نقاط على الحروف

ماذا تعني عتبة الانهيار… وهل بلغها الكيان؟

ناصر قنديل
– على ضفة قوى المقاومة ومحورها، خسائر بشرية غير قابلة للإنكار، سواء في الأجسام المقاتلة وخصوصاً في غزة ولبنان والضفة الغربية، ولكنها خسائر هائلة وموجعة في المدنيين وخصوصاً من النساء والأطفال في غزة، إضافة لخسائر مادية جسيمة في المنازل والبنى التحتية، موجعة في جنوب لبنان وشديدة القسوة في غزة، لكن الحروب لا تقاس بهذه العناصر في تحديد نتائجها، ذلك أن خسائر الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية، بعدما دمرت غالبية المدن الكبرى وبلغ عدد الذين قتلوا من المقاتلين المدنيين عدة ملايين، لكن الاتحاد السوفياتي هو الذي انتصر، لأن الأهم كان احتفاظ الاتحاد السوفياتي بقدرة بشرية ونارية على شن هجوم معاكس عندما بلغت ألمانيا وجيشها عتبة الانهيار. وعلى هذا الصعيد فالمقاومة في غزة وجنوب لبنان واليمن والعراق، إضافة لما تملكه سورية وإيران عند الحاجة، في وضعية من لم يستهلك قواه ولا زالت أمامه الكثير من هوامش الحركة التي لم يستثمرها، والمقدرات التي لم يزج بها في الحرب، وحالته المعنوية ممتازة، ونسبة التصاق البيئة الشعبية الداعمة بالجسم المقاتل في أعلى مراتبها، لكن ماذا عن كيان الاحتلال وجيشه ومعيار عتبة الانهيار؟
– الأكيد هو أن كيان الاحتلال يقاتل بكل ما لديه، وهو كله، مستوطنون واقتصاد وأمن وجيش وسياسة منخرط بكليته في الحرب، وقد صارت حرباً وجودية للكيان وكل من هذه المكونات. فالجيش عندما يقرر الهجوم على رفح يضطر لسحب فرقة من الحدود مع لبنان وعندما تفتح بوجهه معركة جباليا يضطر للاستعانة بـ لواءين منتشرين في الضفة الغربية، ما يعني أن كل الجيش منغمس في الحرب ولا هوامش مناورة لديه. أما المجتمع فهو موزع بين سكان شمال وجنوب مهجرين وسكان وسط قلقين من عودة القصف الصاروخي الذي أصاب تل أبيب وجوارها قبل أيام، والبنية السكانية بين أهالي أسرى وأهالي جنود، حتى الحريديم الذين كانوا محيّدين عن هذه وتلك صاروا في قلب الاستقطاب بعد دعوتهم للمشاركة في الجندية، والاقتصاد الذي ينزف بتراجع الحركة التجارية مع إقفال أغلب الموانئ وتوقف العبور في البحر الأحمر للسفن الوافدة إليها والاستهداف المتكرر من اليمن والعراق لميناء إيلات (أم الرشراش)، وفي ظل انسحاب الكثير من الأموال الاستثمارية نحو الخارج وإقفال العديد من الشركات العالمية لفروعها، لكن هل من أداة قياس لبلوغ عتبة الانهيار؟
– المعيار الفيزيائي لحالة التلاشي والاضمحلال هو بلوغ نسبة 50% من فقدان قوة الاندفاع، شرط الحفاظ على خط بياني تراجعي طوال الفترة الممتدة منذ فقدان أول نسبة حتى بلوغ الـ 50% من جهة، واستمرار خط الخسارة في قوة الاندفاع بعد بلوغ الـ 50%، وإذا أسقطنا هذا المعيار لقياس العوامل الحيوية التي ترافق الحروب، سوف نجد أن الكيان دخل الحرب بقوة اندفاع شعبية وسياسية تقارب الـ 100%، حيث إجماع الموالاة والمعارضة على خوض الحرب حتى النصر الكامل، مع نسبة تأييد غاضبة في الرأي العام بلغت 94%، وخلال ثمانية شهور حافظ الخط البياني لهذا الدعم السياسي والشعبي للحرب على اتجاه انحدار متواصل، حتى بلغ سياسياً انقساماً حاداً بين معسكرين متقابلين متوازيين بين رافض لاستمرار الحرب ومؤيد لاستمرارها، وتحركت استطلاعات الرأي حول تأييد الحرب من 94% الى 27% مروراً بـ 74% ثم 57% ثم 38%، وسياسياً صارت نتائج استطلاعات الرأي تعطي معسكر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو 51 مقعداً في الانتخابات المقبلة مقابل 69 مقعداً لخصومه، وتعطي نتنياهو 30% من التأييد لترشيحه مقابل 38% لمنافسه بني غانتس. وهذا يعني ان قوة الاندفاع فقدت بصورة منتظمة وهي تستمر بالفقدان بنسبة بلغت حتى الآن، 70% من الدعم الشعبي و30% من الدعم السياسي.
– في الجانب العسكري يقول قادة سابقون في جيش الاحتلال إنه فقد نصف آلياته في الحرب أي قرابة 1500 آلية، وهو يعاني شحاً في الذخائر الحيوية لحروب البر وهي قذائف المدفعية من عيار 155 ملم، وصواريخ الدفاع الجوي من طراز باتريوت، تماماً كما تعاني أوكرانيا ويتحدث قادة الناتو عن العجز عن التلبية علناً، ويلتقي القادة السابقون في الجيش والأجهزة الأمنية والخبراء والمعلقون في قنوات التلفزة والصحف على عدم الثقة بالأرقام الرسمية حول الخسائر، وثمة إجماع على أن عدد الذين باتوا خارج ساحة الحرب، بين قتلى وجرحى من جهة ومقعدين مصابين بإعاقة دائمة من جهة ثانية ومصابين بصدمات تمنع عودتهم للقتال من جهة ثالثة، ومتمردين وفارين من جهة رابعة، يقارب الـ 50 ألفاً، بقرابة 12500 لكل من هذه الفئات، كما قال المعلق العسكري في صحيفة هآرتس، من أصل قوام 100 ألف جندي في القوات البرية من أصل 160 ألف جندي في البر والبحر والجو والإشارة والإدارة، ما يعني فقدان 50% من قوة الاندفاع، وإذا اضفنا الى ذلك تأثيرات الحرب المعنوية وتراجع الروح القتالية وتراجع الثقة بالنصر والثقة بالقيادة وغياب الوضوح عن سبب استمرار الحرب، يمكن اعتبار نسبة فقدان قوة الاندفاع بأكثر من 70%، وهي نسبة متواصلة الانخفاض ولا تزال.
– اذا اضفنا الى هذين العاملين، الأرقام الاقتصادية الرسمية التي تتحدث عن تراجع الاستهلاك الشخصي بنسبة 27% فيما الاستهلاك الحكومي ارتفع 88%. وانخفضت الاستثمارات بـ70%، كما تراجع الاستيراد بـ42%، مع نمو سلبي بنسبة 20%، وقرأنا حجم الخسائر السياسية الدولية، بفقدان نسبة هائلة من قوة الاندفاع التي كانت عشية 7 أكتوبر، والتي يصعب حصرها ومنحها نسباً مئوية، خصوصاً أنها غير قابلة للتعويض ولا للتجاهل، وقد صارت المحاكم الدولية مؤسسات لا يضمن الكيان النفاد من ملاحقاتها كما اعتاد لعقود، وبدء مسار دولي غربي للاعتراف بالدولة الفلسطينية دون المرور بقبول الكيان كشرط مسبق طالما كان قائماً، وشوارع عالمية غاضبة تصف قادة الكيان بالقتلة والمجرمين، أمكن القول إن الكيان في هذه المجالات أيضاً قد فقد وتخطى نسبة الـ 50% من قوة الاندفاع.
– يمكن القول بمسؤولية علمية إن الكيان تخطى عتبة الانهيار بتجاوز نسبة الـ 50% من فقدان قوة الاندفاع في عدد من البنود الرئيسية وتسجيل هذه النسبة في بنود أخرى، إلا أنه لا يزال على الصعيد السياسي دون هذه النسبة، عند حدود الـ 30%، بسبب غياب شخصيات وازنة وموثوقة صلبة وشجاعة في المعارضة قادرة على التقدم في مواجهة نتنياهو، وهذا ما يفسر غياب نتائج سياسية واضحة لمسار الانحدار، وسيادة خطاب التعنت والعنجهية بدلاً من الواقعية التي يفرضها تغير الموازين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى