أولى

هدنة «بايدن» الفاشلة وتصاعد جبهات إسناد غزة…

‭}‬ د. جمال زهران*
أعلن الرئيس الأميركي (جو بايدن) يوم الجمعة 31 مايو/ أيار (2024م)، مبادرته، بشأن وقف إطلاق النار والتهدئة في غزة وتبادل الأسرى، كمقدّمة لوقف التصعيد على الجبهات المساندة لغزة، ومحاولة لإنقاذ الكيان الصهيوني، من مصيره المحتوم بالفشل في الحرب وتداعيات ذلك بالتفكيك وانهيار هذا الكيان. وفي الاستخلاص كمحاولة لإنقاذ نفسه في الانتخابات الأميركيّة المقرّر إجراؤها في يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
فالرئيس الأميركي (بايدن)، طرح مبادرته أساساً، لمحاولة إنقاذ نفسه، بعدما أكدت كل التقارير واستطلاعات الرأي، احتمالات فشله بدرجة كبيرة، وتراجعت نسب تأييده في كافة الأوساط الجماهيرية في أميركا نفسها. إلا أنّه قد تصوّر أنه بمجرد طرح هذه المبادرة، أن ينحني الجميع لمبادرته، على خلفية احتكاره للنظام الدولي وللمنطقة العربية وللصراع الدائر في الإقليم وحده، ودون أي تنسيق مع أي طرف آخر، رغم وجود نفوذ لهذه الأطراف وخاصة روسيا والصين. وعلى الرغم مما أعلنه أنّ هذه المبادرة آتية له من الكيان الصهيوني، إلا أنّ الواقع العملي يشهد بالاضطراب لدى الطرف الصهيوني، الذي أعلن عن قبول كابينت الحرب برئاسة النتن/ياهو، ثم تراجع الكيان مرة أخرى، وسط تمزق في مواقف الحكومة الصهيونية!
ولم نفهم هل هي مبادرة صهيونية، وصنعت على «فم» بايدن، أم أن بايدن وإدارته قد أعلنا ذلك، وتأكيداً، أنه طالب الأطراف بالقبول والموافقة فوراً، لعدم وجود وقت! كما أنّ إدارة بايدن مارست ضغوطاً على كلّ من مصر، وقطر، وتركيا، لممارسة الضغوط على الطرف المقاوم (حماس وأخواتها المقاومين)، إلى حدّ المطالبة بالتهديد، بطرد مقرّ المكتب السياسي لحماس من الدوحة، ومطالبة مصر بتجميد الحسابات البنكية لقوى المقاومة، لإجبارهم على الموافقة على المبادرة وتجنب إحراج الرئيس الأميركي/ بايدن، أمام العالم، باعتبار أنه هو الذي أعلنها بنفسه، الأمر الذي قد يتسبّب في خسارته غير المحدودة، من الآن فصاعداً!
فماذا كانت ردود فعل كلّ من الكيان الصهيوني، وأطراف المقاومة المتوحّدة في «حماس» التي تعبر عن كل هذه القوى؟!
بالنسبة للكيان الصهيونيّ، فإنّه لا يزال يعيش في حالة الاضطراب، وتأكد أنه ليس هو بصانعها، بل إنّ الصانع هو بايدن وحكومته. كما أنّ الموقف يتركز حول قضية محورية هي، أنّ تماسك الحكومة الصهيونية واستمرارها، بأغلبيتها الهشّة البالغ عدد داعميها في الكنيست هو: (63) مقعداً فقط! يرتبط باستمرار الحرب، وحتمية تحقيق أهداف الحرب ضد المقاومة في غزة، وهي التي لم يتحقق منها أيّ شيء، سوى الهدم والقتل فقط! فما هو المتوقع من حكومة النتن/ياهو، المتوحشة، إزاء هذه الحرب؟! هل ستقبل هذه الحكومة وقف إطلاق النار بصفة دائمة، كما تطالب المقاومة الفلسطينية؟! الإجابة بحسم لا.
