العالم ينتصر لفلسطين
} أحمد عويدات
يبدو أنه صيف ساخن على دولة الكيان وقادته. وشاهد عيان يراه صيف الاندحار للاحتلال لما تلقّاه من ضرباتٍ حتى الآن. فهذا الميدان وهو، بلا شك كلمة الفصل في الصراع، تتحكم فيه المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني. وآخرها وليس أخيرها كانت كمائن حي الزيتون وبيت لاهيا والشجاعية بيت حانون و مخيم جباليا التي أوقعت الجنود الإسرائيليين بين قتيل وجريح وأسير. وصواريخ المقاومة التي تدكّ مقرات قيادة الاحتلال ومستوطناته ومدنه، وعمليات الإسناد للمقاومة التي تحرق شمال الكيان وتضرب عمقه المحتلّ.
وعلى الجانب الآخر، هناك صفعات عابرة للحدود تضرب عميقاً عدوانية القادة الصهاينة، وتضع حداً لغطرستهم ولمشروعهم الاستحلالي القائم على الإبادة والتدمير، وإلغاء وجود شعب ضربت جذوره عميقاً في أرض فلسطين منذ فجر التاريخ. هناك أيضاً من وراء البحار تفوز الدماء الفلسطينية والضحايا من الأطفال والنساء، وبنادق المقاومة بـ 143 صوتاً في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على منح فلسطين صفة العضوية الكاملة في المنظمة الأممية. وهناك من البلد البرتقالي هلّت بشائر مدّعي عام المحكمة الجنائية الدولية لتقديم رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت إلى المحكمة الجنائية بتهم ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين. وصدمة أخرى من محكمة العدل الدولية وقرارها بإلزام «إسرائيل» بوقف فوري لإطلاق النار في رفح، وإيقاف حرب التجويع والترويع ضد الغزاويين من خلال فتح المعابر والسماح بدخول المساعدات. ومن أقصى القارة العجوز المثقلة بالتبعية الأميركية يأتي الاعتراف التاريخي لدولٍ أوروبيةٍ بدولة فلسطين، تعلن فيها النرويج وإسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا انحيازها للحق والإنسان الفلسطيني.
إنه تسونامي الأحرار على امتداد العالم يضرب ركائز العدوان والتطهير العرقي، ومنتهكي حياة الشعوب الآمنة وحقوقهم. يضرب الفاشيين والنازيين الجدد، ويصيب عنصريتهم بمقتلٍ، ويزيح عن كاهل البشرية جمعاء عقوداً من الظلم والذلِّ والإحتكار والتسلط في فرض السياسات.
تسونامي يسقط يافطة فوبيا العداء للسامية. تسونامي يُعرّي ويفضح سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير. تسونامي يضرب رياء ونفاق الأنظمة على الشعوب التي لم تعد ساذجة. تسونامي يعيد تركيب المشهد السياسي العالمي من جديد ويرصف عفوياً اصطفافاً تحررياً لدولٍ عانت من وطأة الاستعمار ونظام الأبارتيد، وانقلابات الإمبريالية وأعوانها.
إنه تسونامي الفلسطيني الهدف. بالتأكيد لم يكن العالم وشعوب الأرض لتقف مع الشعب الفلسطيني لولا تلك البطولات التي سطرتها المقاومة وهزمت من خلالها الجيش المتغطرس الذي «كان لا يُقهر»، ولولا ذاك الصمود الأسطوري لشعبٍ قدّم أكثر من 37 ألف شهيد جلّهم من الأطفال والنساء وما يزيد على 70 ألف جريح و 10 آلاف مفقود ومثلهم معتقلون منذ 7 أكتوبر.
