دبوس
بين محمد صلاح ومحمد صلاح!
محمد صلاح، الجندي المصري البطل بالفطرة، والمقاتل بشراسة بالفطرة، والذكي اللمّاح بالفطرة، والإيثاري بالفطرة، والمضحّي في سبيل الخير بالفطرة، والباذل للدم حتى الشهادة أيضاً بالفطرة، ثم محمد صلاح الآخر، والذي آثر الحياة الدنيا ونعمها على حساب الحق والحقيقة، وأعطى عيناً عمياء، وأذناً صمّاء، وفماً أبكم، ولساناً معقوداً إزاء شلالات الدم، والأجداث المتقطّعة في غزة…
نحن في زمن الفلق العظيم، حيث فلق طوفان الأقصى الناس بصرامة وبحدّة ومن دون منطقة رمادية، فإمّا مع، وإمّا ضدّ، إمّا مع الحق والحقيقة، ومع المستضعفين والمذبوحين والمنتهكة ديارهم، والمسروقة أوطانهم، وإمّا مع القتلة المجرمين، الفاقدين لأيّ نزعة للخير والأخلاق، والمتكدّسين المكتنزين بأشياء الدنيا وأماتع الحياة…
لقد أصابت ضربة الفلق الطوفانية كلّ الناس في شرق الأرض وغربها، وفي شمال الأرض وجنوبها، ولم يبق في المتّسع أيّ مجال للبين بين، والإرهاصات القلقة، أسماء متشابهة، وأشكال متناظرة تحتفظ في أحشائها بخبيئة لا تستفزّ الى الخارج إلّا بطوفان كطوفان الأقصى، فيتدفق إلى السطح الغث والسمين، والصالح والطالح، والباذل والقابض، والمعطي والآخذ، ويصطفّ كلّ بصفّه، فيندفع محمد صلاح، إبن البلد الأصيل، التوّاق إلى رفع المظالم عن أشقاء له عبر الحدود المصطنعة، ولا ينكفئ حتى يثخن في العدو ولا يبالي، ويندفع عميقاً ليدمي مزيداً من العدو حتى يرتقي شهيداً معظّماً مكرّماً مبجّلاً عند الله وأحباب الله…
ومحمد صلاح الآخر، العابث في جزيرة الشيطان، يتقاذف الكرة يميناً وشمالاً ببراعة، ويكدّس الأخضر في جيوبه نتيجةً لذلك، فينسيه ذلك الأخضر الحقيقة والفضيلة والنخوة والانتماء والقربى، وقبل هذا وذاك، الانتصار للمعتدى عليهم، خاصةً إذا كانوا أشقاء أخوة عبر الحدود، تقطّع أوصالهم بلا رحمة، من قبل عدو الله والناس والحقيقة…
سميح التايه