هذا ما ينتظر الجبهة في جنوب لبنان
} يوسف هزيمة
دخلت المعارك الدائرة في جنوب لبنان وشمال فلسطين، منذ أيام قليلة، شهرها التاسع، وهذه المعارك، أو الحرب كما يريد بعضهم تسميتها، فتحتْها، متعمّدة، المقاومة اللبنانية، في سابقة لم نعتد عليها نحن اللبنانين ولا العرب، حيث كانت «إسرائيل» على مدار السنين منذ قيامها هي التي تبادر إلى فتح الحروب في أغلب الأحيان، ولم تلقَ مقاومة تردعها، أو توقفها عند حدّها على الأقل، ولا حدّ ولا حدود لـ «إسرائيل»، وهي التي أقامت كيانها بين حدود التراب والماء الفلسطينييَّن (نهر الأردن شرقا والبحر المتوسط غرباً).
أشعلَت المقاومة في جنوب لبنان في اليوم الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم الجبهة الجنوبية في وجه العدو الصهيوني رداً على عمليته الدموية ضد قطاع غزة، وأعلنت انها لن توقفها ولن تهمِد أو تخمِد نيرانها ما لم يهمد الإسرائيلي نيرانه في غزة.
ثمانية أشهر مضت، ودخلنا منذ أيام في الشهر التاسع، والجبهة الجنوبية مشتعلة، ونيرانها لم تُطفأ، بل استعرت وامتدّت رقعتها إلى حدود تخطت المناطق الحدودية الجنوبية، لتطال كثيراً من مناطق الجنوب، ومعها بين الفينة والفينة مناطق في البقاع البعيدة عن الحدود الفلسطينية. وعلى الضفة المقابلة في شمال فلسطين كانت نيران المقاومة تحرق المستوطنات المحاذية، وصولاً إلى مناطق بعيدة جداً عن الحدود، ولا سيما في الجولان وصفد وصولا إلى عكا وشمالي حيفا ساحلاً…
وإذا كانت قيادة المقاومة في لبنان أعلنت منذ البداية، وغير مرة، أنها فتحت المعركة إسناداً لغزة وإشغالاً للصهيوني، وقد نجحت في ذلك إيما نجاح، بالاستناد إلى الوقائع والنتائج الميدانية واعترافات قادة العدو الإسرائيلي. إذا كانت المقاومة كذلك، إلا أنّ الإسرائيلي، ولا سيما نتنياهو كان ولمّا يزل يحلم بجرّ المقاومة إلى حرب بكل ما للحرب من معان وهذا ما لا تريده المقاومة. ولعل التهديدات الصهيونية التي رافقت المعارك منذ ثمانية أشهر هي خير دليل على نيّات الصهاينة بجرّ لبنان إلى الحرب الواسعة، ولكن لم يستطع ان يحوّل النيات إلى أفعال ولن يستطيع، ويمكن في هذا السياق تسجيل ما يأتي:
1 ـ منذ الايام الأولى للحرب على غزة وفتح الجبهة الجنوبية، حضرت الولايات المتحدة باساطيلها إلى المنطقة، وحركت في آن ديبلوماسيتها (جولات بلينكن، وزير الخارجية)، وهي في تحركاتها العسكرية والسياسية كانت تريد معرفة مصير ومسار الجبهة الجنوبية، حتى إذا تأكدتْ أن المقاومة ليست في وارد إشعال حرب واسعة، انكفأتْ بأساطيلها ولم تلغِ دعمها العسكري التقليدي والمعتاد، وكذا تحركها السياسي.
2 ـ القيادة العسكرية الصهيونية التي هدّدت وتهدّد لبنان بحرب واسعة، تعرف جيداً أنها في تهديداتها إنما توجه رسائل دعم معنوي لجيشها المنهزم في غزة، والذي ذاق عبر السنوات الطويلة الهزيمة من المقاومة اللبنانية، والقيادة هذه في حروبها مع العرب، ما كانت تهدّد يوماً بل إنّ فعلها العسكري كان يسبق تهديدها، وهذه القيادة تدرك جيداً استحالة تحقيق اي نصر مع مقاومة لبنان الذي حققت فيه (إسرائيل) آخر نصر في الاجتياح عام 1982 ومذاك توالت عليها الهزائم من لبنان.
3 ـ إذا كان نتنياهو يريد الحرب فعلا، وهو يريدها لأنّ بقاءه في السلطة وضمان مستقبله السياسي بحسب اعتقاده يكون باشعال حرب شاملة في لبنان، إلا أنّ نتنياهو هذا أُفهِم من قبَل الأميركي بأنّ فتح أيّ حرب في لبنان معناه إشعال الجبهات في الإقليم ككلّ بل انّ نيران الحرب ستصل إلى الخليج…
4 ـ المقاومة التي أرادت فتح جبهة محدودة نصرة لـ غزة، أعلنت مراراً انها لا تريد توسيع الجبهة، وهي في رأي المراقبين غير مستعدة ان تتحمّل أعباء حرب تطال اللبنانيين كلهم وتظهِر الإسرائيلي في العالم بموقع المعتَدى عليه، وبذلك ينقلب الرأي العام الغربي على المقاومة ويعود متعاطفاً مع» إسرائيل» كما كان، وهذا ما يُفقِد غزة أحد أهمّ العناصر، حيث بات العالم برمته، وليس فقط الشعوب، مناصراً للقضية الفلسطينية التي أصبحت القضية رقم 1 في هذه المعمورة.
في الخلاصة فإنّ قادة الاحتلال الإسرائيلي بفعل عمليات المقاومة اللبنانية، الحكيمة والمدروسة والقوية والمحكمة والموجعة… هؤلاء القادة، ساسةً وعسكراً، يوقنون أنّ أيّ تنفيذ لتهديداتهم بإشعال حرب واسعة في لبنان ستواجه بمقاومة تبدأ من لبنان إلى اليمن والعراق وسورية وايران.
بناء على ما تقدّم، فإنّ ما ينتظر الجبهة في جنوب لبنان هو المزيد من التهديدات الكلامية، وهذا لا ينفي حدوث المزيد من التصعيد، لانّ الأمر كله متعلقاً بمسار الحوادث في غزة، التي ستنتهي، ولو طالت، بتسوية ستشمل معها لبنان. ولن يكون الرابح الأكبر فيها سوى المقاومة ومحورها…
*كاتب وباحث سياسي