الكيان الصهيوني يعيش الهزيمة والأزمة… والمقاومة في الانتصار
} د. جمال زهران*
الأمر الذي لم يعد محلّ شك، هو أنّ العدو الصهيوني، أصبح يعيش الهزيمة والأزمة، باعتراف قيادات شغلت وتشغل حالياً، مواقع قيادية في منظومات صنع القرار السياسي والعسكري. في الوقت نفسه لسنا في حاجة إلى شهادات قادة من الكيان الصهيوني، كي ندرك أنه في أزمة… وفي هزيمة، بل إن رؤيتنا التحليلية تصل بنا إلى هذه الاستخلاصات على هزيمة و»أزموية»، هذا الكيان، وهي التي أصبحت على مرأى ومسمع العالم كله. فنحن لا نستخلص من مصادر سرية، أو معلومات غير متداولة، بل من ظاهر الأحداث وعمقها، منذ أن تفجرت عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023م، وحتى الآن، ومرّت عليها ثمانية أشهر بالتمام والكمال.
فالحدث كبير بلا شك، وهو المفاجأة بلا جدال، وكشف هشاشة الكيان الصهيوني وجيشه المرتزق، وأجهزة استخباراته المغيّبة والنائمة، والتي كانت في النعسان، وقت إتمام العملية، الأمر الذي كشف ولا يزال، عن حقيقة ما يعانيه من أزمة حقيقيّة، تعصف به، وليس تكاد أن تعصف به، لدرجة أنّ الكيان قد اهتزّ بعنف، وفقدت قياداته السيطرة على مفاصله، وأضحى ممزقاً أمام العالم، في فضيحة لم يسبق أن عاشها هذا الكيان منذ إنشائه باللاشرعية المزيفة، وترتب على ذلك فقدان عقله تماماً. وراح جيشه المرتزق التوجه إلى ضرب المدنيين الفلسطينيين، وقتلهم وإصابتهم، وتدمير المباني والمنشآت، بلا تمييز، وبلا احترام لقوانين الحروب أو أخلاقياتها…
وقد ظهر العدو الصهيوني، وهو يتخبّط، ولم يكن أمامه، سوى خطة اقتلاع الفلسطينيين من غزة، تمهيداً لضمّ القطاع إلى أرض فلسطين المحتلة، وتوسيع الأرض المحتلة، وفتح الآفاق أمام تطبيق أهداف الكيان من بقائه في هذه الأرض، ومنها تحقيق «إسرائيل الكبرى»، من النيل في مصر، إلى الفرات في العراق! في الوقت نفسه ليس لديه، إلا القتل والهدم لغزة (البشر والحجارة)، ومن تبقى من البشر، فإنّ عليهم أن يتمّ ترحيلهم قسرياً إلى أراضٍ في سيناء، ثم الاتجاه بالترحيل لفلسطينيي الضفة الغربية، إلى عمان!
إلا أنّه كان من نتاج ذلك المدعوم، أميركياً وأوروبياً (استعمارياً)، أن تفجّرت كل المتناقضات الداخلية المسكوت عنها، وبدأت جدران المنزل الصهيوني ودعائمه في الأمن والأمان والاستقرار والديمقراطية، تتداعى…
وتجلّى ذلك في ما يلي:
ـ إخلاء وتهجير قسري، لمستوطني غلاف غزة، متوازياً مع قطاع غزة كلها، وبلغ عدد المهجرين نحو (250) ألفاً، لم يعودوا منذ السابع من تشرين الأول.
ـ إخلاء وتهجير قسري، لمستوطني الشمال الفلسطيني المحتل، بعد دخول حزب الله والجنوب اللبناني، المواجهة مع الكيان الصهيوني على طريق المساندة ودعم غزة في مواجهة حرب الإبادة الصهيونية. وبلغ عدد المهجرين نتيجة ذلك، من الشريط الحدودي داخل الشمال الفلسطيني من المستوطنين الصهاينة ولمسافة تقدر من (7-10) كلم، نحو (300) ألف صهيوني.
