إلى أين تتجه الحرب في جنوب لبنان؟
} محمد فلحة
تثير الأوضاع الحالية في جنوب لبنان تساؤلات كثيرة حول مستقبل العدوان في المنطقة، وإمكانية توسع المعارك لتشمل جميع الأراضي اللبنانية وكذلك مناطق كيان العدو في فلسطين المحتلة. هنا عرض لأهمّ التطورات والمواقف ومحاولة استشراف لما قد يحمله المستقبل.
تصاعد التوترات العسكرية
بدأت التوترات والأعمال العسكرية في جنوب لبنان منذ الثامن من أكتوبر، أي بعد يوم واحد من قيام عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر. تتوالى التقارير عن تصعيد في العمليات العسكرية بين حزب الله وقوات العدو الإسرائيلي. ويمتلك حزب الله ترسانة عسكرية ضخمة تشمل صواريخ دقيقة وموجهة وصواريخ بعيدة المدى مثل صاروخ «البركان» الذي يمتاز بقدرته على تدمير أحياء كاملة، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة الانتحارية التي تنفجر عند وصولها إلى أهدافها.
الاستعدادات العسكرية لحزب الله
تشير التقارير إلى أنّ حزب الله عزز من قدراته العسكرية منذ حرب تموز 2006، وذلك عبر تطوير أسلحته واعتماد تقنيات جديدة، بما في ذلك نسخ أجزاء من الصواريخ الإسرائيلية التي تمّ الاستيلاء عليها خلال العدوان. هذا التطور يعكس استعداد الحزب لمواجهة أيّ تصعيد محتمل في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، أسقط حزب الله طائرات مُسيرّة إسرائيلية من نوع «الهارون» و»الهرمز-900» باستخدام صواريخ أرض-جو، وأطلق صواريخ مماثلة مؤخراً على طائرات «أف 35» الإسرائيلية. لم يكن هدف حزب الله إسقاط الطائرات، بل تخويفها وردعها عن القيام بعمليات في الأجواء اللبنانية.
الربط بجبهة غزة
أعلن مسؤولو حزب الله بشكل صريح أنّ جبهة جنوب لبنان تُعدّ جبهة إسناد لقطاع غزة، مؤكدين أنّ عمليات حزب الله مرتبطة بما يجري في القطاع المدمّر. وعليه، فإنّ حزب الله يوقف القتال أو القصف على العدو الإسرائيلي عندما تتوقف الحرب في غزة. هذا الربط يعكس التضامن والتنسيق بين الجبهتين ضدّ العدو المشترك، ويزيد من تعقيد المشهد العسكري والسياسي في المنطقة.
الأوضاع الإنسانية في جنوب لبنان
نتيجة لهذا العدوان، أصبحت معظم القرى في جنوب لبنان على الحدود مع فلسطين المحتلة مدمرة أو شبه مدمرة بالكامل. نزح عدد كبير من أهالي هذه القرى إلى مناطق أكثر أماناً. وتجاوز عدد شهداء حزب الله في هذه المعركة 300 شهيد على طريق القدس. في المقابل، الجيش الإسرائيلي لا يكشف بشكل كبير عن خسائره، ويخضع ما ينشره للرقابة العسكرية الصارمة، لكن الإعلام الإسرائيلي ينشر بعض التفاصيل المسموح بها.
قوة حزب الله في القتال
نشر حزب الله مؤخراً فيديوات تشير إلى القصف المباشر لأحد المواقع الإسرائيلية من مسافة قريبة جداً، لا تتعدى الأمتار القليلة. هذا يدلّ على قوة حزب الله وقدرته على تنفيذ عمليات دقيقة وخطيرة. كما أنّ هذه الفيديوات تعكس مهارة وقدرة فرقة «الرضوان» على اقتحام مناطق العدو بفعالية، مما يزيد من قلق الجيش الإسرائيلي ويبرز التحديات الكبيرة التي يواجهها في التصدي لهذه العمليات.
احتمالات توسع العدوان
يتساءل الكثيرون عما إذا كان العدوان الحالي قد يتوسع ليشمل كافة الأراضي اللبنانية وكذلك مناطق الكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة. الخبراء يرون أن توسع المعارك قد يكون كارثياً على المنطقة بأسرها، نظراً لقدرات التدمير المتبادلة الكبيرة لدى الطرفين. من ناحية أخرى، فإنّ تصاعد التوترات قد يدفع الأطراف الدولية إلى التدخل للحدّ من التصعيد وضمان استقرار المنطقة.
الدور الدولي والإقليمي
تلعب الأطراف الدولية والإقليمية دوراً كبيراً في تهدئة أو تأجيج العدوان. من جهة، تدعم بعض الدول حزب الله وتزويده بالأسلحة والمعدات، بينما تدعم دول أخرى «إسرائيل» وتدفع باتجاه ضمان أمنها. هذا التوازن الدولي يشكل عاملاً حاسماً في تحديد مسار الأحداث في المستقبل القريب.
السيناريوات المحتملة
من بين السيناريوات المحتملة:
1 ـ التصعيد العسكري الشامل: قد يؤدي إلى نزاع واسع النطاق يشمل جميع الأراضي اللبنانية والإسرائيلية.
2 ـ التهدئة المؤقتة: بوساطة دولية قد تؤدي إلى هدنة مؤقتة وتجديد المفاوضات.
3 ـ الحرب بالوكالة: استمرار الاشتباكات بشكل محدود دون توسعها إلى حرب شاملة، مما قد يؤدي إلى استنزاف الأطراف دون تحقيق نصر حاسم.
في الختام، تبقى الأوضاع في جنوب لبنان غير مستقرة وقابلة للتطور في أيّ لحظة. يعتمد مستقبل العدوان على العديد من العوامل بما في ذلك قرارات القيادات العسكرية والسياسية للطرفين، والدور الذي ستلعبه القوى الدولية في تهدئة أو تأجيج الصراع. في هذه الأثناء، يبقى السكان المدنيون في المنطقة هم الأكثر تضرراً من استمرار هذا العدوان الدامي.
ويؤكد أهل الجنوب على التزامهم بالنهج المقاوم الذي يعتبرونه السبيل الوحيد للدفاع عن أنفسهم ضدّ أيّ عدوان «إسرائيلي». في تصريحاتهم الإعلامية، يشدّد النازحون الجنوبيون على أنّ جميع ممتلكاتهم ومواردهم ستكون في خدمة المقاومة والشهداء الذين يسقطون دفاعاً عن لبنان وأراضيه من الاحتلال الإسرائيلي.
وفي النهاية، يبقى الأمل كبيراً بنصر المقاومة ودحر العدوان بشكل كامل ونهائي في لبنان وفلسطين…