مقالات وآراء

اشتداد ضربات المقاومة شمالاً يعمّق مأزق العدو ويقوّي الموقف التفاوضي الفلسطيني

‭}‬ حسن حردان‬

تشهد جبهة المفاوضات معركة حقيقية، تؤشر إليها تصاعد الضغوط الأميركية لفرض المقترح «الإسرائيلي» على المقاومة الفلسطينية من دون أيّ تعديل، لكن قيادة المقاومة ردّت بحزم برفض قبول ايّ اتفاق ما لم ينص بوضوح على وقف شامل للعدوان والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة.. وفيما كان وزير حرب العدو يوآف غالانت يهدّد ويقول انّ المفاوضات تجري تحت النار الإسرائيلية، كانت نيران المقاومة في جنوب لبنان تضرب بقوة مواقع جيش الاحتلال في مستعمرة الكوش شمالاً باعثة رسائل بالنار تدعم بها موقف المقاومة الفلسطينية في المفاوضات حول شروط تبادل الأسرى.. وتؤكد في الوقت نفسه على جملة من الرسائل التالية:
أولاً، امتلاك المقاومة قدرة متزايدة على معرفة حركة قوات الاحتلال وأماكن تموضعها واختيار التوقيت المناسب لتوجيه الضربات القاتلة لضباط وجنود العدو، في، سياق الردّ بقوة على الاعتداءات الإسرائيلية، واستمرار المقاومة في دعم وإسناد غزة ومقاومتها البطلة في مواجهة حرب الإبادة الصهيونية الأميركية…
ثانياً، حيازة المقاومة على إمكانيات عسكرية وقدرات قتالية تمنع العدو من استعادة زمام المبادرة وقوته الردعية المتاكلة باستمرار، خصوصاً بعد نجاح أنواع محدّدة من صواريخ المقاومة ومُسيّراتها الانقضاضية في تحقيق جملة من الأهداف العسكرية التالية:
الهدف الأول، إشعال الحرائق في المستوطنات الصهيونية على نحو غير مسبوق مما آثار الهلع والفزع وسط المستوطنين، وجعلهم في حالة من الإحباط، وعدم الثقة في قدرة جيشهم في ردع حزب الله، وتوفير الحماية لهم.. واستطراداً عدم قدرته على إعادتهم إلى مستوطناتهم التي نزحوا عنها وتحوّلوا إلى لاجئين في مخيمات نصبت لهم لأول مرة منذ احتلالهم أرض فلسطين وإقامة كيانهم الغاصب عليها..
الهدف الثاني، تدمير أجهزة المراقبة والإنذار للعدو مما أسهم في إعماء عيونه الأمنية، فيما أكملت المقاومة هذه المهمة في إسقاط أحدث طائرة مُسيّرة للعدو من نوع هرمز 900، التي زجّ بها لتكون بديلا له لمراقبة حركة المقاومين..
الهدف الثالث، فرض منطقة أمنية على طول الحدود مع لبنان داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأول مرة في تاريخ الصراع بين المقاومة وجيش الاحتلال.. مما دفع صحيفة هآرتس إلى القول: «الجيش الإسرائيلي يدخل مرحلة فقدان السيطرة على الحدود مع لبنان».
ثالثا، ردّ المقاومة على تهديدات القادة الصهاينة بشنّ الحرب على لبنان وإحراق بيروت إلخ… بتوجيه ضربة قاسية لجيش الاحتلال في مستعمرة الكوش وقتل وجرح العديد من ضباطه وجنوده، إلى جانب الكشف عن بعض قدراتها المخبأة باستخدام صواريخ دفاع جوي ضدّ الطائرات الحربية الصهيونية التي كانت تروّع المواطنين بخرقها المستمرّ لجدار الصوت، وإجبارها على مغادرة أجواء الجنوب، في رسالة بالغة الدلالة عن امتلاك المقاومة أسلحة متطورة وذات فعالية كبيرة سيجري استخدامها في ايّ حرب واسعة يقرّر العدو شنها ضدّ لبنان، ستغيّر مجرى الحرب إلى جانب الصواريخ الدقيقة التي تستطيع الوصول إلى أي نقطة في فلسطين المحتلة.. ما يجعل فلسطين كلها من الشمال إلى أقصى الجنوب مروراً بالوسط، ساحة حرب حقيقية لم يشهدها كيان الاحتلال من قبل، وهو ما دفع الصحافة الإسرائيلية ومراكز الأبحاث في كيان العدو، وجنرالات حرب سابقين وحاليين إلى التحذير من مخاطر الإقدام على شنّ الحرب الواسعة ضدّ لبنان على الداخل الإسرائيلي.. حيث قالت صحيفة هآرتس في هذا السياق: «… من يطالب باحتلال جنوب لبنان وهزيمة حزب الله عليه ان يأخذ التداعيات الآتية بالحسبان: العبء على القوات النظامية والاحتياط، التي تآكلت بعد القتال الطويل، والحاجة إلى كمية كبيرة من السلاح الدقيق لتنفيذ خطط الجيش الإسرائيلي، والاضرار غير المسبوقة على الجبهة الداخلية، بما في ذلك منطقة حيفا والكويوت، وغوش دان».. ومعروف انّ هذه المناطق تحتوي على أهمّ المنشآت والمراكز الحيوية في الكيان، وتضمّ التجمع الأكبر من مستوطني الكيان، في وقت نزح إليهم القسم الاغلب من مستوطني الشمال والجنوب.
رابعاً، تصعيد نيران المقاومة في هذا التوقيت بالذات يأتي أيضاً في إطار زيادة منسوب الضغط على قادة الكيان لإجبارهم على الرضوخ لشروط المقاومة في المفاوضات الجارية حول صفقة تبادل الأسرى، وبالتالي تعزيز موقف قيادة المقاومة الفلسطينية التي تتعرّض هذه الأيام لضغوط متعددة لدفعها إلى القبول بالمقترح الأميركي الإسرائيلي الذي يستهدف تحقيق تبادل الأسرى من دون أيّ التزام من حكومة العدو بوقف شامل للنار والانسحاب الكامل من قطاع غزة، بما يمكنها من العودة إلى استئناف حرب الإبادة فور انتهاء الهدنة المؤقتة بعد إتمام تبادل الاسرى.. ولهذا فإنّ تصعيد المقاومة ضرباتها في شمال فلسطين المحتلة إنما يهدف إلى زيادة النزف الإسرائيلي ومفاقمة مأزق حكومة العدو نتيجة فشل جيش الاحتلال في غزة وغرقه في وحولها، وتآكل قوته الردعية شمالاً وفشل منظومته الأمنية والدفاعية في التصدي لهجمات المقاومة اللبنانية الصاروخية وعبر المسيرات التي أربكت القبة الحديدية وعطلت دورها في حماية كيان الاحتلال، وأطفأت عيونه الأمنية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى