في حضرة الغياب… سورية على العهد والوعد
} رنا العفيف
في ذكرى الرحيل تحية اقتدار للرئيس الدكتور بشار الأسد، الأصيل الوفي، الذي فتح شراع الأمل والأمان والأمن بعدما كانت مفتوحة أبواب الشرور فتطهّرت منها سورية على يديه، وها هو يعيد بناء سورية بالحجارة النظيفة الطاهرة، فأعاد بوصلة العرب إلى نهج أبيه الراحل الذي لم يوقّع أي اتفاق مع الكيان الإسرائيلي ولم يذهب إلى واشنطن للقاء أيّ رئيس أميركي بل جاؤوا هم إليه أو لاقوه في منتصف الطريق…
لنا كلّ الفخر بأننا من جيل عاش في زمن حافظ الأسد وتشبّعنا من نبض روحه وقلبه لفلسطين والمقاومة وعشقه لسورية ولبنان والأمة، فهو أكبر من كلّ لقب وقامة وطنية يُحتذى لها…
كثيرون هم الرجال الذين دخلوا التاريخ وخلّدتهم الأيام، ولكن الرجل الذي كتب التاريخ وجعل الأيام صفحات هذا التاريخ هو حافظ الأسد، الرجل الفكر الذي ما كان يوماً ليبخل بوقت أو جهد أو مال، وما كان يوماً إلا حريصاً على الأمة والوطن، وما كان يوماً إلا شوكة في حلق من يريد هضم ايّ حق من حقوق أمتنا، وما كان يوماً إلا سيفاً قاطعاً على رقاب مغتصبي حقوقنا في تاريخ سورية والعرب،
هو من هابه الغرب حتى قال أحد رؤساء الولايات المتحدة الأميركية إنه مرشح لقيادة العالم، مضى على رحيل القائد 24 سنة ولا تزال سورية على الوعد والعهد حرة عصية حتى انقضاء الدهر، خالد في الوجدان والذاكرة يوم أضاع العرب مفتاح القضية، فكانت سورية في مهبّ الرياح العاتية بوصلة أمان، وكان القائد الراحل العنوان البارز تاريخياً المؤتمن على فلسطين والقضية وعلى الجولان، إذ تفوح عزة وكرامة من تراب سورية، فتكشفت أوراق الزمن حيث يكون الوطن فينا، ولا سيما قد أهدى السوريين كرامة من تشرين مرتين ومن العروبة آلاف المرات ومن الصمود حتى غدت قلاعها دمشقية، وعلى جبين التاريخ كتب بيده رمزاً من الرموز الوطنية قلّ نظيره في الزمن العربي الرديء، يوم قدّموا «صلحاً» لـ «إسرائيل» والغرب فكانت الأرض مقابل السلام وكان أيضاً ما أخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة…
في ذكرى رحيل حافظ الأسد يقول السوريون كلمتهم ويستذكرون نضاله الدؤوب، وإرادته الفولاذية، وأنهم على دربه سيكملون الطريق، ومع بشائره نمضي حتى القدس من أجل الوطن المعشوق الأول، رحل وما زالت خطاباته يردّدها الصغير قبل الكبير تأخذها صدى النفوس جيلاً بعد جيل…
يوم العاشر من حزيران يونيو عام 2000 لا يمكن أن ينساه السوريون، ففيه رحل الرجل الذي كان يشغل العالم وعرفته الأمة تاريخاً ومناضلاً ومكافحاً تحلى بالصدق والشجاعة والثبات والحرص على حماية مكتسبات الشعب والأمة مؤمناً بدور النضال والكفاح المسلح في الشرق الأوسط، لم تهادنه فلسطين وقضيتها المركزية حتى لحظات حياته الأخيرة، رحل وما زالت بصمات النضال والكفاح رسوخ القيم منهجاً في حياة عامة الشعب يضيء مشاعل درب سورية والأمة.
لم يكن القائد المؤسّس شخصاً عادياً، وإنما قائد استثنائي في زمن مميّز قاد الحركة الطلابية حامل راية لواء الحق عرف البلاد أصعب ظروفها ووضع سورية بموضع الحق الذي يحسب لها الأعداء ألف حساب حتى يومنا هذا، نهض بالحركة التصحيحية المجيدة إلى حرب تشرين بأقدام الثبات والصبر وانتشل سورية من ركام الاستعماريين والإقطاعيين والبرجوازية وثبت وطائد سياستها الخارجية ببناء العلاقات الوطيدة والمتينة مع الحلفاء ووقفوا إلى جانبها في السلم والحرب ورغم طول السنون على رحيله والغياب يطول إلا أنّ كلماته لليوم مسموعة قادرة على تخطي الظروف والصعاب حاضرة في وجدانية وعقل الدولة السورية وجسدها…
ما تميّز به الخالد حافظ الأسد واعترف به الأعداء واعتز به الأصدقاء ما أنجزه للعروبة والعرب بشكل عام وما أنجزه للشعب السوري على وجه الخصوص بالرغم من إمكانيات سورية البسيطة إلا أنه دعم القطاع التعليمي والصحي بالمجان وشيّد الطروقات والسدود والكهرباء والخدمات، وبنى جيشاً عقائدياً قوياً متيناً ودعم وحده كلّ مقاومة شريفة وفية لفلسطين ولبنان وأذلّ كلّ القوى الصهيونية الغازية لكلّ غزوٍ، واليوم نهج حافظ الأسد يستمرّ بصلابة تنهل منها القيَم السامية وتسترشد من فكر خالدها النهج القويم والسليم الذي تفاخر به الأمة كلها والأجيال الصاعدة التي تتربّى على مبادئ الدولة السورية تستنير بهدية في مسيرتها المقبلة، نسأل الله أن يحفظ القائد بشار الأسد، وأن يبقيه ذخراً للأمة والوطن حامياً وأميناً للعروبة والإسلام، وكما في هذه الذكرى يجدّد السوريون عهدهم وولاءهم لقائدهم الملهم وقدوتهم متمثلة بوثيقة البيعة المتجددة للتاريخ والمستقبل، إنها إرادة الشعب وقرار الأمة ملء الأجواء تعلن للعالم أجمع قيادة الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد خيار الشعب وقرار الوطن ورمز الشموخ القومي بصون الإباء الوطني في زمن الصراع مع الأعداء في جميع الساحات والمواقع، بقيادته الفذة ستتجاوز سورية هذه الصعوبات وستتغلب عليها محققة بذلك الانتصارات في كافة الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا عجب إذا كان الرئيس بشار يتحدّر من عائلة توارثت البطولة كابراً عن كابر رافضاً الخنوع وطأطأة الرأس، إنه الثائر الذي تقتدي به الأجيال، لقد خصّته القدرة الإلهية برعايتها ليكون باني حضارة هذا الوطن الصامد يرفع رايته خفاقة ليحقق له ما أراد، وها هو اليوم بقطف ثمار جهاده ونضاله بتنمية قدرات سورية مما مكنها أن تضطلع بدور نضالي تاريخي في قيادة الأمة العربية ومواجهة التحديات المصيرية وفي مقدمها تحدي العدوان الصهيوني وذلك من خلال تبنيها لأهداف الأمة العربية في الوحدة والتضامن والتحرير.