التهدئة لم تنضج ظروفها بعد
ناصر قنديل
لسنا بحاجة للنظر من موقعنا المؤيد للمقاومة كي نرى أن الظروف لم تنضج بعد لتسوية تحقق التهدئة. فمن أي موقع ينظر المراقب يستطيع أن يرى أن المسافة القائمة بين المواقع المتقابلة لا يمكن ردمها من خلال التذاكي على طريقة الرئيس الأميركي جو بايدن. فالمقاومة التي تعرف حجم التضحيات التي قدّمها شعبها، وتعرف حجم قوة جناحها العسكري وقدرته على الصمود ومواصلة القتال، وتعرف ما يصيب الكيان وجيشه وبيئته الداخلية وعلاقاته وسمعته في الخارج، ليست على الإطلاق بوارد القبول باتفاق لا ينصّ صراحة وبوضوح لا لبس فيه على انه اتفاق لإنهاء الحرب وفك الحصار وتحقيق الانسحاب الشامل من قطاع غزة، وبدء إعادة الإعمار. ومعادلة المقاومة في تبادل الأسرى واضحة، لإنهاء ملف الأسرى مقابل إنهاء ملف الحرب، بالأهمية والوضوح ذاتهما في النص وبالتزامن في التنفيذ، وبالمقابل فإن قيادة الكيان وعلى رأسها بنيامين نتنياهو لم تنضج بعد لإعلان نهاية الحرب وهي تعلم أن هذا الإعلان هو إعلان فشل، حيث لم يتحقق شيء من الأهداف، وعودة الأسرى سوف تتمّ وفق صفقة تبادل كان يمكن لو جرت قبل ثمانية شهور بإعلان مشابه لوقف الحرب أن تضمن عودة الأسرى أحياء جميعاً، والإعلان الآن يعني الفشل في القضاء على حماس، التي سيكون أول مترتبات انهاء الحرب عودتها الى مكانتها في السلطة والميدان في قطاع غزة، حيث لا يقبل الشعب عنها بديلاً، كما تقول استطلاعات الرأي التي يعرف الجميع نتائجها، ويعلمون أنها أجريت على أيدي جهات ليست تابعة لحماس، ولا تروّج لحماس.
حاول الرئيس الأميركي ويحاول، أن يجنب كيان الاحتلال الحمل الثقيل للفشل بإعلان نهاية الحرب، عبر تقديم بديل هو اعتبار كلامه عن أن الاتفاق ينهي الحرب كافياً، وتنظيم حملة ضغوط على حماس يريد عبرها دفع حماس للقبول، والحصيلة هي الفشل، وسوف يتكرّر الفشل، ولسان حال حماس، اذا كان كلامنا عن النظر بإيجابية لموقف الرئيس الأميركي يوصف بأنه كلام من هنا وهناك، يريدون بدلاً منه موافقة صريحة رسمية على صيغة اتفاق لا تحقق مطالب المقاومة وشعبها، فكيف يريدون منا أن نقبل كلاماً من هنا وهناك عن وقف الحرب ولو كان القائل رئيس أميركا، ويرفضون تضمينه بصورة رسمية في الاتفاق، ثم كلام المقاومة لا تغيّر فيه انتخابات بعد شهور كما هو حال الرئيس الأميركي الذي قد يفشل في الانتخابات ويخلفه رئيس يقول إن كلام سلفه ذهب معه كما سبق وفعل بما هو أهم، فانسحب من اتفاق رسمي مبرم ومصادق عليه من مجلس الأمن الدولي، وفي مجلس الأمن الدولي لم تنفع حملة العلاقات العامة التي أجراها الوفد الأميركي بالتلاعب بعقول روسيا والصين لقبول تمرير قرار يتحدث عن دعم اتفاق بين طرفين أحدهما هو بنيامين نتنياهو يصف ما قاله الرئيس الأميركي بغير الدقيق وينكر أنه كلامه، كما يقول الأميركيون. وبالتالي هو ليس طرفاً في ما يُسمّى بالاتفاق، ويطلب القرار الضغط على الطرف الثاني أي حماس لقبول اتفاق يفترض انها طرف فيه، والحصيلة أن الحملة الأميركية تبوء بالفشل، وتنجح بأحسن الأحوال بتحريك الجو التفاوضيّ.
بالمقابل تقول موازين القوى إنه لم يبق بيد كيان الاحتلال وجيشه أي هوامش يمكن القيام بها لتحسين الوضع الميدانيّ. فالفشل في معركة رفح هو الذي حرّك بايدن، بعد شهر على بدئها، وشهور على الترويج لها أنّها المعركة الفاصلة التي تغير وجه المعادلات. وعلى جبهة لبنان تقول واشنطن عبر وزارة الخارجية إن حرباً إسرائيلية على لبنان لاستعادة بعض ماء وجه معادلات الردع وصورة الجيش والحكومة أمام المستوطنين المهجرين، تشكل خطراً على مستقبل “إسرائيل” وأمنها. ويعلم الأميركي كما يعلم الاسرائيلي، أن الحديث عن الحرب شيء والذهاب إليها شيء آخر، وأن من يقدر على خوضها هو الذي لا تزال قوته الصافية خارج الميدان، وليس مَن استهلك كل احتياطاته السياسية والعسكرية والمعنوية والبشرية والتسليحية، وهذا هو الفارق بين المقاومة في لبنان وجيش الاحتلال، وبمن سيخوض الحرب الكيان، بالجيش المهزوم في غزة وكتائبة الممزقة، وألويته المتهالكة؟
انسداد طريق الحرب بالنسبة للكيان، يعني أن الخط البياني الذي يشق طريقه خلال ثمانية شهور بانتظام سوف يكمل مساره حتى نقطة اللاعودة. وهذا الخط البياني يقول بانحدار متواصل لمؤيدي الحرب في الرأي العام، من 94% الى 27%، وتزايد الصدوع في المجتمع السياسيّ، وفقدان الجيش قوة الاندفاع بأكثر من 50% على مستوى القدرات البشرية والروح القتالية والمعدات والعتاد والآليات والذخائر والأسلحة، وفقدان الاقتصاد للكثير من عناصر قدرة الصمود، مع زراعة وصناعة مصابتين في الصميم شمالاً وجنوباً واستثمارات تفقد 70% من حجمها، وتجارة تتراجع بنسبة 42% واستهلاك يتراجع بنسبة 27%، والمسار الطبيعي لفعل هذه العناصر هو إنضاج الكيان لقبول إعلان نهاية الحرب، مع نتنياهو أو بدون نتنياهو، بعد أسبوع أو بعد شهر أو أكثر.