أولى

غزة والنبض الصادق من طهران

‭}‬ د. حسن أحمد حسن*

عندما تحتض طهران مؤتمراً دولياً بعنوان: (غزة المظلومة والمقاومة) ويتقاطر المئات من الكتاب والمفكرين وأساتذة الجامعات والمحللين والمهتمّين بتطور الأحداث وتداعياتها، فهذا يعني أنّ النبض الغزاوي الفلسطيني المقاوم ليس منعزلاً، ولا صرخة في واد. فالفكرة المتجسدة بعقد مؤتمر دولي كهذا بحدّ ذاتها حدثٌ يستحق التوقف عنده بما يليق وتلك المعاني والدلالات والرسائل التي أرسلت تلقائياً وعبر البث المباشر. وهذا بدوره يتطلب الوقوف عنده بمسؤولية وموضوعية. وهنا يمكن الإشارة إلى بعض العناوين الرئيسة والأفكار، ومنها:
*تكامل الدور الإيراني الراعي مع قناعة الكثير من الكتَّاب والمفكرين الذين قدموا من أكثر من خمس وثلاثين دولة، بغضّ النظر عن المواقف الرسمية المعلنة في هذه الدولة او تلك، ورسالة هذا التكامل تقول: إن دور النخب الفكرية والثقافية يتجاوز الأطر التقليدية، ويشكل ظاهرة تصلح للبناء عليها لتزخيم النبض المقاوم أكثر فأكثر.
*الاهتمام الكبير من الجهات الرسمية والجهد النوعي المبذول للتنسيق وضمان وصول المشاركين بأمن واحترام، فضلاً عن تحضير كلّ ما يلزم من تأمينات لوجستية ضرورية لنجاح المؤتمر.
*إجماع المتحدّثين على ضرورة الاستثمار في اللحظة التاريخية التي فرضتها المقاومة الفلسطينية بأدائها الميداني الإعجازي، وصمود حاضنتها الشعبية، وتحوّل دماء الأطفال والنساء والعجائز والمرضى والطواقم الطبية والإعلامية و … و … إلخ إلى لعنة تلاحق المسؤولين الصهاينة في المحافل والمنابر الدولية.
*أهمية الدور المستولد من حمأة المواجهة المفتوحة بعد انضمام بقية جبهات الإسناد، وتأكد حكام تل أبيب ومن يدعمهم بأن غزة لن تترك وحيدة، ولن يسمح لأية قوة مهما بلغت الاستفراد بغزة، ولا إبادة شعبها أو تهجيره مهما تكن التداعيات.
*الاختراق النوعي الذي أنجزه عشاق النهج المقاوم في أخطر فصول الحرب التي تستهدف الوعي وطرائق التفكير، ومنع استمرارية القبول بالبروباغندا «الإسرائيلية» التي فرضت على العالم على امتداد العقود الماضية، وما التظاهرات الكبيرة وغير المسبوقة التي شهدتها الجامعات والمدن الكبرى الأميركية والأوروبية إلا الشاهد الأبرز على بدء تعافي الوعي المجتمعي على الصعيد العالمي، وقد تحمل قادمات الأيام تسارعاً وزخماً في ديناميات هذا التعافي، وعندها لن يكون بإمكان إمبراطوريات الكذب والتضليل وقف الارتدادات التي لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
*التركيز على ضرورة الانتقال من إعلان التعاطف ونصرة غزة إلى تجسيد ذلك بمرتسمات قائمة على أرض الواقع. وهذا يتطلب الحذر الكبير وتجنّب الاكتفاء بالاطمئنان الخادع إلى عظمة ما تمّ إنجازه، فمحور الشر والتجبّر والقوة بزعامة واشنطن لا تزال أنيابه سامة ومخالبه قادرة على تمزيق الضحايا بلا رحمة ولا شفقة، بغضّ النظر عن تلقي العديد من الصفعات المؤلمة، وهذا يعني ضرورة العمل الجادّ والممنهج لقطع الطريق على كلّ الاحتمالات التي تتحدّث عن تفاهمات وتوزيع أدوار لتحويل هذا الطرف أو ذاك من أطراف محور المقاومة إلى مجرد ضحية لا تملك إلا الإذعان لما يريده الجلاد.
*مظاهر الاضطراب والقلق وافتقاد مقومات الرؤية الاستراتيجية لدى حكومة نتنياهو، تضيف عاملاً جديداً إلى عوامل قوة المقاومة، كما تراكم إخفاقاً جديداً يضاف إلى الإخفاقين الميداني والإعلامي في صفوف مكونات المحور المعادي. وهذا يعني اتساع الشرخ بين المكونات المتعددة وغير المتجانسة للتجمع الاستيطاني الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، بالتزامن مع اتساع التعاطف الإنساني العالمي مع القضية الفلسطينية.
أكتفي بذكر العناوين العريضة السابقة، مع التشديد على وجود الكثير من النقاط المهمة الأخرى، وذروة ما يمكن الحديث عنه ضمن سياق النبض الإيراني الفاعل قد تجلّى بالتزامن بين انعقاد المؤتمر العالمي نصرة لغزة في طهران، وبين وضع اللمسات الأخيرة لمتطلبات إحياء الشعب الإيراني الذكرى الخامسة والثلاثين لرحيل قائد الثورة الإسلامية سماحة روح الله الإمام الموسوي الخميني. ومن المهمّ هنا الإشارة إلى بعض الأفكار المتعلقة بالموضوع، ومنها:
*متابعة الحدث عبر الشاشات شيء، والانخراط فيه ورؤية تكويناته تتبلور على أرض الواقع شيء آخر. ففي الطريق من طهران إلى مرقد الإمام الراحل ترى جموع الناس وكأنها أمم وخلائق تقاطرت من شتى أنحاء الجمهورية الإسلامية لإحياء الذكرى، وتجديد التمسك بثوابت الثورة الإسلامية التي انتقلت بإيران من الدولة التابعة والدائرة في الفلك الأميركي إلى دولة اليقين والاقتدار ونصرة المظلومين والمستضعفين، ومقارعة طواغيت الكون.
*مشاركة سماحة القائد الإمام الخامنئي حفظه الله وحضوره السنوي في هذه الفعالية يمنحها قوة الدفع المطلوب للحفاظ على الإرث الغني، وإتمام مسيرة البناء على ما تحقق. وهذا يزيد من أهمية المناسبة، ويحول دون تحولها إلى ذكرى تقليدية. فالشعب الإيراني في كلّ عام على موعد مع حديث مباشر يوجهه سماحة القائد، ويضمّنه رؤية قيادة الثورة ومواقفها من هذا الحدث أو ذاك.
*أوضح سماحة القائد الخامنئي في بداية خطابه أنه سيركز على ثلاث نقاط في حديثه، وهي: غزة ــ استشهاد فخامة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومن كان معهما على متن المروحية ـــ الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي تتطلب من الشعب الإيراني الارتقاء إلى مستوى التحديات.
*اللافت للانتباه في حديث سماحة القائد الخامنئي يظهر بوضوح في تقديم الحديث عن غزة على الحديث عن الشأن الإيراني على الرغم من الأهمية الاستثنائية التي تشهدها الساحة الداخلية، أو قد تسير باتجاهها في المرحلة المقبلة.
*التركيز على الأمل واليقين الكبير بالنصر في نهاية المطاف، وهذا ما يؤكده الإعلام الإسرائيلي ذاته عبر العديد من المسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين وأشهر الكتاب ورجال الفكر الذين يجمعون على أنّ الكيان إلى زوال بزعامة نتنياهو وزمرة المتشدّدين في حكومته العنصرية، وأنّ فرص الحفاظ على ما تبقى من دور وظيفي لكيان الاحتلال لم يعد قابلاً للترميم، لأنّ الفشل المركب والمتداخل أفقياً ورأسياً يعصف بما تبقى مما كانوا يسمّونه (الردع المسبق والشامل)، ولذا نرى بأمّ العين أن الردع الأميركي و»الإسرائيلي» ــ على ندرته ــ يضمحلّ ويتلاشى، ولن تستطيع واشنطن مهما فعلت إعادة الحياة لمشاريع تفتيت المنطقة وتشظيتها عبر محاولة الاستفراد بكلّ طرف من أطراف محور المقاومة على حدة، وهيهات لواشنطن وتل أبيب ومن يدور في فلكهما حجب نور الشمس بغربال الكذب المفضوح والنفاق السافر الذي ملّته شعوب الأرض بغالبيتها المناصرة لحق الشعوب في مقاومة المحتلين والقتلة في كلّ زمان ومكان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*باحث سوري متخصص بالجيوبوليتيك والدراسات الاستراتيجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى