومي. ويجب أن تبقى تحت عدسة مكبرة تنظر من خلالها عين مصر إلى أدق التفاصيل. هذا وإن كانت لا تراها أرضاً مصرية وإنما مجال حيوي، ولذلك من الممكن والمشروع عقد الصفقات مع القوى الإقليمية والدولية على حسابها، كما حصل في محادثات رودس واتفاقية الهدنة عام 1949، حين رأى الوفد المصري أن أي أرض غير مصرية هي أرض (إسرائيلية) حسب ما ذكر كامل الشريف، الأمر الذي كرّسه الضابط المسؤول عن غزة العقيد محمود رياض (وزير الخارجية المصري في عهد عبد الناصر ثم أمين عام جامعة الدول العربية لاحقاً) ذلك عندما عقد اتفاقية سرية أطلق عليها اسم اتفاقية التعايش مع الكولونيل (الإسرائيلي) جالمان كيت قضت بضم قرابة 200 كيلومتر مربع من أرض قطاع غزة لدولة الاحتلال لتنخفض مساحته إلى ما هي عليه اليوم.
لم تتخلَّ مصر عن هذه العقيدة في تاريخها وإنما كانت تمحورها بالشكل لا بالجوهر بين حين وآخر، إذ تمتد المنطقة المستهدفة إلى عكا حيناً وإلى شمال عكا حين آخر ولكنها لم تكن تتجاوز العريش ولا في مرة من المرات.
لكن مصر عبد الفتاح السيسي تحكمها اليوم عقدة الاخوان المسلمين خاصة، والإسلام السياسي عامة، ترى القيادة المصرية في الإخوان المسلمين القوة الوحيدة التي تشكل خطراً على النظام لا على الدولة او على الامن القومي. ولهذا تنعكس الهواجس على علاقات مصر مع غزة التي تحكمها حركة حماس التي تمثل امتداداً للإخوان المسلمين ولعلها الجناح الإخواني الوحيد الذي يملك سيطرة على أرض ويحكمها وهي حركة مقاومة بمواجهة (إسرائيل) التي ترتبط مع مصر بأول معاهدة سلام عربية (إسرائيلية).
تجد مصر نفسها مضطرة للتعامل مع هذا الجناح من الإسلام السياسي برغم شكوكها وهواجسها. فأي غياب لحركة حماس لن تملأه السلطة الفلسطينية في رام الله أو أي جهة معتدلة (والاعتدال هنا يعني الانصياع)، والبديل الوحيد المنظور هو الفوضى العارمة أو الإسلام السياسي المتشدد بنسخته الداعشية، وذلك أمر ليس في مصلحة مصر أو (إسرائيل) على حد سواء. في المقلب الآخر من الصورة تعاني غزة وحركة حماس من ديكتاتورية الجغرافيا التي جعلت من مصر الرئة الوحيدة التي من الممكن لحماس وغزة التقاط الأنفاس من خلالها. هكذا أصبحت العلاقة بين مصر وغزة علاقة التعايش والضرورة المحكومة بشكوك وانعدام الثقة وهو ما أثبتته كل معارك غزة مع “إسرائيل” حين كانت مصر تحتكر دور الوسيط غير النزيه قبل السابع من تشرين الأول الماضي، ولسان حال النظام في مصر أنه كان دائم الانتظار لحصول الاشتباك الكبير بين المقاومة في غزة والإسرائيليين التي ستتولى تصفية المقاومة وسحقها خلال فترة قصيرة تعود بعدها مصر لممارسة الوساطة وتقديم الوعود بإعادة الإعمار ورفع الحصار.
لكن حسابات بيدر المقاومة كانت متباينة بشدّة مع حسابات خصومها ما ظهر منهم وما بطن. فالحرب قد دخلت شهرها الثامن والإسرائيلي يتلعثم قولاً ويتعرقل فعلاً ولم يستطع تقديم حتى صورة كاذبة لنصر أو إنجاز، وجاءت معركة رفح لتزيد من الضغط القضائي والسياسي على دولة الاحتلال فيما كان احتلاله لمعبر رفح بمثابة نزع الورقة الفلسطينية – الغزية من يد مصر، وذلك بالترافق مع إنشاء الميناء العائم، الذي في حال اكتمل إنشاؤه، سيكون الرئة البديلة لمعبر رفح مما يمنح لإدارته الأميركية – الإسرائيلية القدرة على السيطرة الكاملة على غزة، فصاحب المصلحة والمشروع وهو هنا الأميركي يريد ممارسة العمل بنفسه دون الاعتماد على الوكيل وهو الدور الذي كانت تلعبه مصر التي سيتراجع دورها كوسيط بتسارع لصالح قطر الأمر الذي نشاهده عند متابعة تغطية قناة الجزيرة القطرية للحرب، والتي أصبحت توجه سهام النقد للسياسة المصرية وتتهمها بالتقصير تجاه ما يجري في رفح من معارك ومجازر.
فهل تستطيع قطر تقديم ما هو أفضل لـ (إسرائيل) والولايات المتحدة معتمدة على حسن ضيافتها لقيادات مقاومة؟
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى