مقالات وآراء

ما السر في نجاح الدبلوماسية الإيرانية؟

‬ محمود الهاشمي

شكلت الدبلوماسية الإيرانية خلال حكومة السيد الشهيد ابراهيم رئيسي عمقاً استراتيجياً لإيران بالمنطقة والعالم، حيث وبعد تعثر المفاوضات مع الغرب بالملف النووي وانسحاب أميركا من الاتفاق النووي مع إيران في عهد الرئيس الأميركي ترامب عام 2018 وإصدار عشرات العقوبات الأميركية بحق إيران. وجدت إيران نفسها في حال من الضغوطات الداخلية والخارجية، وان عليها ان تؤسّس الى مرحلة جديدة بالانفتاح على آسيا وروسيا ودول الجوار بدلاً من انتظار وهم الغرب وتعليق الآمال على اتفاقيات غير مضمونة التطبيق .
خلال اللقاء الذي جمعنا بوزير خارحية إيران الشهيد الدكتور حسين امير عبداللهيان في طهران، مجموعة من المحللين السياسيين العراقيين بمقر وزارة الخارجية، أكد ـ رحمه الله ـ على انّ إيران ستنفتح على آسيا بدلاً من الغرب، وفعلاً باشرت حكومة السيد رئيسي (رحمه الله) بالانفتاح على آسيا، فكانت الاتفاقية الإيرانية ـ الصينية، والتوقيع رسمياً على خطة التعاون المشتركة بين إيران والصين لمدة 25 عاماً، والتي تسمّى وثيقة التعاون الإيرانية الصينية، في مارس (آذار) 2021 من قبل وزيري خارجية البلدين.
وكذلك اتفاقية التعاون الشامل لمدة 20 عاماً بين إيران وروسيا ومع باكستان حيث تمّ توقيع وثائق التعاون بين وفدي إيران وباكستان بحضور السيد إبراهيم رئيسي، وشهباز شريف رئيس وزراء باكستان، فيما كان للصين دور في العلاقة بين السعودية وإيران واتسعت العلاقة بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي ومع دول الجوار مثل العراق وأرمينيا ودول آسيا الوسطى وأفغانستان والهند فيما اعتمدت إيران منهج (المصالح الاقتصادية المشتركة) فالتجارة مع أفغانستان حيث انّ أكثر من ثلث الواردات الأفغانية تأتي من إيران (أفغانستان دولة حبيسة) لذلك تمّ حلّ مشكلة النهر المشترك مع أفغانستان (نهر هلمند) أيضا وحصول إيران على حصتها المتفق عليها ضمن الاتفاقية القديمة عام 1973.
علاقة إيران مع الهند أخذت بعداً اقتصادياً والمصلحة المشتركة بين البلدين رغم موقف الرئيس الهندي (مودي) بالعداء للإسلام، وانزعاج إيران من سلوكه هذا، حيث يمثل ميناء (تشابهار) على المحيط الهندي جسر العلاقة بين البلدين، والأكبر من نوعه في إيران والوحيد بين نظرائه حيث يقع على مياه المحيط الهندي، ويزداد أهمية كونه جزءاً من الممر الدولي بين الشمال والجنوب ويشكل بوابة بوجه دول شرق آسيا عبر إيران نحو آسيا الوسطى والقوقاز وشرق أوروبا. وقد أبدت الولايات المتحدة انزعاجها من الهند بتوقيعها الاتفاقية بين البلدين .
شهدت العلاقة بين إيران وجارتها أذربيجان أزمات كبيرة الى الحدّ الذي ارتفع فيه منسوب الخلاف الى ان يؤدي الى حرب بين الجارين (المسلمين الشيعيّين) بسبب النفوذ الاسرائيلي الكبير داخل أذربيجان،
وفعلاً أرسلت إيران قواتها الى حدود أذربيجان بسبب توقع بإغلاق معبر صغير لنقل الشاحنات يؤدي الى أرمينيا (معبر زنغزور) الذي يلعب دوراً حاسماً في زيادة الاتصال الإقليمي، ويتسع تأثيره بحيث يربط أوروبا بآسيا، ويساهم في توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول، كما يعزز مكانة جنوب القوقاز في نظام العلاقات الاقتصادية الدولية.
فيما عملت حكومة السيد رئيسي الى فتح خمسة معابر مع أذربيجان ووجدت في سد (قيز قلعه سي) للسيطرة على الفيضانات، وتوفير مياه الشرب والزراعة والبيئة، بالإضافة إلى استغلال القدرات المشتركة للجانبين لتطوير التعاون، والذي حضر افتتاحه الرئيسان الإيراني والاذري وأعقبه حادث استشهاد الرئيس رئيسي والوزير عبداللهيان يان والثلة من رفاقهم.
كما وقع رئيسا إندونيسيا وإيران اتفاقية تجارة تفضيلية للمساعدة في توسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وذلك خلال زيارة رسمية للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الى اندونيسيا (رغم انزعاج أميركا) مثلما وسعت إيران علاقتها مع دولة سيريلانكا خلال زيارة وزير خارجية سيريلانكا الى طهران ولقائه الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ورغبة بلاده تعزيز التعاون مع إيران في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والطبية..
على الرغم من الدبلوماسية النشطة التي تميّز بها وزير خارجية إيران السابق (محمد جواد ظريف) وابتسامته التي لفتت نظر الكثير من المتابعين للملف الإيراني الا انّ (الشهيد) عبد اللهيان فاق زملاءه الآخرين من خريجي الجامعات الغربية وهو الذي حصل على شهادته (الدكتوراه) من الجامعات الإيرانية، فقد تميّز بقوة الإرادة والحزم ودقة اختيار العبارات في التعبير عن وجهة نظر بلاده، فيما اكتسب احترام الأوساط الدبلوماسية والعامة، وقد نجح فعلاً في إدارة ملف معركة (طوفان الأقصى) بمهارة عالية، ولم تؤثر على نشاطه الدبلوماسي علاقاته مع قادة المقاومة والاجتماع بهم بين الفينة والأخرى، كما عبّر عن موقف بلاده الواضح في دعم المقاومة ونصرة الشعب الفلسطيني .
بقي السؤال: هل سيؤثر غياب (قادة الدبلوماسية) السيد رئيسي والسيد عبد اللهيان على مستقبل العلاقات الإيرانية مع دول العالم؟
لا يمكن لنا القول بانه ليس للشخصــيتين من تأثيــر على مسيرة الدبلوماســية الإيرانية، فهما تربيا وكبرا في حجر الثورة الإسلامية واغترفا من فيضها وواكبا مراحل تطــورها وأزماتــها ونجــاحاتها، ولُقــب عبد اللهيان بـ (سليماني الدبلوماســية الإيرانية) لكن الثورة الاسلامية (ولّادة) فقــد تعرّضت علــى مــدى الســنوات الـ 45 الماضــية لأزمات واغتــيالات لقادتــها فخرجت معافاة واكثر رشداً وفاعلية.
انّ واحدة من تجليات نجاح الدبلوماسية الإيرانية بعد استشهاد رئيسي وعبد اللهيان هو الحضور العربي والعالمي للمشاركة في تشييع الشهداء، حيث حضر قادة وملوك وأمراء ورؤساء دول وحكومات خاصة دول شمال أفريقيا العربية بالاضافة الى روسيا والصين ودول شرق آسيا، ولم تغب سوى أميركا ودول الغرب، فيما تعهّد الذين استلموا المناصب وكالة بعد الشهداء انهم سيسيرون على نفس المنهج في العلاقات مع دول الجوار والعالم، وليس غريباً ان يقول ملك البحرين في زيارته الأخيرة الى روسيا (لا يوجد ما يمنع العلاقة مع طهران).
كذلك وزير خارجية مصر سامح شكري الذي أشار خلال وجوده في طهران للمشاركة في التشييع، إلى «العلاقات الطيبة والصادقــة التي كانــت بيــنه وبين الوزير الراحل حسين أمير عبد اللهيان»، مؤكداً «مواصلة المفاوضات المكــثفة من أجل تعزيــز وتطويــر العلاقات على أسس ومبادئ ثابتة ومستقرة».
ونختم بما أكده اليوم سماحة السيد حسن نصر الله: إيران دولة مؤسسات وقانون ويوجد على رأسها قائد حكيم يدير هذه الدولة وإرادة شعبية وثقة شعبية عالية جداً.
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقد أعرب عن ثقته في أن طهران ستواصل مسارها الحالي في السياسة الخارجية بعد رحيل رئيس البلاد إبراهيم رئيسي مشيراً الى أنّ أسس الدولة الإيرانية مستقرة وقوية.
وأن طهران ستواصل مسارها الحالي في السياسة الخارجية ولن تواجه أي تغييرات في السياسة الخارجية للقيادة الإيرانية، مؤكداً انّ الخارجية الإيرانية هي شأن سيادي لهذا البلد وإيران قوة إقليمية كبرى وتلعب دوراً بارزاً في الشؤون العالمية».
وما لفت اليه أحد كبار المفكرين انّ سر الدبلوماسية الإيرانية صدقها في التعامل مع الآخرين، وثبات مواقفها ولم يُعرف عنها انها خذلت أصدقاءها يوماً…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى