أخيرة

دبوس

الجسد والرأس

لا بدّ للمستقرئ والباحث في الأمر العربي والإسلامي ان يخلص الى نتيجة مؤداها انّ هناك خللاً ما في الميكانيكية التي تحكم الحركة، اتجاهاً وزخماً، لهذه الكينونة، سواء أكانت العربية او الإسلامية، وأنّ هنالك حيثية غير طبيعية تطرح علامات استفهام وتعجب كبيرتين، هل الخلل يكمن في أننا ما زلنا نمارس نظاماً عشائرياً قبلياً، حيث يستحوذ كبير العائلة على كلّ مداخيل العائلة ثم يوزعها كيفما يشاء، من دون اعتراض من بقية أفراد العائلة؟
وهل تمتلك الشعوب حسّاً جمعيّاً ووعياً قطيعيّاً بأمنها القومي، وتستشعر الخطر الإجمالي الذي قد يهدّد مصالحها كمجتمع أو كشعب تجمعه المصالح المشتركة والمصير المشترك؟
هل انّ قراراتنا وخياراتنا هي في قبضة كبير العيلة، أو سيّدنا، أو طويل العمر؟ وليذهب الأمن القومي والأمن الغذائي واقتصاد البلاد الى الجحيم، هل الأزمة هي أزمة مقدرة صفرية على ممارسة القناعات؟ وإلا فكيف يدلي الشعب السعودي باستفتاء مفاده انّ 96% من الشعب السعودي يرفض الكيان الصهيوني، ولكنه لا يحرّك ساكناً لتأكيد هذه القناعة عملياً؟ وكيف يبدي كلّ من حضر الأولمبياد في قطر رفضه المطلق لهذا الكيان، بينما الممارسة هي نقيض ذلك؟
هل قناعاتنا في مكان، ولكن الممارسة في مكان آخر؟ وهل وجودنا الموضوعي هو في تناقض مطلق دائماً مع وجودنا الفيزيائي؟ فنقول شيئاً ونقتنع بشيء، ولكننا نمارس شيئاً آخر، ونحن منسجمون مع ذلك تماماً، أم أن الأمر ببساطة هو بسبب التناقض المطلق بين الجسد والرأس الموضوع قسراً على هذا الجسد، الأمر الطبيعي في حالة كهذه هو يكمن في نهجين، النهج الديموقراطي، او النهج العنفي، حتى يتسنّى خلق الانسجام والتناغم بين الأمة وخيارات هذه الأمة على إجمالها، وبين القيادة التي يجب ان تعبّر عن هذه الكينونة، ولكننا في مجمل هذه الأمة ببعديها العربي والإسلامي بإزاء خذلان وتقاعس من الشعوب لذاتها، فهي تعـــرف انّ النظام الذي يتسنّم الحكم هو نظام في قليلها متخاذل غير كفوء، وفي كثيرها نظام عميل مرتهن ينفّذ أجندةً خارجية لا تلاقي بأي حال مصلحتها، بل وتعمل في كثير من الأحيان ضد مصالح شعوبها، وضد أمنها القومي وضد حتى وجودها…
مرة أخرى ربما يتحمّل وزر الخلل عدم وجود، او عدم كفاءة القيادة المنبثقة والملتصقة بالشعب، والتي تستشعر آلامه وهواجسه وتطلعاته دون ان يكون لها القــدرة على التغيــير، ولكن لنا فــي كلّ الأحوال، وحينما يقرّر الشعب الإمساك بزمام أمره، وحينما تتوفــر القيادة الملهمــة لتحقيق ذلك، لنا في الثورة الخمينــية العظيمة المثل الملهم للتغيــير، لقد كان الكاسيت إذّاك انطلاقةً تكنولوجيةً حديثة، فقام الإمــام الخمــيني العظيم باستعمالها للتواصل مع الشعب الإيراني أنجع استعمال، كما أنه بعبقريته المذهلة أصدر التعليمات الى الشعب الثائر في الشوارع ان يحمل كلّ واحد منهم وردةً ويهديها الى ذلك الجندي المتــأهّب لإطلاق النار على الشعب بأوامر من الشاه وجنرالاته، أحدث هذا التكتــيك الذي كان يرمي الى إحداث منطقة تمفصل بين الجنود البسطاء المنتـمين في النهاية الى الشعب الإيراني، وبين الشاه وجنرالاته المنتفعين من الانضواء تحت قيادته وتنفيذ إرادته، لقد خلق الخميني العظيم حالة من التناقض في المصلحة conflict of interest بين الجنود في الجيش الإيراني، والذين يمثلون التيار العارم من هذا الجيش، وبين القيادات العليا وزبانية الشاه الظالم، مما أدّى الى تفكك الجيش وانهياره، اصطفّ الجنود البسطاء مع الشعب، واصطف الجنرالات ذوي الرتب العليا مع الشاه، ثم سقط الشاه…
سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى