العالم بين الحرب الشاملة وطوفان المحور/ الهيمنة الأميركية في مهب الريح
محمد صادق الحسيني
على الرغم من البعد الجغرافي، بين غرب آسيا وأوكرانيا، إلا أنّ الحرب الأطلسية ضدّ روسيا، انطلاقاً من الأراضي الأوكرانية، وضدّ الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، في فلسطين بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص، مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً جداً، ليس فقط بالنظر إلى طبيعتهما العدوانية، وإنما هما مترابطتان من خلال الهدف الاستراتيجي لهاتين الحربين، اللتين تقودهما الولايات المتحدة، سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً.
وذلك خدمةً لهدف الإدارة الأميركية، المتمثل في الحفاظ على الهيمنة الأميركية في القارة الأوروبية و»الشرق الأوسط» بشكل عام، وهدف الرئيس بايدن بشكل خاص، والمتمثل في محاولته مواصلة الحروب حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي يعتقد أنه سيفوز فيها بمنصب الرئاسة، إذا ما استطاع تحقيق انتصار أو شبه انتصار في اي منهما.
وهو بذلك لا يختلف كثيراً عن المخلب الرئيسي لحلف شمال الأطلسي في غرب آسيا، ايّ الكيان الصهيوني ورئيس وزرائه نتن ياهو، الذي يعمل على مواصلة الحرب العدوانية على الشعب الفلسطيني في كلّ أنحاء فلسطين، أملاً منه في النجاة من الملاحقات القانونية، داخل الكيان وعلى مستوى العالم، بسبب الجرائم التي يرتكبها جيشه، وبأوامر شخصية منه في كلّ أنحاء فلسطين.
إذن فنحن أمام احتمالات واقعية جداً لسيناريوات:
ـ حرب نووية شبه مؤكدة في أوروبا، انطلاقاً من/ او كنتيجة لتوسع الحرب الأطلسية ضدّ روسيا، من خلال زيادة تسليح أوكرانيا كمّاً ونوعاً، تمهيداً لمشاركة عسكرية، أميركية أوروبية، في الحرب على روسيا.
اذ انّ تدريب الولايات المتحدة وأذنابها الأوروبــيين، في حلف شــمال الأطلــسي، للطياريــن الأوكرانيــين علــى استــخدام الطائــرات الحربيــة الأميركية، من طراز F 16، القادرة على حــمل وإطــلاق الصواريخ النووية التكتيــكية الأميركية، من طراز B 61 M، يعني تأهيل النظام النازي، الحــاكم في كييف، لضرب الأراضي الروسية بالأســلحة النوويــة الأميركية، الموجودة في قواعد الجيــش الأمــيركي فــي عــدد من الدول الأوروبية، وهي القواعد التي لا تخضع للقوانيــن الأوروبيــة، ولا سيــطرة لحكومات تــلك الدول، لا على الأسلحة ولا على استخداماتها، الأمر الذي يعني أنها ستــكون موضوعة تحت تصرف الطيــارين الأوكرانيين، بعد أن تنــقل من الدول الأوروبــية، بريطانيا، المانيا، بلجيكا، هولندا وإيطاليا.
وهو ما يهدّد الأمن القومي الروسي بشكل مباشر وخطير ويجعل الانزلاق الى حرب نووية شاملة، بين الدول النووية الأميركية والأوروبية من جهة وبين الصين وروسيا، وربما الهند، من جهة أخرى. ويجعل من استراتيجية بايدن وبيته الأبيض، المتمثلة في تحقيق الهزيمة العسكرية الاستراتيجية لروسيا في الميدان، خطراً يهدّد البشرية جمعاء وليس القارة الأوروبية فقط.
خاصة أنّ تهديد الأمن القومي، في العقيدة العسكرية الروسية، يعني تهديد وحدة الاتحاد الروسي، وبالتالي تهديد وجود الدولة نفسها. ما يضطر القيادة الروسية الى التصرف، عسكرياً، بالطريقة التي تزيل المخاطر التي تعرّض الأمن القومي الروسي للخطر، وذلك من خلال توجيه ضربة نووية روسية استباقية، لدول العدوان الأوروبية، خاصة لندن وباريس وبرلين، وهو ما قد يقود الى اندلاع حرب عالمية ثالثة، تستخدم فيها الأسلحة النووية الاستراتيجية، التي ستتسبّب في فناء البشرية، على الأرجح اإنْ تمّ استخدامها.
وفي هذا الصدد، يقول الخبراء العسكريون الغربيون إنّ روسيا، على الأرجح، سوف تستخدم السلاح النووي التكتيكي، ضدّ دول أوروبية بعينها، قد تكون بولندا من بينها، بشكل استباقي بغرض منع العدو من استخدام السلاح النووي ضدّ روسيا، دون ان تدخل في حرب عالمية ثالثة مع الولايات المتحدة، بحيث سيتمّ على اثرها انعقاد مؤتمر دولي، شبيه بمؤتمر يالطا سنة 1945، بين روسيا والولايات المتحدة، ودون مشاركة ايّ من الدول الأوروبية المهزومة، هذه المرة، وذلك لوضع أسس جديدة للنظام الدولي الجديد، الذي سينبثق عن الحرب النووية، المحدودة، المُشار اليها أعلاه.
