ماذا عن مبادرة بايدن؟
ناصر قنديل
ثلاث قضايا يثيرها المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس الأميركي جو بايدن حول الوضع في المنطقة ومستقبل الحرب في غزة والمفاوضات على التوصل إلى اتفاق ينهيها. القضية الأولى هي معرفة صاحب المقترحات التي نسبها بايدن لكيان الاحتلال، بينما خصص أجزاء أساسية من مؤتمره الصحافي لمناشدة قادة الكيان لدعم المبادرة واعتبارها فرصة لتفادي الغرق في حرب لن تنتهي، مهاجماً الذين يريدون مواصلة الحرب ويتحدثون عن النصر الكامل. والقضية الثانية هي معرفة الفوارق بين بنود ما أعلنه بايدن كإطار للاتفاق وبين العرض الذي سبق لحركة حماس أن أبلغت الوسطاء موافقتها عليه ورفضته لاحقاً حكومة بنيامين نتنياهو. القضية الثالثة هي تعامل المقاومة مع هذه المقترحات وما تضمنتها من تعهدات أميركية.
في القضية الأولى يبدو واضحاً من طريقة حديث بايدن أن المقترحات لا تحظى بقبول واضح وصريح من بنيامين نتنياهو، وإلا لما كان بايدن توجّه الى القيادات الإسرائيلية لدعم المقترحات وعدم إضاعة الفرصة. وقد جاءت التعليقات الصادرة من الكيان بما في ذلك ما صدر عن مكتب نتنياهو نفسه، رغم عدم إشارته إلى كلام بايدن، تأكيداً على رفض نتنياهو لكلام بايدن ومبادرته، عبر تأكيد نتنياهو أنه متمسك بأهداف الحرب حتى القضاء على حركة حماس. ثم جاء ما نقلته وسائل إعلام الكيان عن مسؤول كبير يكون هو نتنياهو عادة، متهماً بايدن بالجهل بالواقع وبالضعف. وهذا يشير إلى أن ما نسبه بايدن إلى الكيان هو أقرب ليكون جهات في الكيان تعتمد على تبني بايدن هذه المقترحات لإطلاق ديناميكية تفتح الطريق للمبادرة. وهذه الجهات هي على الأرجح قادة الأجهزة الأمنية وفي مقدمتهم رئيس الموساد الذي يتولى إدارة الفريق المفاوض، مدعوماً من رئاسة الأركان هذه المرة وربما وزير الحرب وعدد من نواب الليكود في الكنيست. فهؤلاء يدركون الطريق المسدود للحرب، ويعرفون الأكلاف الضخمة التي يتكبّدها الجيش بصورة خسائر يومية في الجنود والضباط والعتاد، ووصول جيش الاحتلال الى حافة الانهيار. وقد جاء الخبر المنشور في صحف الكيان أمس، عن رفض 48% من الضباط توقيع اتفاق تجديد الخدمة مقابل موافقة 42% فقط، ليلقي الضوء على حالة الاهتراء التي دخلها الجيش، في ضوء حرب الاستنزاف التصاعدية التي تشنها المقاومة في غزة وجبهات الإسناد.
في القضية الثانية ومضمون المقترحات، نحن أمام تعديلات تم إدخالها على العرض الذي وافقت عليه حركة حماس، تأخذ وجهة نظر الاحتلال في قضية جوهرية هي وقف الحرب بصورة نهائيّة، فما أعلنه بايدن يقول بأن المفاوضات على التهدئة المستدامة تبدأ في المرحلة الأولى، ويستمرّ وقف الأعمال الحربية، لضمان استمرار التفاوض، حتى لو تجاوز الوقت نهاية المرحلة الأولى، لكن يبدأ تنفيذ المرحلة الثانية التي تتضمّن إطلاق سراح الأسرى الأحياء من الضباط والجنود دون شرط التوصل إلى إعلان نهاية الحرب. وهذا عكس ما تضمنه العرض الذي وافقت عليه حماس، والاستعاضة عن هذا الشرط بتقديم ما يعادل مرتبة بين الوعد والتمني والتعهد والضمانة، من الجانب الأميركي بأن هذا الاتفاق هو إعلان نهاية الحرب. والفارق الثاني هو أنه مع نهاية الحرب كان يرتبط في النص الذي قبلته المقاومة الانسحاب الشامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة، وليس فقط من المناطق المأهولة، وفكّ الحصار بصورة نهائيّة، وهي بنود بقيت غامضة في مقترحات بايدن، مقابل التعهّد ببدء إعادة الإعمار، وبالتوازي تقدم مقترحات بايدن لكيان الاحتلال تعويضاً عن مواصلة الحرب، من جهة بأن حماس لن تعود لحكم غزة بضمانات عربية، ومن جهة ثانية أنه لن يكون بمقدور حماس العودة إلى 7 أكتوبر جديد، ومن جهة ثالثة أن هذا الاتفاق إذا تمّ سوف يشكل مدخلاً للتطبيع مع السعودية.
في القضية الثالثة حول موقف المقاومة، فإن المقاومة معنية بالتعامل بجدية ومسؤولية مع إدارة الملف السياسيّ لحربها، وهي قد فعلت ذلك بكفاءة ومهارة استثنائيتين، وقد تمكنت بفضل ذلك عند موافقتها على عرض الوسطاء الذي انكره الأميركيون وتنكر له الإسرائيليون، من الحصول على تغطية شعبية وسياسية ومعنوية وأخلاقية لخوض حرب الاستنزاف التي أدّت إلى إفشال الحرب على رفح وفتح الطريق لمبادرة بايدن. والمقاومة تدرك معنى أن ما هو أمامها كلام جديد لرئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن، لكنها تدرك أنه بايدن نفسه الشريك في الحرب وجرائمها، وليس الوسيط المحايد والنزيه، كما تدرك بالقدر ذاته أن المبادرة تعبير عن مأزق الحرب وفشلها بفضل صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته وبطولة المقاومة وإنجازاتها، ولأن لدى المقاومة الكثير ما يستدعي قوله إذا عادت طاولة التفاوض على أساس مبادرة بايدن. فالمقاومة ليست مطالبة بالتعليق قبل أن يعلن قادة الكيان وعلى رأسهم نتنياهو القبول بهذه المبادرة، لأنه سبق لها وأعلنت قبول عرض الوسطاء وذهبت موافقتها سدى، والأحرى أن يضمن بايدن وأركان إدارته والوسطاء الآخرون موافقة نتنياهو قبل أن يسألوا المقاومة عن موقفها.