التذاكي الرئاسي ورامبو العسكري علامات إفلاس
– خلال عشرة أيام بالضبط منذ 31 أيار الماضي، يوم المؤتمر الصحافي للرئيس الأميركي جو بايدن الذي أعلنه خلاله ما سُمّي بالصفقة ثم الاتفاق وانتهى به اقتراحاً، بدت واشنطن وتل أبيب في قمة حال الارتباك والضياع، رغم الخداع الظاهري الذي يقوله إعلان الرئيس الأميركي عن إطار لإنهاء الحرب وتبادل الأسرى من جهة، وقيام جيش الاحتلال بعملية عسكرية ضخمة بمساعدة أميركية معلنة ومباشرة لاستعادة عدد من الأسرى.
– الارتباك أولاً لأن المشهدين متناقضان. فالمبادرة الساعية لاتفاق تستدعي التهدئة العملياتية لعدم إحراج الطرف الذي يتمّ الضغط عليه لتقديم تنازلات وهو المقاومة التي حاولت واشنطن محاصرتها إعلامياً وسياسياً ودبلوماسياً، بمعادلة تقول إن الكرة في ملعب حماس وإن عليها عدم إضاعة الفرصة وإلا تحملت مسؤولية ما يعانيه الشعب الفلسطيني والتصعيد اللاحق عسكرياً. ثم تأتي العملية العسكرية لتقول إن أميركا أولاً ليست وسيطاً بل شريك في عملية قتلت وجرحت أكثر من 700 مدني فلسطيني لاسترداد 4 أسرى من مستوطني الكيان، وتقول إن اميركا والكيان لا يعتبران الاتفاق طريقاً للحل بل الخيار العسكري يتقدم كبديل، وتقول إن الدم الفلسطيني لا يمثل خطاً أحمر بالنسبة لأميركا، فتعطي حركة حماس كل الأسباب لتقول لا للمقترح المعروض عليها، هو فارغ بلا مضمون لأنه لا يتضمن نصاً صريحاً لوقف الحرب وإنهاء الحصار وتحقيق انسحاب الاحتلال من قطاع غزة.
– الارتباك ثانياً، لأن مبادرة بايدن قامت على ثنائية خطية وشفهية، في النصف المكتوب تضمنت ما تعتقد أن بنيامين نتنياهو وحكومته يمكن لهم قبوله. وفي الشفهي تضمنت ما تعتقد أن قيادة حماس ترغب بسماعه، وكان شرط تبرير الفرق بين الخطي والشفهي هو القول إن الخطي هو مقترح إسرائيلي، والشفهي هي ضمانات أميركية، لكن بعد عشرة أيام تبين أن نتنياهو لم يعترف بأبوة النص وطالب بايدن وإدارته بوقف تسمية المبادرة بالمقترح الإسرائيلي لأن حكومته سوف ينفرط عقدها بسبب تهديد وزراء اليمين المتطرف بالخروج منها إذا لم يتم ذلك، لأنهم يتهمون نتنياهو بالتواطؤ من وراء ظهورهم مع الجانب الأميركي. وعندما سحب وصف المقترح الإسرائيلي وأطلق على المبادرة مقترح بايدن، كما سحب من مشروع قرار مجلس الأمن الدولي مصطلح الاتفاق وصار مقترح الرئيس الأميركي، صار السؤال لماذا بقي نصفه خطياً ونصفه شفهياً ما دام صاحبه واحداً. وربحت حماس الجولة بقولها إنها تقبل النص اذا اضيف اليه خطياً كلام بايدن الشفهي عن إنهاء الحرب والانسحاب الشامل.
– الارتباك ثالثاً لأن غزوة مخيم النصيرات التي أزهقت أرواح 274 مدنياً فلسطينياً وتسببت بقتل 3 أسرى، لاستعادة 4 منهم، هي خير دليل بذاتها على عكس ما أراد منفذوها، فبدلاً من أن تقول إن الطريق العسكري هو بديل للتفاوض قالت إنه اذا كان كل 9 شهور سوف تتم استعادة 4 أسرى وقتل 3 وارتكاب مجزرة مروّعة بهذا الحجم، فالأفضل الذهاب الى التفاوض.
– عملياً مبادرة التذاكي وعملية رامبو تعبّران عن مأزق فشل الحرب والعجز عن الاعتراف بالهزيمة، ومحاولة للالتفاف على العجز بأعمال بهلوانية استعراضية لبيع صورة إعلامية، واحدة تقول إن بايدن يسعى لوقف الحرب وقد باتت باسمه مبادرة، وثانية تقول إن نتنياهو يسعى لاستعادة الاسرى وقد باتت باسمه عملية، لكن لا المبادرة أقلعت ولا العملية نفعت.
التعليق السياسي