نار الشمال وجحيم الكيان
} شوقي عواضة
بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000، وخلال جولة للفنان القدير دريد لحام في جنوب لبنان برفقة قيادي في حزب الله، تقدّم شابٌ أسمر وقام بمصافحته من دون أن يعرفه، وبادره بالقول «إنت قلت بمسرحية «كاسك يا وطن» إنو لبنان احتلّ (شمال إسرائيل)، وهيدا الشي رح يصير وتسمع فيه». حينها لم يعرف دريد لحام أنّ هذا الشّاب هو القائد الجهادي عماد مغنية إلّا بعد استشهاده. اليوم وبعد 24 عاماً نستذكر مقولة القائد المقاوم لا بل ونراها وعداً بدأت تترجمه المقاومة على أرض الواقع في الجنوب.
هي حقيقة يؤكّدها قادة العدوّ السياسيّون والعسكريّون وتبرزه وسائل إعلام العدو الاسرائيلي، بالرّغم ممّا يفرضه جيش العدو من رقابة وتكتم على ما يحدث في الجبهة الشّمالية حيث استطاعت المقاومة الاسلامية فرض معادلاتٍ جديدة ورسم مسارٍ تصاعديٍّ رادع للمواجهة مع العدو الإسرائيلي وفقاً للآتي:
1 – على المستوى العسكريّ اتساع بنك الأهداف للمقاومة داخل فلسطين المحتلّة ودقّتها وأهميتها وتدمير منظومة الرّدع الصهيونيّة وإظهار عجزها عن مواجهة صواريخ المقاومة ومُسيّراتها.
2 – نجاح المقاومة استخباريّاً وأمنيّاً في خرق منظومات العدوّ الاستخباريّة واستهداف عدد كبير من المواقع والمراكز والتّجمّعات المستحدثة لجنود العدو وآلياته.
3 – نسف إجراءات العدوّ الاسرائيلي الاحترازيّة وحظره الإعلامي من خلال كسرها بنشر الإعلام العربي لهزيمة العدوّ بالصّوت والصورة.
وفقاً للمعطيات الثّلاثة فإنّ الحديث عن إقدام العدوّ على شنّ عدوانٍ على لبنان ليس سوى فقاعات تطلق في الهواء خاصّة بعد فشله في عدوانه على غزّة المحاصرة منذ عشرين سنة وعلى مقاومتها التي باتت تخوض مواجهاتها على مدى ثمانية أشهر دون أن يحقّق العدو أيّ هدفٍ. والسؤال الذي يطرح نفسه هو انّ (الجيش الذي لا يُقهر) هزم في غزّة فأيّ نصر سيحققه على جبهة الشّمال؟ سؤال يجيب عليه قادة وساسة العدو وإعلامه إجابة واضحة لا لبس فيها ومن ضمن تلك الإجابات ما تناقلته وسائل إعلام العدو مشيرة إلى أنّه من الواضح أنّ القبّة الحديدية لم تعد تنفعنا في مواجهة صواريخ حزب الله. صحيفة «معاريف» نقلت عن الجنرال المتقاعد إسحق بريك الملقب «نبي الغضب الاسرائيلي» الذي تنبّأ بطوفان الأقصى حيث كتب تحت عنوان يجب قول الحقيقة للجمهور، الكارثة التي ستحلّ بنا إذا فتحنا حرباً في الشّمال.
أمّا صحيفة «معاريف» فقد أشارت إلى أنّه بعد ثمانية أشهر من الحرب، باتت الصّورة أوضح عند الحدود الشّمالية، والنتيجة هي إطلاق صواريخ كلّ ساعة، ومائة ألف لاجئ إسرائيلي، وتدمير أحياء وشوارع ومستوطنات على طول الحدود، وانهيار الاقتصاد في الشمال وإقامة منطقة قتال داخل أراضي «إسرائيل»، وهذا بعكس المفهوم الأمنيّ الاسرائيلي.
أمّا قائد الفيلق الأركاني السابق في جيش العدو الاسرائيليّ اللواء في الاحتياط، غرشون هكوهين: «نحن في حرب على كلّ أرض «إسرائيل»، من أقصاها إلى أقصاها، والحرب في الشّمال أيضاً. نحن منفعلون جداً وبحق، لأنّ حزب الله بكفاءةٍ عاليةٍ يقوم بإذلالنا وهذا فنٌّ عظيمٌ لأشخاص مثل (السيّد) نصر الله».
هزيمة أكّدها اللواء احتياط في جيش العدوّ الاسرائيلي، يفتاح رون طال: الواقع الحالي في الشّمال هو عار، إنه واقع لا يطاق. لا يوجد هنا أقلّ من الإهانة التي تدوس تقريباً على بقايا الردع، الذي بقي لدينا. هناك تأثيرٌ قوي جداً لما يحدث في غزّة على الشّمال. هذا واقعٌ مجنونٌ، حزب الله يقيم منطقة أمنيّة ولكنّها داخل دولة «إسرائيل» وكلّ من يزور الشّمال يفهم ما أتحدّث عنه، إنّها منطقة حرب مهجورة ومحترقة.
صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبريّة نقلت عن يوآف زيتون قوله إنّ الحادث الخطير الذي وقع بعد ظهر الأربعاء في «الكوش»، والذي قُتل فيه جنديٌّ إسرائيليّ، أثبت إلى أيّ مدى نجح حزب الله في الأشهر الثمانية الأخيرة في تحويل الجليل ليس فقط إلى أرضٍ مهجورة من قبل سكانه، بل أيضاً إلى مختبر بحث وتطوير للأسلحة، لتصنيع أسلحةٍ دقيقةٍ وفتّاكةٍ استعداداً لمواجهةٍ واسعةٍ مع «إسرائيل».
صحيفة «هآرتس» العبريّة: دعت إلى عدم تصديق رئيس الأركان هرتسي هاليفي، الفذي يعيش في «لالا لاند»، الجيش الإسرائيلي و»إسرائيل» ليسا مستعدين لحربٍ حقيقيةٍ في لبنان، التي قد تؤدّي إلى دمارٍ هائلٍ في الجليل وإلى هجماتٍ بالصّواريخ والطائرات المسيّرة على حيفا ووسط «إسرائيل».
على المستوى السّياسي فقد أعلن رئيس المعارضة في الكيان الصّهيوني يائير لابيد: إنّ ما يحترق ليس الشّمال فقط، بل الرّدع الاسرائيلي والشّرف الاسرائيلي أيضاً، لقد تخلّت الحكومة عن دولة «إسرائيل» ويجب استبدالها».
أمّا مفوّض شكاوى الجنود السابق اللواء إسحاق بريك: مئات من الإعلاميين الذين يخدمون المتحدّث باسم الجيش الاسرائيلي يعملون على تعزيز صورة الجيش في عيون الجمهور وإخفاء الحقيقة عن أعينهم.
مضيفاً: هناك مطالبات من رؤساء المستوطنات الشّمالية بأن يتحرّك الجيش الإسرائيلي لمهاجمة حزب الله، المشكلة هي أنّ رؤساء المستوطنات يجهلون الوضع المزري للجيش الاسرائيلي وعدم قدرته على تحقيق النتيجة المطلوبة.
على ضوء ذلك فإنّ كيان العدوّ المتهالك والمهشّم لا يحتمل أيّ تصعيد وليس لديه القدرة لمواجهة حزب الله في لبنان فللجبهة الشمالية حساباتٌ مختلفةٌ تظهر بعجز جيش العدوّ عن سيطرته على الجبهة الشّمالية الآن فما حاله إذا اتسعت بقعة صواريخ ومسيرات المقاومة.