دراسات

وكالة الأونروا واليوم التالي للحرب*

تتوسع الحملة الإسرائيلية الأميركية على وكالة الأونروا منذ بداية عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول عام 2023، وهي تهدف إلى تفكيك وكالة الأونروا، وإنهاء عملها وخدماتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين.
وقامت عدة مراكز أبحاث ودراسات محسوبة على كيان الاحتلال بتقديم توصيات لتفكيك الأونروا، وأصدر معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى التابع لمنظمة (إيباك) دراسة نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” دعا فيها إلى التفكيك التدريجي للأونروا من خلال تكليف وكالات الأمم المتحدة الأقرب ومنظمات دولية غير حكومية بأخذ مكانها.
واقترحت الدراسة أن تشرف اليونيسكو على مدارس الأونروا ويشرف برنامج الأغذية العالمي على توزيع المساعدات الغذائية الإنسانية، وتشرف منظمة الصحة العالمية على المرافق الصحية التابعة للأونروا، على أن تقوم مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة بالعمل على توطينهم بالدول المضيفة أو في دولة ثالثة ونزع صفة اللاجئ عنهم.
كما دعت الدراسة إلى تغيير المناهج الدراسية التي تعتمدها مدارس الأونروا، بحجة أنها تدعو إلى معاداة السامية وتحث على مقاومة الإحتلال.
كما كشفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” الصادرة باللغة الإنكليزية عن خطة وضعتها وزارة الخارجية (الإسرائيلية) من ثلاث مراحل تهدف إلى شطب الأونروا وأحالت هذه الخطة إلى الحكومة للعمل بموجبها وهي تشمل على:
1- الادّعاء بالقبض على مجموعة من الأشخاص تزعم أنهم شاركوا في عملية طوفان الأقصى.
2- شنّ أوسع حملة تحريض ضدّ الأونروا ودعوة الجهات المانحة لوقف تمويلها.
3- تتولى الولايات المتحدة قيادة أوسع حملة مع حلفائها، لتجفيف مصادر تمويل وكالة الأونروا وتعطيل برامجها، وشلها، وبالتالي اعتبارها في عداد المنحلة.
وهذا يثير تساؤلات عدة حول دلالات توقيت طرح هذه الخطط. خاصة مع إحكام الصهيونية الدينية على مراكز القرار الإسرائيلي وإعطاء الأولوية للاستيطان والضمّ وفتح الباب مجدّداً على مخاطر تهجير جديدة ونكبة أخرى للشعب الفلسطيني، وسط محاولة إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني؟ وطرح بدائل تشكل خطراً على اللاجئين الفلسطينيين ووكالة الأونروا، التي تتعرّض لابتزاز المموّلين وهذا يستدعي التصدي لمحاولات تفكيكها، خاصة أنها تعدّ الشاهد القانوني والسياسي على الحق التاريخي للاجئين في العودة إلى ديارهم.
ويعود إصرار الاحتلال الصهيوني وداعمه الأميركي على استهداف الأونروا، والسعي إلى تقويضها كلياً، أو تغيير طبيعتها ودورها بالحدّ الأدنى إلى أسبابٍ عديدةٍ أهمّها أنها:
1- وكالة أممية: تأسّست بناء على قرارٍ أممي، تجدّد الجمعية العامة للأمم المتحدة ولايتها دورياً، غالباً كلّ ثلاث سنوات، لذا فهي وكالة أممية تعيد تذكير دول العالم أجمع بالمأساة الفلسطينية، وبحجم الظلم المرتكب بحق شعب فلسطين، وبمسؤولية الاحتلال عنهما.
2- التنصل من تطبيق القرار 194 حيث يسعى الاحتلال الصهيوني إلى التنصل من تطبيق القرارات الدولية المعنية بحقوق شعب فلسطين، وفي مقدمتها القرار 194، الذي ينص صراحة على “وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم”.
3- تقويض الأونروا يساهم في تلاعب الاحتلال بتعريف اللاجئ الفلسطيني، استناداً إلى تعريف اللاجئ في ميثاق اللاجئين 1951، بدلاً من اعتماد تعريف الأونروا للاجئ الفلسطيني.
حيث تعرّف وكالة الأونروا اللاجئين الفلسطينيين بـ “أنهم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو/ حزيران 1946 ومايو/ أيار 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948… إنّ أبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمتحدّرين من أصلابهم مؤهّلون أيضاً للتسجيل لدى الأونروا، أيّ شمل تعريف الأونروا للاجئ الفلسطيني أبناء اللاجئين والمتحدّرين من أصلابهم.
كما لا يستثني تعريف الوكالة للاجئ الفلسطيني، اللاجئين الحاصلين على جنسيةٍ أخرى، ما يعني الحفاظ على حق العودة وفق القرار 194. هذا ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين وفق سجلات الأونروا حتى كانون الأول 2020 نحو 6.4 ملايين لاجئ فلسطيني.
وتتعرّض الأونروا اليوم لحملة إسرائيلية شرسة تهدف إلى تفكيكها وإنهاء عملها في رعاية لاجئي فلسطين.
ويشن الاحتلال الإسرائيلي الحملة بناء على مزاعم بأن عدداً من موظفي الأونروا شاركوا في الهجوم، أو أنهم مرتبطون بفصائل المقاومة الفلسطينية، وهي المزاعم التي أخفقت حتى الآن في إثباتها.
وكان المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري قد أعلن في مؤتمر صحافي أن نحو 450 شخصاً من موظفي الأونروا في غزة هم أعضاء في جماعات مسلحة فلسطينية، مما يمثل أكثر من 10% من إجمالي موظفي الوكالة الأممية ممن يعملون بشكل يومي في قطاع غزة.
ولم يلبث أن كشف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهوعن أهداف الحملة، قائلا “الأونروا جزء من المشكلة وليس الحل، وحان الوقت لاستبدالها بكيانات أخرى”، أما مندوب كيان الاحتلال لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان فقال “علينا أن نقضي على الأونروا الآن وإلى الأبد”.
والاتهامات صدرت في وقت كان مدير عمليات الأونروا في غزة هوسكوت أندرسون، الضابط الأميركي المتقاعد، الذي لا يمكن أن يتقاطع مع حركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة.
ومع ذلك استمرت الحملة الإسرائيلية الكاذبة وفق الهدف الذي أعلنه وزير خارجية الإحتلال يسرائيل كاتس الذي قال: إنّ وزارة الخارجية تهدف إلى ضمان ألا تكون الأونروا جزءاً من اليوم التالي للحرب، وأضاف أنه يسعى لحشد الدعم الأميركي والأوروبي وأطراف أخرى لتحقيق هذا الهدف، وقد انساقت بعض الأطراف الدولية وراء الحملة الأميركية الإسرائيلية، في ذروة الحرب والحصار والتجويع والأوضاع الإنسانية المأساوية التي يمر بها شعبنا في قطاع غزة.
مع التأكيد بأنّ هدف الحملة هو تصفية حقوق اللاجئين وفي المقدمة حق العودة، ودور الأونروا لا ينتهي إلا عندما يتحقق حق العودة، ولذلك تشنّ عليها حملة المضايقات ومحاولات التصفية وهذا ما يقلق اللاجئين الفلسطينيين من ما يخطط في العلن والخفاء لتفريغ وكالة الأونروا وتشكيل أجسام دولية بديلة عنها لاستهداف البعد السياسي لقضية اللاجئين من الأطراف المشاركة والداعمة لحرب الإبادة على شعبنا في قطاع غزة مع التأكيد بأنّ استهداف أيّ عنوان من عناوين القضية الفلسطينية كالعودة والقدس وتقرير المصير لن يؤدي إلا إلى اشتعال المزيد من الحرائق، وستفشل كل محاولات استهداف هذه العناوين الرئيسية بفضل صمود أبناء شعبنا ومقاومته.
وما سبق من تصريحات علنية صادرة عن الأميركيين والإسرائيليين يستدعي التحرك لمواجهة ما يُسمّى خطة الاحتلال لليوم التالي للحرب على قطاع غزة، وهي خطة لا تشمل مغادرة الأونروا الأراضي الفلسطينية بل دفع أهلنا أيضاً لمغادرة أرضهم بالتهجير القسري و(الطوعي)، وهذا يحتاج إلى حملة مضادة لفضحهم وكشف نوايا الخطة الأميركية الصهيونية التي هدفها طمس قضية اللاجئين وحق العودة. وهذا يتطلب أيضاً من الأونروا التعاطي الجاد مع قضايا واحتياجات اللاجئين الفلسطينيين وعدم تقليص خدماتها لما في ذلك من تداعيات سلبية على الأوضاع في المخيمات
كما يجب مطالبة المجتمع الدولي بإنهاء جريمة تعليق أو وقف التمويل بدعم ميزانية الأونروا لمواصلة أعمالها وزيادة تقديماتها واعتبار خفض التمويل تماهياً مع العدوان الصهيوني ومطالبة الأونروا بعدم الدخول في أساليب ومشاريع تهدف إلى اختراق المجتمع الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها وعدم تجاوز صلاحياتها والتفويض الممنوح لها للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين وحمايتهم حتى العودة إلى الديار التي هجروا منها قسرا في العام 1948.
*قسم الدراسات المركزي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى