العدالة الاجتماعية والسعي لموازنة ضريبة عادلة تُنصف الفقراء
عباس قبيسي
إنّ المبادئ الأساسية للضرائب والرسوم تقوم على عدالة الضريبة بشكل تتناسب قيمتها المدفوعه مع إجمالي الدخل الذي يتقاضاه المكلف، والضريبة بحسب تعريفها الشائع هي دفعة إلزامية يتعيّن على الأفراد والشركات تسديدها للدولة على أن يتمّ استخدامها لتمويل الخدمات الصحية والاجتماعية وتطوير البنية التحتية والمدارس والطرقات ولتمويل انشطة الدولة في المجالات الأمنية ويعتبر المكلف حسب القوانين ملزماً بدفع الضريبة من دون ان يتوجب تعويضه عن هذا الاقتطاع.
تتكوّن السياسة الضريبية من عدة عناصر أساسية أهمّها الفئة المكلفة، الضرائب على السلع والخدمات الخاضعة للضريبة، الجمرك وهي تعبّر عن التوجه العام للحكومة في كلّ ما يتعلق بواردات الدولة المالية. وتقوم المبادئ الأساسية للضريبة على عدالتها وان تكون واضحة من حيث قيمتها وآلية وتاريخ دفعها وفعاليتها بحيث تكون كلفة جبايتها في حدودها الدنيا بما يوفر العائد المالي بالإضافة الى الملاءمة ويجب تحصيلها في توقيت ملائم يتناسب مع ظروف المكلف.
وهناك نوعان من الضرائب، ضرائب مباشرة وهي التي تستهدف أصحاب المداخيل المباشرة للأفراد والمؤسسات وهي عبارة عن القيام بأعمال منتجة للعائدات المالية وبالتالي يحدّد قيمة الضريبة بشكل نسبي تصاعدي يحدّد حجم الدخل للأفراد وإجمالي صافي أرباح الشركات، وهناك الضريبة الغير مباشرة والتي تعرف بالضريبة على الاستهلاك مثل الضريبة على القيمة المضافة tva… المحروقات، رسوم الكهرباء، الهاتف والجمارك ورسوم الميكانيك… وهي تشكل تحدياً رئيسياً لذوي الدخل المحدود حيث أنها لا تميّز بين مختلف فئات المستهلكين، ويعتبر لبنان بلداً غير متكافئ بسبب عدم تكافؤ النظام الضريبي، وأظهرت العديد من الدراسات البحثية بأنّ الدخل بات يتركّز بدرجة كبيرة في يد فئة قليلة من المواطنين.
هل هناك حلول للاقتصاد المتعثر لوضعه على سكة الإصلاح؟
أعلن وزير الماليّة في حكومة تصريف الأعمال في تصريح سابق أنّ «الوزارة ملتزمة تقديم موازنة 2025 في موعدها الدّستوري» ولا ينبغي لموازنة 2025 أن تُحمِّل أيّ أعباء إضافيّة للفقراء وذوي الدخل المحدود تفوق قدرتهم التمويلية بإعداد مشروع قانون موازنة واقعي لا يطارد المال السراب على أن يتضمّن سلة ضرائب لا تطال ذوي الدخل المحدود والفئات الفقيرة وصغار الكسبة ومنها على سبيل المثال لا الحصر فرض رسوم على الودائع المصرفية وتستهدف رؤوس الأموال المتوسطة والكبيرة التي يملكها أفراد او مؤسسات وفرض ضريبة على أرباح الشركات عبر اقتطاع مباشر من إجمالي صافي الأرباح وفرض ضريبة على الريوع ويجب تعميم هذا النوع من الضرائب لما فيها من انعكاس إيجابي في تخفيز الاستثمارات والتوجه نحو قطاعات إنتاجية خالقة لفرص العمل، بالإضافة الى زيادة الضريبة على رسوم الانتقال والميراث وحصر الإرث حيث يعدّ لبنان استثناءً في المنطقة من حيث العمل بضريبة التركات ورسوم الانتقال، والضرائب التي لا تُحصّل بطريقة فعّالة، مع إعادة إجراء مراجعة شاملة على قانون رسوم الانتقال (للإرث)، وذلك لمعالجة الثغرات الهائلة التي تسمح للأفراد، عبر آليات مختلفة بالتحايل والتهرّب ودفع معدلات منخفضة، ومعرفة كيفية التحقق والتدقيق من حصول الأرباح لدى الشركات والمؤسسات التجارية لأنّ أغلبها تخفي أرباحها عبر التحايل على القوانين وبالتالي تخسر خزينة الدولة المزيد من الموارد المالية، لذلك يجب تفعيل أجهزة الدولة الرقابية ومعالجة بعض الثغرات في النظام الضريبي وتحديث الأساليب التقليدية المعتمدة في الإدارة الضريبية والروتين الإداري والحدّ من اتساع الاقتصاد السري (الأسود)، وفرض ضرائب وازنة على من يشغل الأملاك البحرية والنهرية والأملاك العامة.
ختاماً، ان السعي لنظام ضريبي عادل يكون على قاعدة التكليف التصاعدي وان لجوء الدولة الدائم لزيادة وارداتها بطريقة سهلة وهي بزيادة الضرائب غير المباشرة، تعتبر الطريقة الأسوأ على الإطلاق والأكثر ضرراً وفتكاً بالمواطنين والأقلّ منفعةً بحق معظم اللبنانيين، لانها لا تترافق مع رفع مستوى التقديمات الصحية والتعليمية وخدمات الحماية الاجتماعية من جانب الدولة، وبالتالي ان استقامة الاوضاع الاقتصادية في لبنان تؤثر بشكل مباشر على العدالة الاجتماعية (وهي العدالة من حيث توزيع الثروة، والفرص، والامتيازات داخل المجتمع)، والسعي لتوفير المناخ المناسب للتنمية والنمو وجذب الاستثمارات الخارجية والقيام بإجراءات وتدابير حازمة من أجل ضبط وتقليص الفساد إلى الحدّ الأدنى، ومكافحة التهرّب الضريبي (المقدّر سنوياً حسب الدراسات بحوالي 4 مليارات دولار)، والتهرّب الجمركي، ورفع معدل الجباية المتدنّي للأموال العامة في بعض الإدارات وفتح أبواب النافعة والدوائر العقارية لتسجيل الآليات ودفع رسوم الميكانيك ونقل الملكية واستيفاء جميع رسوم الطابع المالي من ضمن الرسوم المفروضة على أيّ معاملة واستقطاب المصارف التجارية العملة الصعبة من الداخل والخارج لتسليف القطاع الخاص، ومن هنا يحصل النموّ ويؤمّن موارد مالية إضافية للاقتصاد اللبناني وبالتالي يدعم خزينة الدولة والناتج المحلي الإجمالي.