كذلك كانت للصور البشعة التي لم يسبق لها مثيل لمجازر الإبادة الجماعية والإعدامات بدم بارد الأثر البالغ في إثارة المشاعر وإيقاظ الضمائر والوجدان الإنساني. أيضاً إلى جانب ممارسات قوات الاحتلال في التدمير الممنهج لكلّ جوانب الحياة خاصةً للمشافي بعد حصارها وقتل طواقمها ونزلائها من المصابين والمرضى. لم يكن ليحدث هذا التضامن العالمي لو لم يشاهد العالم حرب التجويع والتعطيش، وضرب قوافل المساعدات من قبل المستوطنين المدعومين من نتنياهو ووزراء اليمين المتطرف بن غفير وسموتريتش ووزير «التراث». وكان لصدى تلك المظاهرات الغاضبة واعتصامات وأنشطة طلاب الجامعات الأميركية والأوروبية ونخبها الأثر البالغ في التأثير على مواقف إدارة بايدن وشولتز وسوناك وماكرون المشاركة أو الداعمة بلا حدود ولا شروط لدولة الكيان عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً.
لقد انتصر العالم لفلسطين من خلال الدلالات التالية:
أولاً، قطع بعض الدول علاقاتها مع «إسرائيل» أو سحب سفرائها مثل بوليفيا وكولومبيا وتشيلي والبرازيل احتجاجاً على ممارسات ومجازر دولة الإرهاب.
ثانياً، مقاطعة الجماهير على امتداد العالم للمنتجات والبضائع الإسرائيلية وللشركات الداعمة للاحتلال؛ مما أصاب اقتصادها بالخسائر الفادحة وتراجع بعضها عن دعم الكيان.
ثالثاً، دعم الكثير من الدول للشعب الفلسطيني عبر الهيئات والمنظمات الدولية مثل اليونسكو واليونسيف والصليب الأحمر وأطباء بلا حدود ومنظمة حقوق الإنسان ومنظمة الصحة العالمية والأونروا التي عانت من قطع الدعم المالي ومؤامرة إنهاء خدماتها من قبل دولة الاحتلال.
رابعاً، الاعترافات الدولية المتتالية بدولة فلسطين وآخرها وليس أخيرها إيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا تمهيداً لاعتراف دول أخرى عديدة من أوروبا.
خامساً، القرارات التاريخية لمحكمة العدل الدولية والتي وجّهت لـ «إسرائيل» ولأول مرة تهمة ارتكاب الإبادة الجماعية وطالبتها باتخاذ إجراءات احترازية لحماية المدنيين ووقف فوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات ووقف سياسة التجويع والترويع.
سادساً، قرار مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لتقديم رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو ووزير حربه إلى المحكمة الجنائية بتهم ارتكاب جرائم حرب، وهذه سابقة خطيرة لم يعهدها قادة الكيان؛ مما يعني أنّ هذه الدولة المارقة لم تعد فوق القانون، وأنّ قادتها مجرمو حرب.
سابعاً، مرافعات نيكاراغوا وجنوب أفريقيا وانضمام دول أخرى إليها نصرةً للحق الفلسطيني وضد داعمي الكيان بالسلاح ومبرري جرائم الإبادة الجماعية له.
ثامناً، التضحية ذات المعاني الكثيرة والسامية التي أقدم عليها الطيار الأميركي آرون بوشنيل احتجاجاً على دعم إدارة بايدن للعدوان على غزة وهتافه الأخير «فلسطين حرة»؛ الأمر الذي أجّج الشارع الأمريكي والجامعات وما نتج عن ذلك من استقالات لأكثر من عشرة مسؤولين من البيت الأبيض والبنتاغون والخارجية.
تاسعاً، مساندة الشعوب الإسلامية والعربية وأحرار العالم بإقامة فعاليات ومسيرات وأنشطة مناهضة للاحتلال وداعميه ومقاطعة فعاليات داعمة له.
عاشراً، مساندة المقاومة في اليمن ولبنان والعراق وسورية ميدانياً، واستهداف السفن الإسرائيلية وتلك المتجهة إلى الكيان، وضرب مواقعه في العمق.
إنّ الدلالات الآنفة الذكر ستؤسّس حتماً للانتصار الفلسطيني؛ لأنه انتصارٌ للحق والحرية والعدالة وتقرير المصير. إنه انتصارٌ للسلام العالمي وكسرٌ لشوكة العدوان وداعميه عبر القارات، وضربٌ لمرتكزات مشروع الصهيونية التوسعي الاستحلالي والإجلائي العنصري، إنه انتصارٌ للبشرية جمعاء.
فهل سيوقف هذا الانتصار وهذا التضامن والتآزر والمساندة الحرب في غزة؟!