وهو الحال الذي ينطبق كذلك على الحرب العدوانية الإسرائيلية، التي يشنها العدو الصهيوني (نيابة عن أميركا والاطلسي)، على الشعب الفلسطيني عموماً وعلى قطاع غزة خصوصاً، منذ ثمانية أشهر، بهدف تصفية المقاومة الفلسطينية، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية، وتحقيق «النصر المطلق» الذي يتحدث عنه نتن ياهو. وهو بالمناسبة التعبير نفسه الذي كان يستخدمه ادولف هتلر ووزير دعايته، يوسف غوبلز، ابان الحرب العالمية الثانية، واسمه بالالمانية : توتال سيغ/Total Sieg /، المرادف لتعبير: الحرب الشاملة، الذي كان يستخدمه الثنائي هتلر / غوبلز / Total Krieg / والذي يستخدمه نتن ياهو حالياً.
وتماماً كما في حالة العدوان العسكري الأطلسي على روسيا، فإنّ العدوان الصهيوني الأميركي الأطلسي، في منطقة غرب آسيا، الذي هو عدوان عسكري مكتمل الأوصاف على كلّ مكونات محور المقاومة ايضاً، من إيران الى العراق فاليمن فسورية وصولاً الى كلّ فلسطين، يشكل تهديداً مباشراً وخطيراً، ليس فقط على الدول العربية والاسلامية في المنطقة، وانما على السلام والأمن الدوليين.
وهذا بالذات ما يحتم على محور المقاومة، الممسك الآن بالمبادرة الاستراتيجية في كل محاور القتال، وفي كل مكونات المحور، وعلى كامل مساحة مسارح العمليات، أن يقوم قريباً بتنفيذ عملية عسكرية «قيصرية»، حتى وانْ كان طابعها تكتيكياً لكن هدفها سيكون من أجل وضع حدّ لقدرات العدو الهجومية استراتيجياً.
ولأن النظرة الموضوعية، لسير العمليات العسكرية على كافة الجبهات، تخلق انطباعاً لأيّ مراقب بأن الوضع العسكري بات يراوح مكانه، بالنسبة لطرفي المواجهة العسكرية الشاملة الجارية منذ ثمانية أشهر بيننا وبين العدو، وهو أمر لا يعكس حقيقة الوضع الراهن، ذلك لأنّ المقاومة هي الممسكة عملياً، وبقوة، بزمام المبادرة الاستراتيجية، كما التكتيكية، خاصة بعد التحوّل الاستراتيجي الهائل، الذي حققته اليمن، منذ دخولها المعركة ضدّ العدوان الصهيو – أميركي، ضد حلف المقاومة بشكل عام وضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بشكل خاص.
فالقوات المسلحة اليمنية باتت تسيطر، صاروخياً وبالطيران المُسيّر، حالياً على مسرح عملياتٍ، بري وبحري، تزيد مساحته على تسعة ملايين كيلومتر مربع، ويمتدّ من غرب الهند حتى مضيق جبل طارق، وما يعنيه ذلك من ربط استراتيجي، للقدرات العسكرية اليمنية والجزائريّة (حيث يشكل تحالفهما العملي ثقلاً أكبر من مجموع قدرات دول الأطلسي: فرنسا وإيطاليا وإسبانيا إذا استثنينا السلاح النووي الفرنسي)، خاصة في ما يتعلق بالصراع الدولي العام، وما لذلك من أهمية بالنسبة لروسيا والصين، الدولتين اللتين لا زالت أيديهما ترتجف أمام قرار الانخراط في تقديم الدعم الشامل واللامحدود، لقوى حلف المقاومة في المنطقة، التي تقاتل، عملياً، العدو الأطلسي نفسه، الذي يسعى على الجانب الآخر من الخريطة الى إلحاق الهزيمة الاستراتيجية العسكرية بروسيا والذي لا ينفكّ عن زعزعة الأمن والاستقرار، في جنوب شرق آسيا، وخلق التحالفات المعادية للصين، بدءاً بغرب المحيط الهادئ (استراليا والقواعد الأميركية فيها وفي جزيرة غوام وغيرها) وصولاً إلى مضيق مالاقا وما بعده.
هذا إلى جانب السياسة الأطلسية العدوانية، ضد روسيا، على طول حدودها الشمالية الغربية (فنلندا ودول البلطيق، مروراً بجمهورية بولندا وأوكرانيا، وصولاً إلى رومانيا والبحر الأسود، حيث تستمر عمليات محاولة ضرب الوجود البحري الروسي، خاصة عبر بريطانيا، الى جانب جيش المُسيّرات (حرفياً جيش مُسيّرات) الأطلسية، الذي يقوي قوى الحلف الأطلسي في جميع الدول المذكوره أعلاه، الذي، يستعدّ لتوجيه ضربة عسكرية أطلسية كبرى، لروسيا قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية، لعلّ ذلك يساعد بايدن في الاحتفاظ بالمنصب الرئاسي الأميركي.
كلّ ما سبق من مخططات هي ليست سوى أحلام الأطلسيين، التي لن تجد طريقها إلى الواقع الميداني لا في أوكرانيا ولا في فلسطين، وذلك بسبب الاستعدادات الكبرى التي تجري على قدم وساق في كلّ من روسيا والمحور لكسر هذا الاستعصاء الميداني بشكل انفجاريّ غير مسبوق ما قد يشكل نقلة نوعية في إحدى الساحتين تجعل خطط الأطلسي مجرد أضغاث أحلام.
ثمّة من يؤكد أنّ طوفاناً قوياً ينتظر العالم سيبادر اليه محور المقاومة في لحظة نضوج حالة التآكل والتفسخ التي تعاني منها قوات العدو الصهيوني بسبب حرب النقاط الاستنزافية الممنهجة، ما سيجعل كل خطط الأطلسي في مهبّ الريح،
وحينها سيصدق المثل الشعبي الشهير:
لا يصلح العطار ما أفسده الدهر.
وعندها فعلاً سيشهد العالم انتهاء عصر الهيمنة الأميركية مرة وإلى الأبد وإلى غير رجعة.
بعدنا طيّبين قولوا الله…