ـ إذن نحن أمام أول مظهر ودليل للهزيمة الداخلية في الكيان، وهو التهجير القسري الصهيوني للداخل، وهو ما يعني سقوط دعاوى الأمن والاستقرار لدى قاطني الكيان، وهو ما أسهم في اتساع درجة الهجرة العكسية المرتدة، من الداخل الصهيوني كله، إلى بلادهم الأصليّة، وأغلبهم بلا عودة مرة أخرى لـ «الوطن القومي» المزعوم، بلغ عددهم ما يقرب من مليون صهيوني، وفي بعض التقديرات تجاوز عدد المهاجرين من الكيان الصهيوني، المليون!
ـ فضلاً عن الخسائر الاقتصادية الضخمة، والتي تتراوح بين (70-100) مليار دولار خلال ثمانية أشهر، ومظاهرها الإنفاق الباذخ على المستوطنين من «الغلاف والشمال»، المهجرين قسرياً، وتسكينهم في الفنادق، فضلاً عن توقف السياحة تماماً، وتوقف أو شلل الموانئ وأهمّها أم الرشراش (إيلات) على خليج العقبة، والذي تعرّض إلى التدمير بصواريخ اليمن (على بعد 2000 كلم)، وأيضاً بصواريخ المقاومة العراقية، وهي على بعد قريب جغرافياً، لا يتجاوز في الأغلب (500 كلم)!!
وكذلك الشلل على موانئ البحر المتوسط، التي تتعرّض للضرب بالصواريخ، دائماً، إما من خلال المقاومة الفلسطينية أو المقاومة في جنوب لبنان، أو حتى المقاومة العراقية، وهي التي تضرب، حيفا ويافا، من على بعد كبير!
ـ فضلاً عن انفجار أهالي الأسرى الموجودين لدى المقاومة الفلسطينية، منذ طوفان الأقصى وللآن، وهم الذين لم يكفوا عن التظاهر المستمر، والإصرار على المطالبة بإسقاط حكومة النتن/ياهو…
ـ بالإضافة إلى طائفة الحريديم التي تصرّ على عدم التجنيد، ورفض القتال لأبنائها، في مواجهة أي طرف (فلسطين أو غيره)! كما أنهم يرفضون قانون التجنيد الإجباريّ المعروض على الكنيست (البرلمان الصهيوني)، والتهديد بأنه في حالة إقراره، سيكون الردّ هو: هجرة جميع أبناء الطائفة إلى الخارج إلى بلادهم الأصلية!
ـ ومن ثم فإنّ مظاهر الانهيار الصهيوني من الداخل، عبر الهزيمة والأزمة، عديدة، وبلا حصر. إلا أنه في المقابل فإنّ المقاومة الفلسطينية بمختلف الفصائل، في انتصار مستمرّ، منذ طوفان الأقصى وحتى الآن. والصحيح أننا نخسر من البشر والحجر، الكثير، حيث تجاوزت الخسائر البشرية الـ (100) ألف شهيد وجريح، وما بين 50-70% (خسائر مادية)، إلا أن المقاومة والتحرير، لا تقاس بالخسائر في جانب الطرف المحتل، بل تُقاس بحجم خسائر الطرف المستعمر، وتداعيات المقاومة عليه داخلياً وخارجياً. والوضع كارثي على الجانب الصهيوني، حيث الخسائر الشاملة، والتمزق الداخلي الذي يصل إلى مرحلة الانهيار، بشيوع الخوف وفقدان الإحساس بالأمان في «وطن قومي» مزعوم أنه واحة الديموقراطية في الإقليم!
ـ ويكفي للشعور بالانتصار لدى الطرف المقاوم، أنه يفرض الآن شروطه، ولا يقبل الضغوط، وهو ما يتأكد في رضوخ الطرف الأميركي (العدو الأصيل)، أنه يعلن عن خطة لحلّ أزمة غزة بالنسبة لهم، مستجيباً فيها لكلّ مطالب المقاومة بلا تنازلات، سعياً نحو كسب الانتخابات المقبلة لصالح بايدن، وهو أمر مشكوك فيه، وسط استمرار الحرب الصهيونية. وفي المقابل ارتفاع وتيرة المقاومة ضد الكيان الصهيوني على (7) جبهات، حتى أصبحت غزة، وهي تحكم العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية.