نتنياهو شمّاعة كيان هاوٍ ومتهالك
} خضر رسلان
لعلّ ما تشهده دولة الكيان من أحداث غير مسبوقة منذ قيام هذه الدولة على أنقاض فلسطين التاريخية إبان النكبة في العام 1948، سواء من حيث ماهية الدور الذي بدأ بالتآكل والذي لطالما مارسته في الإقليم باعتبارها رأس حربة في المشروع الغربي وصاحبة القدرة على هزيمة الجيوش وفرض إرادتها السياسية في كلّ المنطقة او من حيث تضعضع جبهتها الداخلية غير المسبوق أيضاً سواء من حيث كثرة التيارات والأحزاب السياسية وتنافسها الحادّ على السلطة او من حيث اتساع الهوة الى حدّ التصادم بين العلمانيين والمتديّنين الى جانب النفور التاريخي المتأصّل ما بين الشرقيين والغربيين وهي عوامل اذا ما أضيفت الى المتغيّر الاستراتيجي الناتج عن عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول من العام الفائت وتداعياتها المستمرة، ترسم صورة لم يكن أشدّ المتشائمين في الكيان وحلفائه ورعاته يتوقعها بحيث أصبحت قيادات وازنة تجاهر بشكل صريح بالقلق والمخاوف عل مستقبل الكيان الغاصب في سابقة محرجة لم تعهدها دول الاحتلال من قبل.
استناداً إلى هذه التحديات التي تواجه الكيان، والفاعلية العالية جداً التي تنجزها المقاومة سواء منها داخل فلسطين او في محاور الإسناد لا سيما منها الساحة اللبنانية التي بدت جبهة حرب حقيقية، أظهرت الإمكانات الهائلة والجهوزية الكبيرة للمقاومة الإسلامية وقدرتها على المقارعة بل امتلاك زمام المبادرة سواء في الردع او الاغارة مما زاد في وتيرة القلق والشك في فاعلية الكيان وقدرته في الاستمرار بدوره الوظيفي المناط به في المنطقة. هذا الى جانب فقدان الثقة به من قبل عموم المستوطنين الذين ما عادوا ينظرون الى الجيش الصهيوني كعنصر أمان يضمن لهم المستقبل. وإذا ما جمعنا ذلك الى مجموعة من المتغيرات والاحداث المستمرة التي أحدثت تحوّلات دراماتيكية ويأتي في مقدمها عجز الآلة العسكرية المدعومة من الكثير من الدول في سحق المقاومة في غزة المحاصرة والمحدودة جغرافياً والتي أصبحت مصيدة يتهاوى فيها الصهاينة أمام مقاومي أصحاب الأرض والتاريخ. واذا ما أضفنا صورة المستوطنات الصهيونية التي تحترق في شمال فلسطين، إضافة الى مُسيّرات المقاومة الإسلامية التي تتخطى الحدود اللبنانية اتجاه أهدافها المتنوّعة في فلسطين المحتلة وإصابة أهدافها بدقة، الى التحكم اليمني المقاوم بالممرات المائية في البحر الأحمر رافعين الصوت بكلّ تحدٍّ انهم سيمنعون كلّ ما يمتّ بصلة للصهاينة ان يمرّ عبره، وهذا مصداق الى ان الردع الإسرائيلي الذي أصابه الوهن داخلياً ومع لبنان قد شمل الإقليم ايضاً…
كلّ هذا يجعلنا أمام احتمال مرجّح يفيد انّ كثرة الحديث عن دور نتنياهو ومستقبله وتأثيراته في مسارات الحرب العدوانية الاسرائيلية أشبه بشماعة تخفي خلفها القلق الحقيقي عند أرباب الدولة الأوروبية الأميركية العميقة على مستقبل الكيان الوجودي في المنطقة الذي يحتاج بحسب وصف عدد من الباحثين الى مجهود خارق لترميم صورته الخارجية والداخلية، سواء منها العسكرية او الأمنية وقدرته في الحدّ الأدنى في إعادة الروح المعنوية لأفراده، فضلا عن استرجاع الثقة المفقودة بينه وبين المستوطنين، وهما أمران غاية في الصعوبة وفق إشارات تشي معظمها بأنّ الأسوأ لم يأت بعد، بل هي مرشحة ان تحمل في طياتها مخاطر جمّة على مستقبل دولة الكيان إذا ما استمرّ نتنياهو ورعاته الغربيين بسياساتهم العدوانية، في ظلّ رباطة جأش عند محور المقاومة وإعداده العدة اللازمة لاستنزاف العدو في أفراده وعتاده ومستوطنيه. وهذا أمر من المرجح ان يدفع المستوطنين نحو الهجرة العكسية من دولة الكيان باتجاه دول يحمل الكثير منهم جنسيتها فراراً وهو ما حذر منه كبار قادة ومفكري الكيان من عقدة العقد الثامن، استناداً إلى موروثات تاريخية يعتقد بها الكثير من اليهود، وهذا ما يزيد من وتيرة القلق عند الصهاينة.
وسط الكثير من التطورات ومشاريع التسويات والوساطات يبقى العقل الصهيوني الذي توكل شماعته في الوقت الراهن الى نتنياهو الطامح دوماً إلى أن يكون بنفسه “الملك المتوّج للأبد”. فهل يطيح هذا الجبروت العدواني الإجرامي والتعنّت الاستكباري بدولة الكيان عن الأرض وعن الخارطة؟ سؤال لن يطول انتظار إجابته وسيكشفها المستقبل القريب.