فلو قبلت الحكومة الصهيونيّة ذلك، لتفكّك الائتلاف الحاكم، وسقوط الحكومة، والدعوة لانتخابات أخرى، وسيذهب النتن/ياهو، للمحاكمة والسجن! ولو امتنعت الحكومة الصهيونية عن الاستمرار في الحرب والانسحاب الكامل من غزة، ما حققت أي نتيجة، وسيخسر كلّ أطراف العملية السياسية في الكيان! أي بكل الاحتمالات فإنّ الكيان الصهيوني وحكومة النتن/ياهو، فهي خاسرة مئة في المئة! لذلك فالكيان الصهيوني مستمر في الحرب بلا توقف، ولا سبيل إلا لإجباره على الوقوف جبراً وقهراً وباستخدام كل سبل القوة، من الطرف المقاوم، خاصة بعد فشل المجتمع الدولي حتى الآن، عن إجبار الصهيونيّ، عن التوقف عن حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة!
أما الطرف المقاوم: فإنّه يرفض تماماً، أي اتفاق بدون القبول الكامل من جانب الكيان الصهيوني، بوقف الحرب بشكل كامل، والانسحاب الكامل من غزة، وبضمانات كاملة، وإلا فلا اتفاق.. ولا قبول لأية مبادرات من بايدن أو غيره، وأن ما قبلته من قبل، وأعلنته هو الحد الأدنى الذي يستحيل التراجع عنه أو القبول بغيره. بل إن ما هو جديد وأعلن على لسان القادة في حماس والجهاد، على وجه الخصوص، هو الاشتراك بالوقف التام والانسحاب الشامل من القطاع، قبل تنفيذ الخطوات التالية، مثل تبادل الأسرى. فضلاً عن أنّ المقاومة الفلسطينية، تتهم الكيان الصهيوني، والنتن/ياهو على وجه الخصوص، بأنه هو الذي يعطل التوصل إلى أية اتفاقات، ويختلق المبرّرات من أجل استمرار حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، ومن ثم فالنتن/ياهو، وشركاؤه، هم مصّاصو دم، ودعاة حروب إبادة ضد الشعب الفلسطيني، ومن ثم فهم غير مؤهّلين لأي اتفاقات على الإطلاق. كما أنّ أميركا وإدارة بايدن شريكة في هذه الحرب بشكل مباشر، والداعمة لها بكلّ السبل حتى بالمدّ بقوات تخطط وتنفذ إلى جانب القوات الصهيونية الفاشلة، فهي حرب أميركية صهيونية بالأساس.
وخلاصة هذه النقطة، أنّ مبادرة بايدن لوقف الحرب في غزة، هي مبادرة فاشلة، ولن تجد سبيلها إلى الواقع، بسبب الإصرار الصهيوني، على استمرار حرب الإبادة الصهيونية لشعب غزة، لأنّ الخيار الآخر المترتب على وقف الحرب والقبول به من جانب الكيان، يعني الهزيمة الكاملة للكيان، والانهيار الشامل له!
وعلى الجانب الآخر، فإنّ جبهة الإسناد، في جنوب لبنان، فإنّها تسير بخطى قوية في إطار استراتيجية التصعيد التدريجي، نحو الحرب الشاملة قريباً، حال قيام الكيان بأيّ هجوم شامل ضدّ لبنان، وهنا ستكون نهاية الكيان تماماً، وهو ما تضغط أميركا في الحيلولة دون حدوثه! ويتأكد ذلك من خلال النوعيات المتجددة والمتكررة من جانب قوات حزب الله في كريات شمونة، والجليل، والجولان، وغيرهم، والتي أحدثت حرائق شاملة، عجز الكيان بكلّ إمكانياته عن إطفائها بسرعة! كما أنّ جبهة الإسناد اليمنيّة، بإطلاق أول صاروخ على ميناء أم الرشراش (إيلات)، تأكيد على دخول روسيا على الخط، بدعم اليمن بصواريخ تطلق على بعد (2000) كم، بينما كلّ الضربات السابقة من اليمن على أم الرشراش كانت بالطائرات المُسيّرة! والسؤال: هل فقد الصهيوني والأميركي الوعي والإدراك، بأنّ نهاية الكيان قد حانت؟! أرى أنّها حانت بالفعل. ولذلك فإنّ كلّ جهود التوصل إلى «هدنات»، أضحت فاشلة، حتى مبادرة بايدن…

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى