حرب الشيطان لإنقاذ الكيان الصهيوني
} وفاء بهاني
على مرّ العصور شكلت السياسة الأميركية داعماً أساسياً للكيان الصهيوني بل انّ قرارات الإدارات الأميركية المتعاقية بجناحيها الجمهوري والديموقراطي أساساً متيناً لاستمرار هذا الكيان ومنهجيته العدوانية فأميركا التي ترفع حقوق الإنسان والحريات شعارها هي أكثر من تلطخت أيديها بدماء الشعوب وتاريخها حافل بالمجازر التي ترتكب خاصة بالشرق الأوسط، اليوم تعمد الولايات المتحدة على تقديم كامل الدعم للكيان الصهيوني المغتصب على مدار الأشهر السابقة بقمع الأحرار بالجامعات المطالبين بالتوقف عن مساندة الكيان الصهيوني ومدّه بالسلاح ها هنا الآن يخرج لنا بايدن ليلعب دور الوسيط.
فهذا المقترح الذي بُني على ثلاثة مراحل لإيقاف الحرب الذي طرحه بايدن يبدو بشكل واضح من يعلم سياسة أميركا أنّ الهدف منه إنقاذ الأسرى بعد فشل الكيان الصهيوني بمعداته الحديثة وجنوده المسلحة من استعادتها، وتكبّدهم الخسائر الفادحة على مرأى ومسمع من العالم أجمع، يبدو من الوهلة الأولى هو مقترح معدّ بالتنسيق بين الكيان ومسؤوليه والإدارة الأميركية، والدليل قول بايدن إنّ الكيان الصهيوني هو من قدّم مقترحاً شاملاً لإيقاف الحرب، فارتجافهما وضعف الموقف لم يستر ألاعيب أميركا المعتادة هذه المرة.
على الرغم من أنّ هذا المقترح سبق وتمّ طرحه بالفعل أو ربما مقترح مشابه له من قبل الوسطاء العرب سواء مصر أو قطر إلا أنّ الكيان الصهيوني رفضه شكلاً وتفصيلاً، لظنه أنّ استخدام قوة السلاح وإرهاب المدنيين والتضييق على المقاومة في رفح سيجعله يستعيد أسراه بل بات الأمر بالفشل وخسار العدة والعتاد، ولذلك هما مغلوبان على أمرهما هذه المرة ولكن كونه مقترحاً أميركياً يتمّ تحريف بعض البنود به وتغييرها قليلاً يهيأ لهم أنهم اليد العليا أو أنهم أصحاب الموقف القوي.
إنّ الخروج بهذا المقترح الأميركي الذي تمّ التنسيق مع قيادات بالكيان على خروجه بهذا الشكل ورقة ضغط على نتنياهو، وذلك لأنه لا يسمع إلا نفسه فقط، ويخوض هذه الحرب بشكل شخصي أو بناء على طموح شخصية وأهداف ومصالح يضعها فوق مصلحة الكيان، وهو رغبته في أن يقضي بشكل كامل على حماس وحركة المقاومة حتى لا يتكرّر ما حدث بالسابع من أكتوبر مرة ثانية.
هذا الأمر جعل الكثير من القيادات الصهيونية التي ترغب بالضغط على نتنياهو والتي تمثل في قيادات الأحزاب أن تقوم بإبرام هذا الاتفاق مع الحكومة الأميركية كي تكون ورقة الضغط الأقوى ليرجع نتنياهو عن استكمال الحرب بشكل كامل وإتمام الصفقة.
الحقيقة المؤكدة على الرغم من صياغة الأكاذيب، والألاعيب، ونشر وإطلاق العناوين البراقة عبر وسائل الإعلام سواء العبرية أو الغربية أنّ الجيش الصهيوني يحقق انتصار وتقدّم في معركة رفح أنّ أميركا والقيادات الصهيونية تيقنت أنه لا يمكن القضاء على المقاومة، ولا يمكن إرجاع الأسرى بدون تفاوض فلغة النار لا تزيد المقاومة إلا شدة وصلابة، ولذلك أطلق هذا المقترح ليكون ورقة ضغط من أميركا على نتنياهو للموافقة.
لم تعد هذه الورقة الوحيدة التي يتمّ الضغط بها على نتنياهو كي يوقف الحرب، بل الانقسام الداخلي الذي وصل لحالة الغليان، ومظاهرات أهالي الأسرى هي ورقة الضغط القوية الأخرى التي ستكون فيصلية لقبول المقترح وإيقاف الحرب.
هذه المبادرة والحلّ المقترح من قبل أميركا ألقى الكرة في ملعب المقاومة، فهو اقتراح مليء بالألاعيب وإذا رفضته المقاومة سيكون بمثابة الفرصة التي ينتظرها نتنياهو كي يكمل هذه الجرائم والإبادة التي يقوم بها في رفح، فبشكل عام إذا نظرت إلى هذا المقترح سيبدو لك بمثابة الحلّ الأمثل للسلام في المنطقة ولكن هو بمثابة دسّ السمّ في العسل.
فالتفاصيل بها الكثير من المكائد والعديد من الأفخاخ، فالمبادرة تتحدث عن السلام المستدام والهدوء ولكن لم يذكر عبرها بالفعل إنهاء تاماً لحالة الحرب، كما أنّ الأسابيع الستة الأولى التي تمثل المرحلة الأولى والتي سيتمّ خلالها إطلاق الأسرى الصهاينة، إذا حدث فيها أيّ خرق للهدنة من قبل أيّ فصيل من الفصائل الفلسطينية سواء بالرشقات الصاروخية أو غيرها سيكون هناك فرصة لنتنياهو أن يرفض هذا المقترح بشكل كامل، وبالتالي سيكون هو الفائز، سيكون حصل على عدد كبير من الأسرى يمكن عبره تهدئة الأوضاع الداخلية، وبالتالي فرصة أن يكمل حربة الغاشمة على مدنيّي غزة.
ليست هذه هي الثغرات الوحيدة التي توجد في المبادرة بل تتضمّن الكثير، والتي أهمّها أنه لم يتمّ الحديث عن حلّ الدولتين، كما أنه لم يتمّ الحديث عن آليات الانسحاب أو مناطق الانسحاب، بل ذكر أنه سيتمّ الانسحاب من المناطق المأهولة بالسكان، والعديد من النقاط الأخرى التي تدعو المقاومة إلى التدقيق والحرص التام أثناء دراسة هذا المقترح.
إنّ القضاء على حماس هو نية الاتفاقات الأميركية الصهيونية، ولكن تبقى ورقة الأسرى هي نقطة القوة التي تمتلكها المقاومة، والصمود هو سبب أساسي في طأطأة رؤوسهم، ولذلك تصعيد المظاهرات والانقسام الداخلي الصهيوني هو الذي دفع بالفعل الكيان وأميركا إلى البحث عن طريقة لاستعادة الأسرى، ومن ثم استكمال الحرب الغاشمة.
الاتفاقيات والمفاوضات دوماً بسبب ألاعيب أميركا ومماطلة الكيان الصهيوني تكون نهايتها لا شيء بالنسبة إلى الفلسطينيين، والدليل اتفاقية أوسلو الغلطة التي دفع ثمنها الفلسطينيين وسنستمر لدفع ثمنها سنوات، فقد كانت تنص على إقامة دولة فلسطينية في غضون خمس سنوات، وها هنا نحن الى اليوم ولم يتحقق الاتفاق، الأمر الذي يجعلنا نفكر مراراً وتكراراً في كل جزء في هذه المبادرة التي تبدو بظاهرها في صالح الجميع ولكن عند التعمّق فيها نجد أنها تُرسم من أجل تمكين الصهاينة من الأسرى والمقاومة، فإذا ماتت وانتهت المقاومة ماتت الحرية والأمل.