مشروع التوريط الأميركي لروسيا والصين بالخزي والعار
ناصر قنديل
– عندما ينخرط الرئيس الأميركي جو بايدن شخصياً في المبادرة عن الإعلان عن ما وصفه بمقترح إسرائيلي لتبادل الأسرى يتضمن وقفاً نهائياً للحرب على غزة ويدعو حركة حماس إلى الموافقة عليه. ثم يقول رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو إن كلام بايدن غير دقيق، ثم يدور النقاش في حكومة الكيان حول ما إذا كان هناك اقتراح وجّهه رئيس الحكومة الى الرئيس الأميركي يتضمّن التزاماً بوقف الحرب ولا يزال يخفيه عنهم، أم أن عليهم تصديق كلامه المعلن بعد كلام الرئيس الأميركي عن المقترح، والذي يقول فيه صراحة إنّه يرفض أي صيغة للتبادل تتضمن وقفاً للحرب، فإن علينا التساؤل عما اذا كنا أمام مراوغة أميركية تهدف لمخاطبة وضع داخلي في سياق تنافس انتخابي، كما يعتقد البعض، أم أننا أمام خطة؟
– أمامنا حتى الآن ثلاثة عناصر تؤكد أننا أمام خطة، بالرغم من كل المشهد السريالي في الكيان. العنصر الأول هو أن بايدن تحدث عن مقترح يتناول مراحل وتصورات رغم نواقصها تبقى أكثر من مجرد موقف سياسي وخطاب إعلامي. وهذا رئيس دولة عظمى يضع اسمه ووزنه ومكانة بلده في الميزان. والعنصر الثاني هو المثابرة الأميركية على ملاحقة ما أعلنه بايدن تفصيلياً وتنفيذياً، فمجلس الأمن القومي بلسان الناطق باسمه جون كيربي يتحدّث يومياً عن الموضوع، ووزارة الخارجية كذلك، ومدير المخابرات الأميركية يصل الى الدوحة للمتابعة، بعد اتصال أجراه بايدن مع أمير قطر. ويأتي الأهم ثالثاً، وهو أن واشنطن تقدمت بمشروع قرار إلى مجلس الأمن تتعامل في صياغته مع نص بايدن الذي رفض نتنياهو الشراكة في أبوته، بصفته اتفاقاً ثم تطلب في النص الضغط على شريك مفترض في أي اتفاق هو حماس، للقبول به، بينما الشريك الثاني لا يعلن تبنياً لما يفترض أنه اتفاق، ويقول الأميركي نه اتفاق يطلب دعم مجلس الأمن له، لوظيفة واحدة هي الضغط على المقاومة، فهذا كله يعني أننا أمام خطة.
– الخطة هي استدراج ضغوط على المقاومة للقبول باتفاق لا يتضمن التزامات واضحة في القضايا الرئيسية وهي وقف الحرب والانسحاب الشامل وفك الحصار وبدء الإعمار. والاكتفاء بكلام أميركي عام دون التزام من الكيان، بل مع التزامات معاكسة من قادة الكيان، ويأتي النص المرسل لمجلس الأمن يريد توريط دول عظمى بحجم روسيا والصين، في ترويج مشروع إنقاذ للدور الأميركي المتهالك بفعل الفشل في الحرب التي كان عرابها، والأهم أن هذا التوريط يتم بمخالفة أبسط قواعد القانون الدولي، وليس فقط بما يعنيه من تجاوز للمبادئ التي تلتزمها الدولتان العظميان وتتقدمان لتأسيس نظام عالمي جديد على أساسها.
– يتعامل النص الأميركي المعروض على مجلس الأمن مع قطاع غزة، كمنطقة عمليات إسرائيلية، فيتحدث عن الانسحاب من المناطق المأهولة، دون ذكر الانسحاب الشامل، بينما أضعف الإيمان التعامل مع غزة كجزء من أرض الدولة الفلسطينية التي يبشر مشروع القرار بإقامتها ضمن ما يسميه حل الدولتين، أو أن يعاملها وفق نصوص اتفاق فك الاشتباك عام 2005 الذي انسحبت قوات الاحتلال من غزة على أساسه، وشاركت الأمم المتحدة وشارك الاتحاد الأوروبي، في رعاية الاتفاق وبعض بنود تنفيذه وهو يغيب كلياً عن العقل الأميركي لأن العقل الإسرائيلي لا يريد ذلك. فهل قطاع غزة يمنح بموجب مشروع القرار لكيان الاحتلال، ليقرر المدى الذي ينسحب منه والمدى الذي يُبقي قواته فيه؟
– يتعامل مشروع القرار الأميركي مع وقف الحرب بصفتها مسألة غير مطروحة، فهو لا يأتي عليها مراعاة لكيان الاحتلال، والمنطقي أن تسأل موسكو وبكين نفسيهما ومعهما سواهما من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، ماذا تعرض عليهم واشنطن، مطالبة الشعب الفلسطيني المحتلة أرضه والمذبوح شعبه بقبول قرار أممي لا يطلب محاكمة مّن ارتكبوا الجرائم، ولا يقرّ صندوقاً دولياً للتعويض وإعادة الإعمار، لكنه يقول لهم عبر مقاومتهم اتركوا أسرى الاحتلال، ولم يتحدث كلمة عن أسراهم، واقبلوا بهدنة يمكن لعدوكم العودة لقتلكم بعدما يتسلم أسراه فيعلن سقوطها؟
– مشروع القرار الأميركي المعروض على مجلس الأمن يشبه تبييض الأموال، في إخراج المهزوم منتصراً، والمجرم بريئاً، وبدلاً من مساندة المظلوم لنيل حقه يتجاهل كل الحقوق، وبدلاً من أن يمسك بيد القاتل، يمعن في تحريك جرح الضحية. إنه طوق من الخزي وعقد من العار يراد إلباسه لدول ينتظر الفلسطينيون منها مصداق التزامها بالحق والقانون، فكيف إن كانت شقيقة أو صديقة وعليها العمل بروح الأخوة والصداقة، بأقل مما يفعله الأميركي لحساب الكيان بكثير.