أولى

لا جديد في المبادرة الجديدة

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
لم يقدم الرئيس الأميركي شيئاً جديداً أو مهماً في خطابه يوم الجمعة الماضي عندما أعلن عن خطة خريطة طريق قال إنها جديدة لإنهاء الحرب الدائرة في غزة، فيما لم تكن تلك الخطة الا صياغة جديدة للمبادرات السابقة التي كانت تأخذ في حسبانها مصلحة العدو أولاً.
قال الرئيس الأميركي بايدن إن خطته هذه ذات منشأ (إسرائيلي) مما يشير إلى أن ما سبقها من مبادرات مصرية او قطرية هي من المنشأ ذاته أيضاً وإن تعرّضت هذه المرة لقليل من الحذف والإضافة، ولكن دون المساس بجوهرها.
لكن رئيس حكومة الاحتلال كان قد سارع بالتأكيد وبعد الخطاب عن ثوابت حكومته وعن شروطه لإنهاء الحرب التي لا زالت كما كانت ولم تتغيّر، تبدأ هذه الشروط بتدمير المقاومة وإطلاق سراح (الإسرائيليين) الذين أسرتهم المقاومة في مطلع الحرب أو أثناءها بالقوة ودون قيد أو شرط، وإعادة تشكيل قطاع غزة بتفريغ شماله من السكان والمباني والمزارع والبيارات ولضمان عدم وجود تهديد لسكان غلاف غزة الذين هجّرتهم الحرب في المستقبل. تفيد هذه الشروط التي عاد نتنياهو لتأكيدها أن خطة خريطة الطريق التي أعلنها الرئيس الأميركي هي من خارج صندوق الحكومة الحالية ويعود منشؤها إلى جهات (إسرائيلية) غير حاكمة ولكنها قريبة من الإدارة الديمقراطية.
من دواعي الإعلان عن خطة خارطة الطريق الإسرا-أميركية هذه بالدرجة الأولى ما يتعلق بالوضع الحرج للرئيس بايدن في سباقه مع خصمه الجمهوري ترامب في السباق نحو الفوز بالرئاسة من جديد، ومنها دواعٍ (إسرائيلية) تتعلّق بالرغبة الأميركية بالخلاص من نتنياهو وفريقه لصالح من هم أكثر انسجاماً مع الإدارة الديمقراطية في واشنطن من أمثال قادة المعارضة بيني غانتس ويئير لبيد، ومن الدواعي الإقليمية أن الجزائر قد أخذت بطلب محكمة العدل الدولية بوقف معركة رفح وتنوي طرحها للتصويت في مجلس الأمن الأمر الذي سيواجه حكماً بالفيتو الأميركي، ولكن بوجود خطة خريطة الطريق الأميركية البديلة.
الغرب عموماً والنظام العربي الرسمي تلقف المشروع الأميركي وأيّده دون قيد أو شرط (دون حذف أو إضافة)، إلا أن طرفي المعادلة وهما المقاومة والحكومة (الإسرائيلية) كان لهما رأي آخر. فقد عاد نتنياهو ليقول أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست: لم أوافق على المقترح الأميركي بوقف الحرب وإني أرى أنه مقترح ناقص ومجزوء وفيه كثير من التفاصيل التي تعمّد الرئيس الأميركي بايدن إخفاءها وكان عليه نشرها بوضوح. أما المقاومة فتقول إنها سمعت بالخطاب من خلال الإعلام والفضائيّات فقط ولم تتلقَّ أي ورقة مكتوبة منذ السادس من أيار الماضي تاريخ تقديم الورقة القطرية المصرية، وتضيف أن لا تبادل للأسرى دون نص واضح بوقف الحرب والانسحاب الكامل وأن حكومة الاحتلال تريد الاكتفاء بالمرحلة الأولى التي تضمن إطلاق سراح (الإسرائيليين) ثم العودة للحرب وهو ما لن يحصل. فالمقاومة أقوى من أن تخضع وأذكى من أن تخدع.
بالميدان كان الردّ الإسرائيلي بتصعيد الحرب وارتكاب مزيد من المجازر في غزة، وتطوير آليات الهجوم على الضفة الغربية بالاجتياحات والاعتقالات والاغتيالات ومصادرة الأراضي ونصب الحواجز التي تقطع أوصال ما تبقى من الوطن الحزين، وهي لا تترك مجالاً حتى للسلطة الفلسطينية التي بدورها حاولت التخفيف من وطأة الاحتلال عليها برفع منسوب هجومها على المقاومة ومحورها الأمر الذي لم يقدّره له الاحتلال فقام بحجز أموال المقاصة الضروريّة لاستمرار عملها الضعيف. ثم ذهب للتصعيد على جبهة الشمال التي أصبحت وكأنها تعد الدقائق بانتظار المنازلة الكبرى بين الاحتلال والمقاومة اللبنانية.
لا زالت طريق الحرب طويلة، ولا زالت أطرافها تملك القدرة على المضي قدماً. وهي معركة كلما طالت أوقعت بنا مزيداً من الآلام والأوجاع والخسائر، ولكنها تراكم نقاطاً في حساب الانتصار النهائي.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى