مقالات وآراء

إيران والولايات المتحدة مفاوضات… وسياسات واضحة

‬ د. حسن مرهج*

حقيقة الأمر فقد أثار إعلان وفاة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته الدكتور حسين أمير عبد اللهيان، جراء تحطم مروحية شمال شرق البلاد، تساؤلات بشأن تداعيات الحادث وتأثيره على السياسة الخارجية لطهران دولياً وإقليمياً، في خضمّ الملفات المعقدة والمتشابكة التي تنخرط فيها، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، ومحورها في الشرق الأوسط، وصراعها مع القوى الدولية كالولايات المتحدة والغرب، إذ يبدو واضحاً أنّ مسار التفاوض الإيراني ـ الأميركي غير المباشر، وإنْ اعتمد سياسات واضحة، إلا أنّ هذا المسار تحدّده مصالح إيران الإستراتيجية التي لا يمكن التفاوض عليها، وتحديداً في ما يتعلق بالملف النووي أولاً، ونفوذها الإقليمي ثانياً.
واقع الحال يؤكد بأنّ وفاة رئيسي وعبد اللهيان لن يكون لها تأثير كبير على ملفات إيران الدولية والإقليمية، باعتبار أنّ الصوت الحاسم في مسائل الأمن القومي يكمن في المرشد الإيراني، وقيادات الحرس الثوري، خاصة أنّ القادة الإيرانيين يدركون جيداً أنّ الولايات المتحدة لطالما تناور وتحاول التملّص من التزاماتها، وهذا هو حالها مع حلفائها، فما بالكم بدولة إقليمية قوية كـ إيران.
ربطاً بذلك ومن زاوية الواقعية السياسية، فقد يفترض البعض أنّ مقام الرئاسة في إيران قد يفرض قيوداً على السياسات الخارجية، إلا أنّ ذلك لا يتسق وجوهر السياسة الإيرانية حيال التفاوض الغير مباشر مع الولايات المتحدة مثلاً، فهذا الأمر وإنْ كان طابعه سيادياً، إلا أنّ جميع القادة الإيرانيين سواء كانوا إصلاحيين أم محافظين، لديهم ذات المسار التفاوضي السياسي الدبلوماسي، مُسلحين بقوة القيادة والشعب، ولكن رغم ذلك قد نشاهد تحوّلات في السياسة الإيرانية على الصعيد الخارجي ضمن معطيات واضحة، لكن دون تأثير على القرارات السيادية الإيرانية.
في أعقاب الإعلان الرسمي عن وفاة رئيسي وعبداللهيان، تولّى نائب الرئيس محمد مخبر مهام الرئاسة مؤقتاً بموجب الدستور الإيراني، وبموافقة المرشد الأعلى، ريثما يتمّ انتخاب خلف للسيد رئيسي، كما تمّ تعيين علي باقري كني قائماً بأعمال وزارة للخارجية في الحكومة الإيرانية خلفاً لـعبد اللهيان. هذه التعديلات السريعة، تؤكد أنّ هناك شيئاً واحداً واضحاً؛ فخلال الأسابيع القليلة المقبلة، ستظلّ إيران ترُكز اهتمامها داخلياً حيث تختار رئيسها التاسع، وهنا مكمن القوة الإيرانية، والتي تتجلّى بوضوح في الصوت الحاسم في مسائل الأمن القومي.
وبصرف النظر عن المستجدات في المشهد الداخلي في إيران، والذي يمكن ترتيبه عن طريق المؤسسات الإيرانية كـ مؤسسة المرشد والحرس الثوري ومجلس صيانة الدستور، فهذه المؤسسات الثلاث قادرة على إدارة المشهد الداخلي في إيران وفق منظور استراتيجي، لكن لا بدّ من القول بأنّ تاريخ العلاقات بين إيران والولايات المتحدة قديم ومعقد، حيث شهدت تبادلاً للتوترات والصراعات على مدى عقود عديدة، إذ أنه ومنذ الثورة الإيرانية في عام 1979، توترت العلاقات بين البلدين بشكل كبير، خاصة بعد أن أُسقطت الحكومة الشاهية وأُنشئت جمهورية إسلامية في إيران.
منذ ذلك الحين، شهدت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة فترات من التوتر المتزايد والمتصاعد، مع تبادل للتهديدات والعقوبات الاقتصادية. ومع ذلك، تمكن البلدان في بعض الأحيان من التوصل إلى اتفاقيات ومفاوضات لحلّ بعض القضايا الخلافية بينهما، وأحد أبرز الاتفاقيات التي تمّ التوصل إليها بين إيران والولايات المتحدة كان الاتفاق النووي عام 2015، الذي تمّ التوصل إليه بعد سنوات من المفاوضات الشاقة. وقد أسهم هذا الاتفاق في تخفيف التوترات بين البلدين وفتح الباب أمام تعزيز التعاون في مجالات مختلفة.
ومع ذلك، تغيّرت الديناميكية بين إيران والولايات المتحدة مرة أخرى بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران. هذه الخطوة أدّت إلى تصاعد التوترات بين البلدين وزيادة حجم التهديدات المتبادلة. في ظلّ هذه التطورات.
تبقى العلاقات بين إيران والولايات المتحدة تحدياً كبيراً للبلدين، حيث يبقى الحوار والمفاوضات هما السبيل الأمثل لحلّ الخلافات بينهما، خاصة أنّ إيران والولايات المتحدة تمثلان قوتين هامتين.
ختاماً، إيران في عهد رئيسي وما بعده، فإنّ لديها قواعد استراتيجية لا يمكن تخطيها. هي قواعد أذهلت الولايات المتحدة، وأذهلت المجتمع الدولي جراء صمود السياسات الإيرانية في وجه العقوبات الأميركية والغربية، ولا ضير من القول بأنّ المرشد الإيراني هو من يرسم السياسة الداخلية والخارجية وكيفية تنسيق العلاقات مع الدول الأجنبية، وبالتالي لا رهان على تراجع إيران سواء على المستوى الداخلي، أو حتى على المستوى الخارجي لجهة المفاوضات مع واشنطن والغرب عموماً، وحتى على مستوى العلاقات مع جيرانها الاقليميين، وما يحدث في إيران اليوم هو ترتيب البيت الداخلي ليكون قوياً في مواجهة أيّ تهديد خارجي.

*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى