قرار محكمة العدل الدولية بين ضرورة التنفيذ وإمكانية التعطيل
المحامي سلمان أحمد بركات
بناءً على طلب دولة جنوب أفريقيا ضمن الدعوى الشاملة التي قدمتها أمام محكمة العدل الدولية، بموضوع ارتكاب «إسرائيل» جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، أصدرت المحكمة يوم الجمعة في 24 أيار 2024 قراراً يلزم «إسرائيل» بوقف العملية العسكرية في رفح جنوب قطاع غزة فوراً، ووقف العمليات العسكرية أو أية أعمال أخرى في رفح لأنها» تزيد من سوء ظروف العيش للفلسطينيين».
كما أكد القرار على ضرورة المحافظة على فتح معبر رفح لتمكين دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وطلب القرار من «إسرائيل» إتخاذ الإجراءات الملموسة لضمان وصول أية لجنة تحقيق أو تقصي حقائق من الأمم المتحدة للتحقيق في الإبادة الجماعية الموجهة إليها. وتضمّن القرار أيضاً مطالبة «إسرائيل» بتقديم تقرير للمحكمة حول الإجراءات التنفيذية للقرار خلال شهر من موعد صدوره.
يتضح من نص القرار وفقاً لما أكده رئيس المحكمة أثناء تلاوته، أنه يتكون من ثلاثة نقاط، هي:
ـ وقف «إسرائيل» عملياتها العسكرية في رفح.
ـ وجوب حفاظها على فتح معبر رفح لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
ـ تقديم «إسرائيل» تقرير للمحكمة خلال شهر من تاريخ صدور القرار عن التي الخطوات ستتخذها.
بعد صدور القرار المذكور رحبت به دول ومنظمات، ومؤسسات دولية عديدة، وتحفظ بعضها على بعض مضمونه. في المقابل هاجمت «إسرائيل» المحكمة وقرارها، وزادت من هجماتها العسكرية التدميرية على محافظة رفح في تحدّ سافر منها للمحكمة. وجارَتها في ذلك الولايات المتحدة الأميركية.
تساءل كثيرون عن أهمية القرار، وعن إمكانية تنفيذه، وقدرة المحكمة على ذلك.
في إمكانية تنفيذ القرار:
في ذات اليوم الذي صدر فيه القرار، صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنّ «قرار محكمة العدل ملزم بموجب ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي للمحكمة». وأضاف انه سيحيل قرارات العدل الدولية بشأن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى مجلس الأمن الدولي.
من المعلوم أنّ محكمة العدل الدولية لا يوجد لديها جهاز تنفيذي لقراراتها، كشرطة دولية، أو خلاف ذلك. فكيف يمكن تنفيذ قراراتها؟
لم يتضمّن النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ما يشير إلى تنفيذ قراراتها. لكن أوضح ذلك ميثاق الأمم المتحدة في الفصل الذي تناول فيه المحكمة. فتنص المادة 92 / من الميثاق المذكور على أنّ «محكمة العدل الدولية هي الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، وتقوم بعملها وفق نظامها الأساسي الملحق بهذا الميثاق».
وتضيف المادة 94 / من الميثاق أنه «يتعهّد كلّ عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفاً فيها».
إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا المجلس، إذا رأى ضرورة لذلك أن يقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم».
يتبيّن مما تقدّم، أنّ تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية يتمّ إما طوعاً من قبل الدولة التي طالها القرار، سنداً لنص الفقرة الأولى من المادة 94/ السالفة الذكر، التي توجب على كلّ عضو في الأمم المتحدة النزول على حكم المحكمة في أية قضية يكون طرفاً فيها وتنفيذه. وإما جبراً في حال تمنّعت الدولة عن ذلك، سنداً لنص الفقرة الثانية من المادة 49/ المذكورة، التي تجيز اللجوء إلى مجلس الأمن في حال امتناع الدولة عن التنفيذ. لكن مجلس الأمن ليس ملزماً حمكاً وبشكل فوري باتخاذ توصية أو قرار لتنفيذ الحكم.لأن نص المادة 94/ فقرة (2) تضمن عبارة « إذا رأى (المجلس) ضرورة لذلك».
وهذا يعني أنّ الأمر مرهون بمداولات ومناقشات مجلس الأمن، وما إذا رأى من ضرورة لاتخاذ توصية أو قرار للتنفيذ، أو لم ير ضرورة لذلك.
في ما خص القرار المتعلق برفح، نعتقد أنّ مجلس الأمن سوف يصطدم بالموقف الأميركي الذي يمتلك الكثير من الوسائل لعرقلة أية توصية أو قرار للتنفيذ. ومن هذه الوسائل حق النقض، وغيرها من وسائل الضغط والتأثير على بعض الدول الأعضاء في المجلس.
إضافة إلى ذلك، تضمّن قرار محكمة العدل الدولية موضوع البحث منح «إسرائيل» مهلة شهر لتقديم تقرير عن الخطوات التي سوف تتخذها للالتزام. وهذا برأينا يعني أنه لا يمكن اللجوء إلى التنفيذ الجبري عبر مجلس الأمن قبل انصرام المهلة المذكورة. ما يعني أن لا قيمة قانونية أو عملية لصيغة «الوقف الفوري» للأعمال العسكرية الإسرائيلية في رفح.
في مطلق الأحوال، وتجاوزا ً لإمكانية تنفيذ القرار المبحوث، يسجل له ما يلي:
ـ أكد القرار انتهاك «إسرائيل» لكافة القوانين والمواثيق الدولية، لا سيما ما يتعلق بجرائم الحرب، والإبادة الجماعية.
ــ كسر مظلة حماية الكيان الصهيوني، وعدم الادّعاء عليه، وإفلاته من العقاب.
ــ فاقم القرار من حملة التنديد الشعبي والرسمي بالكيان الصهيوني، وبما يرتكبه من مجازر وتدمير بحق غزة وأهلها. أكد أنه كيان مارق، لا يحترم المواثيق ولا العدالة الدولية.
ــ سوف يعقد القرار علاقات الكيان الصهيوني الدبلوماسية، إذ قد تلجأ العديد من الدول إلى قطع علاقاتها به، أو تتحاشاها، كي لا تتهم بأنها تتعامل مع دولة خارجة على الشرعية الدولية، ومدانة من أعلى محكمة دولية.
خلاصة القول،
أمام الرغبة في تنفيذ القرار وإمكانية تعطيله. وأمام هذا العالم الذي تتحكم فيه وبمؤسساته الدولية، القوة، والسيطرة، وإلى حين حلول العدالة الدولية، تبقى إرادة الشعوب الحرة، وتبقى محكمتها الشعبية، وقراراتها، هي الأجدى.